د. سمير صالحة - خاص ترك برس

ناقش الرئيسان التركي والاميركي خلال لقائهما الاخير في قمة حلف الاطلسي خطة تولي القوات التركية بالتنسيق مع باكستان والمجر تأمين حماية مطار كابول الدولي بعد انسحاب القوات الاميركية في منتصف شهر ايلول المقبل من افغانستان . انقرة تعول على دعم مادي ولوجستي وسياسي اقليمي ودولي يسبق هذه الخطوة كما اوضح وزير الدفاع التركي خلوصي اكار " تركيا قد تتحمل دورا اضافيا اكبر في افغانستان اذا ما توفرت الشروط والالتزامات التي نريدها".

تتقاطع الكثير من التحليلات وتقديرات الموقف المتعلقة بالشأن الافغاني عند حقيقة ان اميركا دخلت افغانستان قبل 20 عاما لتأجيج الخلافات العرقية والسياسية اكثر من هدف محارب الارهاب الذي استهدفها في نيويورك . دول واجهزة انفقت مليارات الدولارات من اجل اطالة عمر الحرب في افغانستان فهل سيكون بمقدور تركيا قلب كل المعادلات والتوازنات المحلية والاقليمية بمجرد تولي حماية امن مطار كابول ؟

قد تنتهي الحرب في افغانستان بالنسبة للقوات الاميركية لكنها ستكون البداية لانفجار امني سياسي اكبر يقلب كل التوازنات الاقليمية في جنوب اسيا راسا على عقب . ها هي القوات الاميركية تستعد للمغادرة تمهيدا لاشعال كل الجبهات المحلية والاقليمية هناك فلماذا تغامر انقرة وهي تعرف ان طالبان ايضا لن تتردد في التصعيد العسكري ضد القوات النظامية وقوات الحماية الدولية لبسط نفوذها والاستجابة لطلبات داعميها من الخارج ؟

لماذا ترسل انقرة قوات تركية تشرف على توفير الامن والحماية لمطار كابول وما الذي ستجنيه من وراء خطوة بالغة الخطورة من هذا النوع ؟ هل ستفتح نقلة بهذا الاتجاه الطريق امام تفاهمات سياسية اوسع في ملف الازمة الافغانية ؟ وهل سيكون بمقدور تركيا ان تنجح في مهمتها من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية او حلفائها الدوليين دون الاخذ بعين الاعتبار النفوذ الروسي والصيني المتزايد في المنطقة ؟ مغادرة القوات الاميركية بالنسبة للاعبين اقليميين يتابعون الملف مثل باكستان وروسيا والصين تعني حصولهم على الفرصة الاستراتيجية لملىء هذا الفراغ فلماذا تقبل هذه القوى بدور تركي استراتيجي يعرقل خططها ومشاريعها هناك ؟ هل تعزز خطوة من هذا النوع الدور التركي الاقليمي في جنوب شرق اسيا وهل تحتاج تركيا الى فرصة من هذا النوع ؟ عبرت الحكومة الافغانية عن قلقلها من قرار الانسحاب الاميركي قبل التوصل إلى اتفاق سلام بالبلاد، ورفضت طالبان الذهاب مجددا الى اية طاولة حوار وطني قبل التزام اميركا بتعهداتها في الاتفاقيات الدولية  وحذّرت من التحديات التي ستترتب على ذلك ومن إمكانية وقوع فوضى وحرب اهلية . فلماذا تغامر انقرة على هذا النحو ؟

يقول مستشار الامن القومي الاميركي جاك سوليفان ان تركيا ستقوم بحماية مطار كرزائي الدولي اذا ما توفرت شروط ومطالب دعمها في هذه الخطة . وتقول وزيرة الدفاع الالمانية انغريت كرامب كارنباور في اعقاب لقائها بنظيرها التركي خلوصي اكار " سنكون ممتنين اذا ما اقدمت تركيا على خطوة حماية مطار كابول وعلى جميع دول التحالف هناك ان تقف الى جانبها " . ويرى جيمس جيفري الدبلوماسي الاميركي المخضرم والمبعوث الاميركي الخاص لخطط الحرب على داعش " ان بايدن سيكون سعيدا ببقاء القوات التركية في كابول لحماية مطارها وان هذا يعني ايضا فتح الطريق امام عودة العلاقات التركية الاميركية الى سابق عهدها . ويتحدث تقرير مطول لصحيفة " وول ستريت جورنال " عن تفاهمات تركية اميركية تمت لناحية تولي القوات التركية حماية مطار كابول مقابل تنازلات اميركية في ملفات اخرى بينها صفقة الصواريخ الروسية وموضوع المقاتلة الاميركية اف 35 .

 يدعم الافغان ومنذ سنوات سياسة تركيا ومواقفها وطريقة تعاملها مع ازمتهم وربما هذا هو السبب  الذي يدفع تركيا لمواصلة خطط التقريب بين القوى السياسية الافغانية والاستمرار في جهود المصالحة الوطنية بالتنسيق مع باكستان وابقاء اطراف النزاع امام طاولة التفاوض كوسيلة افضل لتجنب التصعيد العسكري . هناك حقيقة اخرى لا يمكن تجاهلها حيال خطوة استراتيجية تركية من هذا النوع وهي صعوبة طرحها دون ان يكون الموضوع نوقش بين انقرة وموسكو وربما بين موسكو وواشنطن ايضا خلال القمة الاميركية الروسية حيث منح بوتين الضوء الاخضر للخطة . وقّع وزراء خارجية تركيا وباكستان وأذربيجان في مطلع العام الحالي "إعلان إسلام أباد" الذي سيساهم في تعميق التعاون بين أطرافه في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة . بين اهداف هذه القمة كان الاعلان ان الابواب مشرعةً أمام أفغانستان التي منحها البيان الختامي اولوية الانضمام للحلف . قرار البقاء العسكري التركي في كابول قد يكون مرتبطا بهذا التحرك الاستراتيجي الاقليمي الجديد ايضا .

تقول المعلومات الاولية ان تركيا تريدها خطة باشراف دولي تتم بالمشاركة مع باكستان والمجر بناء على الطلب التركي ، الاولى بسبب دورها في لعبة التوازنات القائمة في افغانستان والثانية بسبب مواقفها الحيادية وانفتاحها على تركيا في الاتحاد الاوروبي والاطلسي . لكن تحليلات تركية كثيرة ترى ان تركيا التي نجحت تجنب توريطها في الفخ الاميركي المنصوب للعراق عام 2003  عليه الحذر كي لا تسقط في مصيدة دفعها نحو المستنقع  الافغاني الذي بقيت حيادية فيه حتى الان .

تريد انقرة الحؤول دون وقوع انفجار امني اكبر في افغانستان بسبب مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية وعلاقاتها التاريخية بالشعب الافغاني وتريد منع انتقال عدوى الفوضى الى جمهوريات اسيا الوسطى التركية المجاورة . وتفعيل دورها الاقليمي في لعبة التوازنات القائمة في هذا المربع الاسيوي لتوحيد مصالحها مع الغرب وروسيا والصين في وقت واحد . ما يهم انقرة ايضا هو توفير الحماية لعشرات الالاف من التركمان المنتشرين في مناطق الشمال الحدودية مع طاجيكستان واوزبكستان وتركمنستان لكنها تدرك ايضا انها ستكون وسط معادلة غريبة عجيبة حيث تستعد  مجموعات طالبان للتوغل في هذه المناطق بعد انسحاب القوات الاميركية منها . تريد واشنطن مغادرة افغانستان واطلاق يد طالبان فيها لتفجير الوضع باكمله لكنها تعلن عن استعدادها لمفاوضة الجمهوريات التركية المجاورة لافغانستان على انشاء قواعد عسكرية لها هناك تحمي مصالحها في اسيا الوسطى . فما الذي ستفعله القوات التركية في كابول امام سيناريو اميركي من هذا النوع ؟

انسحاب التحالف الدولي من افغانستان يلزم تركيا ايضا ولا يمكن ابقاء قواتها هناك دون قرار سياسي تركي جديد وتفاهمات قانونية بين انقرة وكابول حول هذه الخطوة . ولا يمكن لتركيا ان تذهب وراء هدف انجاز المصالحة الوطنية في افغانستان رغما عن الشعب الافغاني ولا يمكنها ايضا البقاء في كابول لحماية مطار المدينة اذا لم يطالبها الشعب الافغاني بذلك . قرار توفير الحماية لمطار كابول لا بد ان يواكبه دراسة ميدانية امنية سياسية مفصلة تشمل الكثير من الضمانات والدعم الدولي وتكون مرتبطة بفتح الطريق امام مرحلة انتقالية جديدة في مسار الازمة الافغانية وبتفاهم مع اللاعبين المحليين البارزين وعلى راسهم مجموعات طالبان. تركيا لن تدخل في مغامرة غير محسوبة النتائج لا بد ان يسبقها توافقات محلية واقليمية على دعم خطتها وتوفير الغطاء القانوني والسياسي واللوجستي المطلوب لتنفيذها .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس