مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

ها نحن اليوم نتشرف مجدداً  بأن نكون ضيفاً على شهرٍ  ولد فيه خير البرية وكنز العطية؛ نبي الرحمة محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تمهدتْ جوارحنا وتحضرتْ لاستقبال هذه الذكرى المعظّمة وتنظيم احتفال لها كل حسب قدرته وثقافته بما لا يتعارض مع النص والعقل. ولما لا؛ فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أجدر بأن نحتفل بذكرى مولده الشريف من أولادنا وأباءنا؛ فهو أحبُّ إلينا من كل شئ.

إلا أن مولد النبي المبجّل لا يكمن في الإحتفال فقط؛ فالإحتفال يغطي الجانب المادي لهذه الذكرى الشريفة؛ ولا شك أن البعد المادي لوحده يُعتبر جسداً هامداً. فإلى جانب الإحتفال يُفترض أن نعطي للمناسبة بعداً روحياً ومعنوياً؛ وذلك من خلال تأمل وفهم وإدراك وبالأحرى تطبيق النهج المحمدي الذي هو أسوتنا الحسنة، فعند ذلك نكون قد غطينا بُعدَيْها الروحي والمادي، فهي ذكرى ودروس في آن واحد. 

فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أسس مدرسة عظيمة ذات أبعاد مختلفة ولا سيما الأخلاقي منها. فأخرج الناس من دياجير الظلام إلى ينابيع النور؛ وهذه المدرسة هي "المدرسة المحمّدية" التي لا زالت شامخة إلى يومنا هذا وسوف تبقى هكذا إلى الأبد بحفظ خالق السماوات والأرض. فالذي لم يتتلمذُ في هذه المدرسة يبقى ناقص العرفان مهما بلغ المراتب. فيا له من شرف وتعظيم للذي ينتمي لهذه المدرسة؛ إلا أن الإنتماء لا يكفي لمفرده ما لم يكن معه الإجراء الملموس.

ونستطيع أن نختصر الدروس الملهمة من المدرسة المحمّدية في المحاور الثلاثة التالية:

أولاً: الفهم الصحيح للمنهج المحمدي

الفهم أساس الأمر والأهم من ذلك هو الفهم الصحيح؛ الخالي من الأخطاء والشوائب. فالمنهج المحمدي مبني على أساس "بناء الإنسان" ولذلك فإنه شامل ويتلائم وينسجم مع جميع الشعوب والثقافات والأعراق، فمثلما إنسجم بالأمس مع أطياف مختلفة كذلك ينسجم اليوم وغداً مع إشكاليات أفراد ذوي مشارب متعددة.

المنهج المحمدي يسعى لتأسيس فردٍ صالحٍ؛ ومتى ما كثر الأفراد الصالحة يتكون مجتمع سليم ومنه دولة فاضلة. فالفرد والمجتمع والدولة إشكالية ثلاثية ترتبط ببعضها، ويبقى المفهوم الأول هو أساس القضية.

ونحن اليوم كأمة نفتقر إلى الفهم الصحيح لهذه المدرسة التي تضع الإنسان في مركزها؛ وتسعى إلى تأسيس فرد فاضل لا أن تقفز إلى بناء مجتمع ودولة فاضلة دون إتمام بناء الإنسان الذي هو الأساس؛ مثلما يفعل ذلك البعض من المسلمين اليوم، وهذا لا شك لا يتوافق مع المنهج المحمدي وبالتالي يحرفنا عن الفهم الصحيح.

والفهم الصحيح للمنهج المحمدي يدخل في إطار العقائد والعبادات والمعاملات وفي القيم والمُثل الأخلاقية بجميع تفاصيلها ومناحيها.

ثانياً: التطبيق التامّ للمنهج المحمدي

ولا ريب أن الفهم الصحيح للمنهج المحمدي لا يكفي لوحده؛ بل لا يعبّر عن شئ لمفرده ما لم يكن معه التطبيق التام. نعم؛ التطبيق التام والكامل، لا أن نطبق شيئاً نحبذه ونترك الآخر لأنه يصعب علينا فعله أو لأنه لا يصبُّ في مصلحتنا الشخصية؛ فهذا ليس بتطبيق بل إزدواجية بعينها.

ثم إن تطبيق المنهج المحمدي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام يكمن من خلال الإستناد للمصادر الُمعتبرة والتي هي النصوص الشريفة؛ واستخدام العقل السليم ثم القراءة المعاصرة لها. فعلى سبيل المثال وليس للحصر إطلاق عبارات مثل: نعلو بنعل الرسول، أو التبرك بصورة مُدّعين أنها صورة لنعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ناهيك أن يكون هذا تطبيقاً لنهجه؛ بل إنه إعطاء فرصة لمن يريد النيل من الإسلام ومن نبيه. فالعقل نعمة عظيمة مُهداة من الباري عزّ وجلّ للإنسان؛ ولا يوجد نص صحيح يتناقض مع هذه العطية الربانية؛ حيث أن صاحب هذه العطية يدعو الإنسان للتعقل مراراً وتكراراً في كتابه المجيد.

وكذلك التطبيق التام والعمل بالمنهج المحمدي يدخل في إطار العقائد والعبادات والمعاملات والقيم الأخلاقية؛ فهو أسوتنا وقدوتنا الحسنة في كافة المفاصل والمجالات؛ شريطة أن تكون النية صالحة وحسنة لا أن يُستخدم الدين والمنهج المحمدي غطاء في إدارة الأمور أو في كسب عواطف العامة.

ثالثاً: إيصال المنهج المحمدي للعالَم أجمع

المدرسة المحمدية تأسست لخدمة الإنسانية جمعاء؛ فالخطاب المحمدي موجه للعالَم أجمع سواء كان مسلماً أو غير مسلم وهذا ما أكده سبحانه وتعالى في كتابه المجيد. فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعامل الناس على قيمه وأخلاقه وتربيته الخاصة به؛ لا حسب الأشخاص والظروف أو القضايا. فرغم تعرضه للأذى النفسي والجسدي كان يرد لهم بالمُثل العليا والقيم الأخلاقية ولم ينزل لمستواهم قط؛ بل وكان يعفو عنهم عند المقدرة، وخير درس محمدي الذي خلّده تاريخ البشرية بحروف من ذهب على أبهى صفحاته هو لحظة دخول نبي الرحمة محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكة فاتحاً؛ وأهلها يرتجفون خوفاً لما فعلوه له طيلة السنوات من الأذى؛ حيث عفا عنهم جميعاً وعاملهم بلطف وكرم وإحسان وكأنه لم يكن شيئاً بينهم.

نعم.. هذه هي الدعوة المحمدية ومنهجه؛ فرسالته سمحاء وتحتضن الجميع لأنه مرسل رحمة للعالمين وليس لفئة دون أخرى، واللافت للنظر أن الدعوة المحمدية تعامل الناس على أساس إنسيتهم، فالإنسان مُكرّم لدى المنهج المحمدي؛ حيه وميته سواء في هذا التكريم والتعظيم.  

فاليوم نحن مقصرون بأقصى الدرجات في إيصال هذه الرسالة السمحاء وهذا المنهج الأخلاقي العالي إلى العالَم وإفهامهم بصورتها الصحيحة. متقاعسين بسبب خطابات متشنجة من البعض وكذلك بعض الأفعال الغير مسؤولة التي لا تصب في مصلحة الأمة بل تعطي ذريعة لمن يريد النيل والطعن من هذا الدين. فالدفاع عن رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس في حرق رايات الشعوب ولا في سب رموزهم؛ فالإسلام بعيد بل برئ من هكذا أفعال. المنهج المحمدي ليس مع تجريح الشعوب ووضع عامتهم محل العدو؛ بل مع إحتضان الشعوب كما أسلفنا وذلك عبر إيصالهم وإفهامهم المنهج المحمدي الصحيح؛ الذي يتلائم وينسجم مع الإنسانية في كل وقت وحين وفي كل زمان ومكان. فالدفاع عن نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الفهم الصحيح لمنهجه ثم تطبيقه على أتم وجه ومن ثم إيصاله للعالَم أجمع ولكافة شعوب الأرض.

فاللهم صل وسلم على هذا النبي الكريم والمرشد الحكيم وخير داع إلى صراط مستقيم.

وكل عام وأنتم بألف خير؛ ونحن على هديه ومنهجه فاهمون ومطبقون وداعون إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس