د. علي حسين باكير - عربي 21

لا يزال مقترح تركيا تشغيل وتأمين الحماية لمطار حامد كرزاي الدولي في كابل بعد انسحاب القوّات الدولية من أفغانستان يتفاعل على المستوى المحلي والدولي فيما يصفه البعض بـ "المهمّة المستحيلة". خلال 20 عاماً من تواجدها في أفغانستان، لم تشارك القوات التركيّة هناك في أي عمليات قتالية أو عدائية ضد الشعب الأفغاني، واقتصر دورها على تحقيق الأمن والاستقرار وإيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية وتدريب قوات الأمن الأفغانية.
 
أكسب هذا الدور تركيا سمعة حسنة وقوّة ناعمة في أفغانستان خلال العقدين الماضيين، وقد ساعد ذلك على حماية جنودها، إذ لم يتم التعرّض لهذه القوات من قبل طالبان أو استهدافها من أي من المجموعات الأفغانية. كما كانت أنقرة ـ وما زالت ربما ـ في مرحلة من المراحل الدولة ذات الصورة الأكثر إيجابية في أفغانستان، وسمح ذلك لبعض شركات البناء والمقاولات التركية بالعمل بحرّية ودون مخاطر معتبرة.

وتعتبر أفغانستان ثاني دولة في العالم تعترف رسميا بمجلس الأمة التركي الكبير، وقد اكتسبت كل هذه المعطيات بُعداً أكبر مؤخراً مع الاحتفال بمئوية العلاقات التركية-الأفغانيّة التي بدأت باتفاقية التحالف بين البلدين في آذار (مارس) 1921، وافتتاح تركيا أول ممثّلية دبلوماسية دولية في أفغانستان بعد استقلال الأخيرة في عام 1919. 

هذه الخلفية مهمة لمناقشة الدور التركي المحتمل في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الدولية من أفغانستان لاسيما في ضوء المقترح التركي تأمين حماية مطار كابل الدولي، والعقبات التي من المحتمل أن تواجه هذا الدور في حال الموافقة عليه وإستكمال المتطلبات الخاصة به واستجابة واشنطن للشروط التركية الثلاثة التي تمّ طرحها في وقت سابق من الناحية السياسية والمالية واللوجستيّة.

وفي ما يأتي، أبرز العقبات التي نعتقد أنّها قد تواجه الدور التركي المحتمل هناك:

أولا ـ شرعية التواجد التركي. يعدّ هذا الأمر ضرورياً لتأمين خلفيّة قانونية لتواجد القوّات التركية في أفغانستان. عملت هذه القوات منذ العام 2001 وحتى اليوم تحت ثلاثة مستويات. الشرعية الدولية والشرعيّة الإقليمية والشرعية الداخلية من خلال قرارات صادرة عن مجلس الأمن وأخرى صادرة عن حلف شمال الأطلسي وثالثة صادرة عن البرلمان التركي الذي قام نهاية العام الماضي بتمديد عمل القوات التركية في أفغانستان لمدّة 18 شهراً إضافياً بدءاً من 6 كانون الثاني (يناير) 2021. 

مع انتهاء عمل القوات الدولية وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، سيكون هناك حاجة لغطاء قانوني يؤمّن العمل للقوات التركية في حال تمّ قبول المقترح التركي المتعلق بحماية وتشغيل مطار حامد كرزاي الدولي في أفغانستان. عدم وجود مثل هذا الغطاء يجعل القوّات التركية في موقف ضعيف على المستوى القانوني والدولي، ما يفتح المجال أمام استهدافها سياسياً وأمنيّاً أيضاً. ولذلك، فإنّ هذه النقطة تحتاج إلى نقاش عميق مع واشنطن والحلفاء الدوليين.

ثانياً ـ تغيير وجهة نظر طالبان. علّقت طالبان باكراً على مقترح تركيا تأمين حماية لمطار كابل بالرفض. لكن القارئ لما بين السطور يستطيع أن يرى أنّ طالبان لم تغلق الباب تماماً. ففي تعليله لرفض المقترح التركي، قال سهيل شاهين المتحدث باسم حركة "طالبان" إنّ القوات التركية في أفغانستان هي جزء من قوات حلف شمال الأطلسي المتواجدة في البلاد، ولذلك فإنه ينبغي لتركيا سحب قواتها من أفغانستان بموجب الاتفاق الذي تم مع الولايات المتحدة في 29 شباط 2020، مضيفا أنه "بخلاف ذلك، فإن تركيا دولة إسلامية. وأفغانستان لها علاقات تاريخية معها. نأمل في أن تربطنا بهم علاقات وثيقة وطيبة مع تأسيس حكومة إسلامية جديدة في البلاد في المستقبل".
 
لكن ماذا إذا عملت القوات التركية في أفغانستان تحت يافطة أخرى غير تلك التابعة للناتو؟ في هذه الحالة من الممكن الالتفاف على تعليل طالبان. إقناع طالبان لن يكون بالأمر السهل خاصة أنّ الحركة رفضت حضور مؤتمر إسطنبول حول أفغانستان في 16 أبريل بحجّة أنّها ليست جاهزة للمشاركة فيه، وأنّ أجندته غير واضحة. علاوةّ على ذلك، ستتساءل الحركة بالتأكيد عن المقابل الذي من المفترض أن تحصل عليه في حال موافقتها على هذا المقترح. غياب علاقات قوية بين تركيا وطالبان يحيلنا إلى الدور الباكستاني المحتمل في مثل هذه العملية وهي المعضلة الثالثة.

ثالثاً ـ موقف باكستان. هناك حرص تركي على إشراك باكستان والمجر لأسباب سبق وشرحناها بالتفصيل في مقال سابق. الموقف المجري يبدو أكثر وضوحاً من الموقف الباكستاني في هذه المرحلة. إذ إنه على الرغم من بعض المواقف الباكستانية الإيجابية في هذا الصدد، فلا يوجد موقف رسمي واضح حتى الآن، ومن غير المعلوم ما إذا كان ذلك مرتبطاً بعدم تبلور نتائج المرحلة الأولى من المقترح –التي تتضمن تفاوضاً تركياً مع الجانب الأمريكي- بشكل حاسم بعد أم إنّه مرتبط بحسابات أخرى تتعلق بطبيعة العلاقة مع طالبان في هذه المرحلة أو ربما الحساسية التي قد تنجم لدى بعض الدول كالصين عن انخراط باكستان في اتفاق من هذا النوع مع أمريكا. 

رابعاً ـ حماية المواكب الدبلوماسية و/أو تلك المتجهة إلى المطار. حتى مع افتراض تجاوز كل العقبات السابقة، سيبقى موضوع حماية المواكب الدبلوماسية داخل البلاد وتلك المتّجهة إلى المطار عقبة في وجه الدور المحتمل. وفقاً لبعض المصادر، فقد رفضت تركيا القيام بهذا الدور لأنّه سيعرّض على الأرجح جنودها لمخاطر هجمات من قبل طالبان. وعليه، فسيبقى السؤال حول مدى جدوى تأمين المطار إذا لم تكن المواكب القادمة له أو المغادرة منه تتمتّع بالحماية المطلوبة، ومن سيقوم بهذا الدور في حال استمرار الاعتراض التركي.. الولايات المتّحدة أم باكستان أم ربما تعهّدات أفغانيّة؟ 
 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس