علي الصاوي - خاص ترك برس

هبّت ثورات الربيع العربي وأربكت حسابات الأنظمة الاستبدادية فهَرب من هرب، وقَتل من قتل، وانقلب من انقلب، ومثّلت تونس افتتاحية تلك الثورات المباركة وسطرت تاريخا بطوليا يليق بها وبنضالها ضد الاستعمار وحقبة الديكتاتور بن على، فضُرب بها المثل في نجاح التجربة الديمقراطية التى أثمرتها الثورات العربية، ومع إجهاض أى حراك ثورى أو ديمقراطي في الدول العربية، درج على لسان بعض الإعلاميين والنخب الثورية جملة " الإجابة تونس" كناية عن نجاح تجربتها كنموذج ديمقراطي ملهم لشعوب الجوار التى عجزت عن تحقيقه. 

لكن بعيدا عن ما آلت إليه التجربة التونسية من جمود وتعثر اكتمال مولودها الديمقراطي بشكل كامل، يبقى السؤال: هل "الإجابة تونس" تعد دليل ثوري حقيقي ملهم للشعوب للفكاك من أسر الاستبداد؟ أم أن هناك نماذج ملهمة لدول أخرى أثرى وأقوم؟ يجيب عن هذا السؤال دولة فلسطين الحبيبة وشعبها الصامد المرابط منذ مائة عام، صاحب النضال الحقيقي الذي لم ينقطع إلى يومنا هذا، فقد أثبت أنه هو الإجابة الثابتة والوحيدة عن كثير من التساؤلات التى أعيت المفكرون والساسة والمحللون في البحث عن إجابة لها، بعد أن أيقظت المقاومة الأمة من سباتها العميق وأحيت فيها روح الأمل من جديد ووحدت مشاعر الجماهير، لتظل قضية فلسطين هى جرس الإنذار الوحيد في المنطقة لتنبيه الشعوب بعدوهم الحقيقي والأبدي، ولتعرف من أين يبدأ الطريق نحو الحرية، انتفضت فلسطين فتحرك العالم وأيقظت الضمائر الحية تندد وتشجب وتتضامن معها إلا العاق محمد بن زايد وإخوته. 

لم يدرك كثير من المتخاذلين أن حل عُقد المنطقة التى حِيكت لها قبل قرن من الزمان تبدأ من تحرير فلسطين، فكل ما يحدث من ضنك وتهجير وشتات للشعوب العربية يصب في صالح الكيان الصهيوني، بل هو يعتبر مايستروا تلك الخطط الجهنمية التى أعادت بعض البلاد العربية إلى عصر ما قبل الحضارة، لذلك تجد إسرائيل حاضرة في كل كارثة، هى المُخرج الخفي لخراب المنطقة، بل هى الضمانة الأكيدة لاستمرار بعض حكام العرب في الحكم مقابل قمع شعوبهم، ألم يقل السياسي المصري مصطفى الفقي بعد ثورة يناير" إن الحاكم القادم لمصر لن يكون إلا بموافقة أمريكا ورضا إسرائيل" ألم يقل رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد للنيويورك تايمز" إذا سقط نظام بشار فإن أمن إسرائيل سيكون في خطر" ألم تشجع إسرائيل دولة الإمارات في اللعب بأمن الدول وإجهاض أى استحقاق ديمقراطي للشعوب لتفريغ المنطقة من أى نظام قد يشكل خطرا عليها؟

فمن يسرق ثروات المنطقة ومواردها الطبيعية بدون وجه حق؟ أليست إسرائيل؟ من يتأمر مع إثيوبيا لتعطيش مصر والالتفاف حول أمنها القومي والتحكم في حياة شعبها؟ أليست إسرائيل؟ من الذي يذكي روح العداوة بين الطوائف العرقية المختلفة في المنطقة؟ أليست إسرائيل؟هذا إضافة إلى جرائمها في حق فلسطين منذ ثمانين عاما. 

إن بوصلة تحرر المنطقة داخليا وخارجيا تبدأ من فلسطين، فالقدس هى الإجابة بالأمس واليوم والغد، ولا يخذلها إلا فاسد الفطرة ذليل العِماد، فالشعب الفلسطيني لا يضحي فقط من أجل أرضه والمقدسات الإسلامية بل من أجل كرامة أمة بأكملها وقطع دابر الظلم المُسلط على رِقاب الشعوب، بعد أن باع الزعماء القضية وتحولت المنطقة العربية إلى محمية إسرائيلية برعاية أمريكية، فلولا صمودهم ورباطهم لالتهمت إسرائيل المنطقة منذ أمد، فهل تعلم ما الذي تُعلّمه إسرائيل لأطفالها في المدارس؟ فهناك مِثال لتعليم الحساب في مقرر الرياضيات بالمرحلة الابتدائية، يقول: لو كان في منطقتك مائة عربي وقتلت منهم 60 كم بقي عليك أن تقتل حتى لا يبقى منهم أحد على قيد الحياة!!

وحين سأل وزير التعليم الإسرائيلي طلاب في مرحلة الابتدائية وهو فى زيارته لأحد المدارس كيف ترون القدس بعد عشر سنوات؟ فرد الطلاب: نراها كلها يهود متدينون وعرب عبيد لنا!! وتلك إشارات تنسف مبدأ التعايش الإنساني الذي يُروّجه بعض سماسرة التطبيع من صهاينة العرب وتؤكد استحالة أن يختلط الزيت بالماء، لذلك لا تعولوا على أى مفاوضات سياسية برعاية خليجية أو غربية تضمن رجوع الحق لأصحابة، وإذا حدث يكون برغبة فلسطينية مقاومة من منطلق قوة وبشروط لا تنازل فيها ولا إذعان، فقد قال رئيس الوزراء البريطاني تشرشل" أنت لا يمكنك أن تُفاوض إلى مدى أبعد من ذلك المدى الذي تصل إليه نيران مدافعك" وقد وصلت صواريخ المقاومة هذه المرة إلى قلب الكيان الصهيوني في تل أبيب، ما جعل نتنياهو يعيش حالة من الرعب والتشتت تجلّت في عشوائيته في قصف المدنيين رغبة في الانتقام لكنه بموازين المواجة خسر سياسيا وعسكريا وشعبيا أيضا، وما عليه إلا أن يبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهه بعد أن مرّغت المقاومة أنفه في التراب. 

فقد ابتلانا الله بهذا الكيان الخبيث ليَميز الخبيث من الطيب ويفضح المدعين ومن يغضب لدينه ويدافع عن مقدساته بحق ومن يتاجر بها في سوق السياسة، فلا تطبيع الحفاة العراة سينفعهم ولا انبطاح سفهاء العرب سيُمكنهم من القدس ويُبطل وعد الله، هى فقط محنة مؤقتة ليعلم كل منا موضع قدمه ومكانته التى تليق به في الدنيا والآخرة، محنة أشبه بالجرح الذي يطرد الشوائب والمخلفات الناتجة عن الإصابة، ليتدفق الدم بعد ذلك ويعود للجسد نشاطه وحيويته، وكل المتخاذلين والمتآمرين والمطبعين هم الشوائب والمخلفات التى ما زالت تطردها محنة القدس منذ القِدم، إلى أن يتحقق وعد القرآن ويبعث عليهم رجالا أولى بأس شديد شعارهم "نحن بنو الموت إذا الموت نزل".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس