محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

السقوط السياسي لا يعني موتا إكلينيكيا بالمعنى الطبي، لكنه يعني عجزا سياسيا تاما قدر له أن يتوقف عند حد معين.

طرح المغرب سنة 2017 اقتراحه لإقامة حكم ذاتي موسع في أقاليم الصحراء وفي إطار سيادته عليها. وأيدت الاقتراح بعض القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي ذهبت إلى حد الاعتراف بسيادة المغرب على الأقاليم المتنازع عليها.

وتعتبر أزمة الصحراء الغربية واحدة من أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العالم.، إذ لجأ خلال هذه الحرب الكثير من الصحراويين إلى الجزائر حيث يقيمون في مخيمات منذ عقود.

ويتباين تقدير عددهم حيث ينسب موقع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين للحكومة الجزائرية القول إنه يوجد 165 ألف لاجئ صحراوي في المخيمات الخمس الموجودة قرب تندوف في حين تشير بعض وكالات الأمم المتحدة إلى أن العدد يتراوح بين 90 و125 ألف لاجئ.

كما وتشير وكالات الأمم المتحدة إلى أن هؤلاء اللاجئين يعيشون في ظل ظروف صعبة.

أفرزت الزيارة التي قام بها المسؤولون الجزائريون لزعيم البوليساريو الراقد في إحدى المؤسسات الصحية في العاصمة الجزائرية استهجانا واضحا وكبيرا في المغرب التي تعتبر تلك المنظمة منظمة انفصالية تحاول أن تستقطع جزءا من التراب المغربي.

والمؤلم كثيرا أن الجانب الإسباني كان أيضا قد احتضن زعيم البوليساريو في أراضيه، ويستمر أيضا في دعمه ماديا ومعنويا، وهذا مما يؤكد أن الدعم لهذه الجهة الانفصالية تاخذ طابع العداء المحض للمملكة المغربية بدون الاهتمام بما تسعى إليه الجهة الانفصالية البوليساريو.

بطبيعة الحال أن الدول الغربية تحاول دوما إيجاد ذريعة أو حجة للضغط على الدول العربية حتى تشهر ورقة الضغط في مجمل تعاملاتها مع الدولة المعنية وهذا ما تحاوله إسبانيا من استغلالها للصحراء المغربية حتى تطمئن تماما من عدم مطالبة المغرب بأراضيها في الشمال المغربي والتي ترزح تحت الاحتلال الإسباني منذ عشرات السنين بدون وجه حق ودون وجود امتداد لأراضيها في تلك المستعمرة، بل أن الأراضي الإسبانية تنفصل عن أراضي المدينة المحتلة بمضيق بحري إضافة إلى أنها تقع في قارة إخرى غير قارتها.

فلو فرضنا جدلا أن الإسبان ربما يكونون مستفيدين من ضغوطاتهم على المملكة المغربية ولو لحين من أجل الإبقاء على مدن محتلة تخضع لسلطتهم وسيطرتهم وتدر عليهم بالمنافع، بعكس الجزائر التي لا تستفيد مطلقا من دعمها للبوليساريو لا ماديا ولا معنويا بل أنها تتقاسم الحمل مع إسبانيا، وبالتالي تدعم الاحتلال الإسباني الأجنبي لأراضي دولة عربية مسلمة وجارة تربطها بها أكثر من رابطة دينية وعرقية وأسرية بالإضافة إلى أنهما عضوان في مجلس الجامعة العربية.

وهنا لا بد من القول والتساؤل الطبيعي والهادف حول عدم قيام الجزائر بمبادرة أخوية تثبت للجميع حسن نيتها تجاه البلد الشقيق والجار من أن تدعم الاقتراح المغربي بإقامة منطقة حكم ذاتي تحت السيادة المغربية وتنهي بذلك مأساة عشرات الألوف من النازحيين في المخيمات المقامة في الأراضي الجزائرية والتي تعتاش على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية، كما أنها تنهي عقدة الخلاف الأخوي مع المغرب.

ومن المؤكد أنه رغم الضغوطات الدولية التي ستستمر من قبل الأطراف الإقليمية والدولية وعلى رأسها إسبانيا وغيرها إلا أنها ترى حقيقة أن الاقتراح المغربي بإقامة منطقة حكم ذاتي تحت سيادتها هي من أنجع الحلول ويعتبر أيضا تنازلا من المغرب على سيادتها المطلقة والغير المشروطة لأراضيها في سبيل إنهاء المعاناة الإنسانية لشعب الصحراء المتشرد في مخيمات لا تحوي أبسط مقومات الحياة.

وبالتأكيد أن المنظمة الانفصالية والتي تطالب بإقامة دولة على جزء من أراضي المغرب بدعم خارجي لا تعي حقيقة الهدف من الدعم الغربي لها ولا تعي أيضا أن الاستغناء عن خدماتها ستحدث بين ليلة وضحاها وكما هي الحال بالكثير من الجهات التي تاتمر بجهات أجنبية والتي فقدت فجأة مكانتها بعدما تخلت عنها راعيها الغير الوفي.

الكل يعلم ومن ضمنهم جبهة البوليساريو والجزائر أن إسبانيا غير معنية بتاتا بإيجاد حل دائم لمشكلة الصحراء بل أنها من أشد المتحمسين للإبقاء على المشكلة قائمة، حالها حال كل القضايا العربية والتي يتفنن الغرب باستغلالها وتطويرها لمصالحهم الذاتية دون الاهتمام والتفكير بحل صادق ينهي المأساة الإنسانية المستديمة ـ بمعنى أوضح أن الغرب يستغل الخلافات العربية ومشاكلها الإقليمية إلى الحد الذي يصنع منها سلعة للمقايضة والمتاجرة وأحيانا كثيرة يطرح حلولا لها تنبثق عنها مشكلة أخرى ألعن من سابقتها، وهذا الحال المستديم والدائم في التعامل الغربي مع القضايا العربية.

قضية الصحراء المغربية بالذات لا تستطيع إسبانيا إيجاد حل جذري لها سواء باعترافها بأحقية البوليساريو بالانفصال أو عدم اعترافها بذلك، لأنها لا تستطيع مخالفة الدول العربية والتي لم تعترف بالانفصال أو الأمم المتحدة التي عجزت عن الاعتراف بأحقية الصحراويين بالاستقلال كما أنها تخشى في حال الاعتراف بأن تقوم المغرب بإشهار أوراق الضغط على إسبانيا والتي تملتلكها العاصمة الرباط.

الجزائر من ناحيتها تدرك أن الآمال المعقودة على الاعتراف بالصحراء كجمهورية مستقلة أشبه بالمعدومة من كل الأوساط الدولية والإقليمية وحتى العواصم العالمية لكنها لا تستطيع التراجع بين ليلة وضحاها بسبب إطالة أمد دعمها الغير المبرر لانفصال الصحراء عن المغرب.

والبوليساريو الذي تحول إلى جهة غير قادرة على حل مشاكلها بنفسها لأنها لا تملك حق الاختيار مطلقا في إيجاد صيغة مقبولة وناجعة في إنهاء مأساة الألوف من الصحراويين، كما أنها لا تستطيع تجاوز مرشديها من الإسبان والجزائريين بإجراء لقاءات مباشرة مع العاصمة رباط لحلحلة الوضع الصحراوي استنادا لاقتراح المغرب بإيجاد منطقة حكم ذاتي لقضية الصحراء تحت السيادة المغربية.

المطلوب الآن لإيجاد حل دائم لقضية الصحراء هو الاستعانة بأرضية الاقتراح المغربي للحكم الذاتي مع توسيع مساحة تلك الأرضية، وأقصد هنا المزيد من الحقوق تعطى للصحراويين حتى يتم التوصل لنقطة انطلاق عامة ودائمة لأهالي الصحراء.

وهنا يجب الإشارة إلى أن المغرب غير ملزمة تماما مع أي جهة صحراوية تتفاوض معها وخصوصا بعد الاتهامات المتكررة لقائد البوليساريو بالقتل والتعذيب.

وأخيرا أعتقد أنه آن الآوان للجامعة العربية أن تبدأ بإخلاص بسحب ملف الصحراء المغربية من أيدي الإسبان والدول الغربية لتجعلها ضمن أولوياتها، والدعوة إلى اتخاذ خطوة متقدمة ضمن مقترح المغرب للصحراء، لأن لا حل في جعبة الإسبان ولا الجزائريين مطلقا من الآن وحتى نهاية القرن.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس