ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

من الواضح التقارب الفرنسي مع محور الشر العربي المتمثل في الإمارات والسعودية والبحرين والنظام المصري والمنضم إليهم حديثا الأردن، ويبدو التنسيق على أشده في ليبيا حتى أن ماكرون حامل لواء الزعامة والحالم بأمجاد بونابرت وقع في خطأ استراتيجي في ملف ليبيا مدفوعا بغضبه من تركيا وراغبا في ضرب التوافق التركي الروسي، ما أغضب سيد البيت الأبيض، وكان عليه لزاما أن يصلح خطأه بإرضاء واشنطن وفي نفس الوقت يحقق هدفه الذاهب من أجله إلى ليبيا.. ضرب التمدد الناعم لتركيا.

 بين سيناريوهات ثلاثة ظل السير مارك سايكس مترددا في التعامل مع الخلافة العثمانية وعرض سيناريوهات على مجلس العموم فاعترض على الحفاظ على الإمبراطورية الضعيفة المتهاوية، وفي مطلع عام ١٩١٥ كتب لصديقه أوبری هربرت الملحق السابق بإسطنبول ردا على خطابه يقول: ( أشعر من خطابك أنك مازلت تؤيد الأتراك، سیاستك خاطئة. لابد أن تزول تركيا من الوجود، ستصبح مدينة سميرنا يونانية، والأناضول إيطالية وجنوب طوروس وشمال سوريا فرنسية، وفلسطين بريطانية، وما بين النهرين بريطانية، وبقية الأجزاء روسية بما في ذلك إسطنبول، سأرتل تسبيحة الشكر بآيا صوفيا، ونشيد الأناشيد بجامع عمر، سنرتلها باللغة الويلزية، والبولندية والكلتية والأرمينية، على شرف الأمة الصغيرة الباسلة).

يبدو أن المصرفي الفرنسي ربيب مصرف "روتشيلد" يحلم بأمجاد أجداده في تقطيع أواصل الشعوب وتقسيم الدول وزرع الفتن بين جنباتها، إلى العراق حمل مشروعا تناقش أدواته خطوطه العريضة في عمان قبل أيام من وصوله إلى بغداد، وقد ألمح إليه في تصريحات قبل أن يكشف غايته في تسريب كتبه الصحفي جورج مالبرونوت في صحيفة لوفيجارو، والذي وبخه ماكرون عليه، إذ كشف مخطط دأب على نسجه منذ أشهر في السر وعلى مهل، من خلال استيعاب المنطقة وتفريغ جهودها وتحييد أطراف بعينها فيها من أجل التفرغ لشحذ الجهود والهمم لكبح جماح تركيا في المنطقة، فمن اعتبار حزب الله شريك، إلى تسريب لقائه برئيس الكتلة البرلمانية عن حزب الله محمد رعد، ذلك للقاء الذي يرى فيه المراقبون محاولة لتطمين إيران على مصالحها في لبنان وتخادم من جهة أخرى في وقت بدأ الحديث عن استغناء تركيا عن النفط والغاز الإيراني.

فكرة المحاور وإشعال الحرائق هي صلب خطة ماكرون والثمن دوما مدفوع إماراتيا، السيسي المدفوع للعب أدوار أشبه بالسحر، ويلقي بدوره الثعابين في طريق تركيا، يخيل إليه أنها تسعى، وقد خاب في كل مسعى، ورغم هجومه المستمر إلا أن أحدها لم يفلح، في ليبيا وفي المتوسط، وفي محاولة الانقلاب الفاشل في الخامس عشر من تموز قبلها، مع ذلك فالرجل مستمر في حيله التي توسوس له بها براميل النفط وأجولة الرز في الخليج، فبعد ليبيا، يذهب السيسي بفرقاطاته ليشارك في مناورة بحرية ليس الهدف منها رفع كفاءة قواته بقدر مناكفة تركيا في مشروعها الطموح في البحث عن حقها في غاز المتوسط، ومع السيسي تجد الإمارات الحاضرة من أقصى الأرض تلبية لأحلام ماكرون في تعكير صفو شرق المتوسط.

وفي البر يريد ماكرون إشعال طوق من النار حول تركيا فالأردن بدورها الوظيفي التاريخي اكتسبت عضوية محور الشر في المنطقة بعد أن كانت مترددة، فأرسلت جنودها إلى ليبيا مدفوعين بالرز الخليجي وبالرهاب التركي الذي يبدو أكثر حرصا على المقدسات في فلسطين من المملكة المستأمنة عليها، وفيما يبدو أن المملكة أرادت بالتقارب من تركيا في السنتين الماضيتين لفت انتباه الكفلاء في الخليج لمزيد من الرضا تجاه البلد الذي يعاني مشاكل اقتصادية كبيرة.
وفي العراق يبحث مصطفى الكاظمي عن شرعية كتلك التي يبحث عنها السيسي وتأرجح بين حبلي إيران وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى، ولأن أمريكا تريد أن تحد من قدرات تركيا المتنامية بعد أن أصبحت فاعلا حقيقيا وعنيدا في كل قضايا الشرق الأوسط، فلقد هدى شيطان الكاظمي فكره إلى السماع لماكرون في خطته، رغم أن تركيا والعراق تجمعهما علاقات اقتصادية إستراتيجية تتعدى النفط.

ماكرون الطفل الجانح والذي شب ليتزوج معلمته في المدرسة رغم رفض أبيه، تعامل مع رئيس بوركينا فاسو بعجرفة، رغم ضيافته، جعلت المضيف ينسحب من اللقاء ويتركه، وفي قمة العشرين في هامبورج تحدث ماكرون عن المرأة الإفريقية بكثير من العجرفة الممزوجة بالعنصرية، ما أثار غضب كل الأفارقة عليه، يبدو أن صغر سن ماكرون وتصنيعه على طريقة الــ (fast food) من قبل عائلة روتشلد جعلته عقبه في طريق كل المشاريع التي يقودها بل وفي طريق صانعيه أنفسهم، فماكرون الذي بدا ضعيفا أمام أصحاب السترات الصفراء أضعف من أن يقود مشروعا لتهديد تركيا.            

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس