هشام شعباني-خاص ترك برس

عادت المعارك بين أرمينيا وأذربيجان على تخوم إقليم "قراباغ" الذي تسيطر عليه أرمينيا منذ عام 1992، باستنزاف البلدين وتسجيل خسائر في الأرواح والعتاد، في ظل تصاعد التوتر ينذر بزعزعة الاستقرار في جنوب القوقاز.

ومع رجاحة كفة الجانب الأذربيجاني على الصعيد العسكري، من حيث تعداد الجيش والتسليح والإمكانات الاقتصادية، إلا أنّ عوامل كثيرة تلعب دورًا كبيرًا في حسم المعركة بين البلدين، من أهمها روابط دينية وعرقية تربط الدولتين بدول إقليمية ودولية.

وقبل أيام من إندلاع الاشتباكات على خط وقف إطلاق النار بين البلدين (الأحد 27 سبتمبر/ أيلول الجاري)، تبادلت أذربيجان وأرمينيا ولا تزالان، الاتهامات باستقدام مقاتلين أجانب من بلدان في الشرق الأوسط، للمشاركة في عمليات عسكرية على امتداد المناطق الواقعة على خط وقف إطلاق النار.

وبينما نفى مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف، ما تردد عن استقبال أذربيجان "مرتزقة" من سوريا، مشددًا أن "القوات المسلحة الأذربيجانية تمتلك الجاهزية العالية والقدرات اللازمة على تنفيذ أوامر القيادة السياسية وصد أي اعتداء خارجي"، اتهم في الوقت نفسه يريفان بتوطين عائلات لبنانية من أصول أرمنية في قراباغ، واستقدام مسلحين لبنانيين وسوريين من أصول أرمنية، وآخرين من سوريا والعراق ينتمون إلى منظمة "حزب العمال الكردستاني" و"وحدات حماية الشعب"، لاستخدامهم كمرتزقة.

بدورها أرمينيا، اعترفت على لسان رئيس مكتب شؤون الشتات في الحكومة الأرمينية، زاري سنانيان، استقبالها ألف و200 مواطن لبناني من أصل أرمني ومنحهم الإقامة الدائمة في أرمينيا، بعد انفجار ميناء بيروت (4 أغسطس/ آب الماضي)، وتوطين بعضهم في قراباغ، متهمة الجانب الأذربيجاني باستقدام "مقاتلين إسلاميين" لزجهم في القتال ضد أرمينيا في قراباغ.

 الجذور التاريخية لأزمة "قراباغ" في جنوب القوقاز

عقدت إيران القاجارية وروسيا القيصرية في 10 فبراير/ شباط 1828، معاهدة عرفت باسم "معاهدة تركمانجاي"، جرى بموجبها تقاسم أراضي أذربيجان التاريخية بين البلدين.

سعت روسيا القيصرية، في الفترة ما بين 1828 – 1917 إلى توطيد دعائم نفوذها السياسي والعسكري في جنوب القوقاز من خلال دعم المجتمعات المسيحية الأرثوذكسية في المنطقة، وفي مقدمتهم الأرمن. 

وخلال النصف الأول من القرن العشرين، رفضت الدولة العثمانية إصرار روسيا البلشفية والولايات المتحدة وبريطانيا على منح منطقة نخجوان الأذربيجانية للأرمن، ووافقت إسطنبول عام 1920 على إعلان نخجوان جمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لأذربيجان، وجرى توثيق ذلك في "اتفاقية قارص" عام 1921، التي جرى التوقيع عليها بين تركيا العثمانية وأرمينيا السوفيتية وأذربيجان السوفيتية وجورجيا السوفيتية وروسيا البلشفية، وأسست الاتفاقية الحدود المعاصرة بين تركيا ودول جنوب القوقاز، كما منحت تركيا صفة "الضامن الوحيد" لأمن نخجوان.

وفي مرحلة الاتحاد السوفيتي، قرر جوزيف ستالين إنشاء منطقة حكم ذاتي أرمنية في "قراباغ"، داخل حدود جمهورية أذربيجان السوفييتية. وأدى تزايد أنشطة توطين الأرمن في قراباغ إلى تفاقم التوترات العرقية بين الأذربيجانيين (الأتراك) والأرمن، لاسيما بعد مطالبة الأرمن في قراباغ في نهاية التسعينيات، بنقل قراباغ من سيادة أذربيجان السوفيتية إلى أرمينيا السوفيتية.

