(تلة هيديرليك بأنقرة والتي تفيد المصادر التاريخية بوجود قبر الشاعر الجاهلي فيها)

ترك برس

ربما من غير المألوف معرفة أن رفات شاعر من أبرز شعراء الجاهلية، وصاحب أحد المعلقات السبع، توجد في عاصمة بلد غير عربي، مثل تركيا، كما هو الحال مع الشاعر اليمني الجاهلي، جندح الكندي الشهير بلقب امرؤ القيس.

وسلّط تقرير نشرته "الجزيرة نت"، رحلة الشاعر الجاهلي من حضر موت اليمينية إلى منطقة الأناضول، وكيف دُفن بالقرب من العاصمة التركية الحالية، أنقرة.

ولد امرؤ القيس في وقت ما من مطلع القرن 5 الميلادي، في نجد بقرية مرات عاصمة مملكة أبيه بجبل عاقل (ديار بني سعد)، ونشأ مترفا لأبيه حجر بن الحارث، الذي كان ملكا على بني أسد وغطفان، بينما كانت أمه فاطمة بنت ربيعة التغلبية أخت كليب ملك التغلبيين والشاعر المهلهل، حيث ورث امرؤ القيس البراعة الشعرية من خاله.

لكن امرأ القيس لم يرث من أبيه وخاله كليب سيماء الملوك، فقد استهواه شعر الغزل الصريح والتشبيب بالنساء ومخالطة الصعاليك، ما جلب عليه نقمة أبيه، فطرده إلى موطن قبيلته في دمون الواقعة بمدينة الهجرين اليمنية التاريخية، ليبقى في دمون الحضرمية سنوات قبل أن تستهويه حياة الترحال، ويعيش عابثا متنقلا مع أصحابه خلف اللهو والطرب.

وتوصف معلقة الشاعر الجاهلي بأنها من أجود ما قيل في الشعر العربي، واختلف الرواة في عدد أبياتها، وتضم موضوعات الغزل القصصي والوقوف على الأطلال ووصف الفرس والليل والصيد وحياة الترحال والمغامرة

عُرف امرؤ القيس بفحش شعره وقصصه الغرامية، وقضى زمنا في التسكع والمجون وصحبة صعاليك العرب، وحتى الصيد والإغارة والسلب، وقال عنه النساب والمؤرخ الأموي ابن الكلبي إنه كان يسير في أحياء العربن ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيئ وكلب وبكر بن وائل، فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام، فذبح وشرب الخمر وسقاهم، وغنت لهم قيانه، ما يزال كذلك حتى يذهب ماء الغدير وينتقل عنه إلى غيره.

إلا أن حياة اللهو التي عاشها امرؤ القيس الذي كان يكنى بأبي وهب، وأبي زيد، وأبي الحارث، لم تدم، وبمقتل أبيه تبدلت حياة امرئ القيس ونقل عنه قوله "رحم الله أبي، ضيعني صغيرا، وحملني دمه كبيرا.. لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غدا، اليوم خمر وغدا أمر".

وقرر أن يثأر لأبيه ويستعيد حكم كندة وفارق الخمر واللهو، وجمع أنصاره، وحشد قبائل أخواله بكر وتغلب، وعاد امرؤ القيس إلى اليمن، وطلب مددا من قومه، وجمع من قبائل حمير ومذحج نفرا، وأمده الملك ذي جذن الحميري بمدد قاده ليقاتل بني أسد، ونال من سيدهم عمرو بن الأشقر،

رفض الشاعر الجاهلي عرض الصلح والفدية ما جعل حلفاءه من قبائل بكر وتغلب يتخاذلون عنه، بحسب المصادر التاريخية، واضطر امرؤ القيس لمواجهة المنذر ملك الحيرة الذي كان حليفا لكسرى ملك الفرس، واستنجد بالقبائل لنصرته، فلم ينجده أحد فسمي بالملك الضلّيل.

الرحلة إلى الأناضول

لجأ امرؤ القيس إلى الروم أعداء الفرس التقليديين بعد نصيحة الغساسنة، وقصد القسطنطينية للقاء الإمبراطور جستينيان الأول، مع أحد رجال أبيه الشاعر الكبير عمرو بن قميئة، والتقى بالقيصر الذي رحب به؛ لكن قيل أنه انقلب عليه بعد وشاية.

يقال أن امرأ القيس تعب جسده، وأنهكت قوته بعد الحروب والرحلة الطويلة في ديار العرب وبلاد الروم، وأصيب بالمرض بعد رحلته إلى القسطنطينية.

وينقل المؤرخ ابن الأثير الجزري (توفي 630 للهجرة، 1233) في كتابه "الكامل في التاريخ" رواية مفصلة لمقتل أو وفاة امرئ القيس، ويقول:

سيّر قيصر مع امرئ القيس جيشا كثيفا فيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما سار امرؤ القيس، قال الطماح (رجل أرسله بني أسد للوشاية بامرئ القيس) لقيصر إن امرأ القيس غوي عاهر، وقد ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وقال فيها أشعارا أشهرها في العرب، فبعث إليه قيصر بحلة وشي منسوجة بالذهب، مسمومة، وكتب إليه إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فالبسها واكتب إلي بخبرك من منزل منزل. فلبسها امرؤ القيس وسر بذلك، فأسرع فيه السم وسقط جلده، فلذلك سمي ذو القروح.

فلما وصل إلى موضع من بلاد الروم يقال له أنقرة احتضر بها، بحسب رواية الجزري. ثم مات فدفن هناك، وتقول مصادر تركية أن المكان الذي دفن فيه الشاعر الجاهلي يقع في تلة هيديرليك (جنوب شرق) العاصمة التركية.

(مشهد أرشيفي لتلة هيديرليك بأنقرة)

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!