وبدعم من موسكو، تمكنت القوات المسلحة الأرمينية في الفترة ما بين 1991 – 1993 من احتلال إقليم قراباغ (يتكون من 5 محافظات أذربيجانية)، إضافة إلى 5 محافظات أذربيجانية أخرى خارج حدود الإقليم وأجزاء واسعة من محافظات "آغدام"، و"فضولي" وجبرائيل" (غرب)، يشكل مجموعها نحو 20 بالمئة من أراضي جمهورية أذربيجان.

جرى ذلك في ظل اتهام أذربيجان لأرمينيا بارتكاب مجازر بحق المدنيين الأذربيجانيين في قراباغ، بما في ذلك مجزرة خوجالي (26 فبراير/ شباط 1992)، التي راح ضحيتها 613 مواطنًا أذربيجانيًا إضافة إلى 150 في عداد المفقودين، والتي وصفتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في قرارها الصادر 22 أبريل / نيسان 2010، بأنها "تعادل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية".

تبع تلك العمليات، إعلان الأرمن في قراباغ وبدعم من أرمينيا، تأسيس ما بات يسمى بـ "جمهورية قراباغ" أو "جمهورية أرتساخ"، التي لم تحظى باعتراف المجتمع الدولي، فيما اعتمد مجلس الأمن الدولي القرارات 822 و853 و874 و884 التي تدين احتلال أرمينيا أراضٍ أذربيجانية في أبريل/ نيسان ونوفمبر/ تشرين الثاني عام 1993، كما طالبت القرارات المذكورة أرمينيا بالانسحاب غير المشروط والفوري من الأراضي المحتلة وعودة النازحين الأذربيجانيين إلى أراضيهم.

وفي إطار المساعي الدولية لإيجاد حل للأزمة، قامت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بتشكيل "مجموعة مينسك" في 24 مارس/ آذار 1992، وتولت روسيا وفرنسا والولايات المتحدة الرئاسة المشتركة للمجموعة.

وفي عام 1994، وقع الجانبان الأذربيجاني والأرميني في العاصمة القرغيزية على ما بات يعرف باسم "بروتوكول بيشكيك"، والذي يتضمن إنهاء الأعمال العسكرية بين الطرفين ووقف إطلاق النار، وذلك بمبادرة من الجمعية البرلمانية لبلدان رابطة الدول المستقلة ووزارة الخارجية الروسية.

لم تحقق مجموعة مينسك أي نتائج على صعيد حل المشكلة طيلة السنوات الـ 26 الماضية، في ظل تزايد الغضب في باكو بسبب مواصلة روسيا تسليح أرمينيا رغم الاحتجاجات المتكررة من الجانب الأذربيجاني، وتأكيد الجانبين الروسي والأرميني لعمليات التسليح.

وفي هذه الأثناء، تشدد وزارة الدفاع الأذربيجانية، مواصلة قواتها المسلحة عملياتها العسكرية المضادة، ردًا على الاستفزازات الأرمينية التي استهدفت مواقع عسكرية ومدنية أذربيجانية في 27 سبتمبر/ أيلول الجاري، معلنة تحرير مرتفعات إستراتيجية حول قرية "تاليش" في قراباغ، واقتراب قواتها من مدينة "لاجين" في قراباغ، وتكبيد الجيش الأرميني والمرتزقة الأرمن المستقدمين من سوريا وبلدان في الشرق الأوسط خسائر فادحة.

فيما قال وزير الدفاع الأذربيجاني ذاكر حسنوف، إن قواته تمكنت من تحرير 7 قرى بمحافظتي "فضولي" و"جبرائيل"، وقمة "موروف" الجبلية الإستراتيجية المطلة على إقليم قراباغ من ناحية الشمال.

إن أذربيجان ومن خلال مطالبتها أرمينيا بالانسحاب الكلي من المناطق المحتلة، كشرط لبدء المفاوضات، تعمل في الواقع بالضغط على نظام يريفان من أجل الامتثال إلى مقررات مجلس الأمن وإظهار الليونة الكافية خلال أي مفاوضات مقبلة، في الوقت الذي يصر فيه الجانب الأرميني إلى تحويل إقليم "قراباغ" إلى جمهورية مستقلة عن أذربيجان، وهو ما ترفضه باكو جملة وتفصيلا.

عن الكاتب

هشام شعباني

كاتب وصحفي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس