د. باسل الحاج جاسم - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن فرنسا والولايات المتحدة تعانيان م "كبرياء جريح" وهو تصريح  جاء على خلفية دور موسكو في اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان. إن طلب باريس من موسكو توضيح "الغموض" فيما يتعلق باتفاقية وقف إطلاق النار ودور تركيا في هذا الاتفاق ، يكشف عن استياء فرنسا من تهميشها.

في هذه الأزمة المتجددة ، بدت فرنسا نمرًا بلا أسنان ، لا يضطلع بدور حاسم في المنطقة، وليس لديها سوى نطاق دبلوماسي محدود للغاية لممارسة أي ضغط. لم يتمكن الاتحاد الأوروبي ولا باريس من وقف المعارك بين الأرمن والأذربيجانيين.

حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، بصفته الرئيس المشارك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) مجموعة مينسك ، استغلال أزمة ناغورنو كاراباخ وأخذ زمام المبادرة لتأكيد أنه كقائد حقيقي لأوروبا كلها.

لا يمكن إنكار أن الاتفاقية الثلاثية بين أرمينيا وأذربيجان وروسيا في كاراباخ كانت بمنزلة صدمة للغرب عموما ،  وباريس خصوصا، إذ كان الجميع على ثقة من مواجهة روسيا وتركيا في جنوب القوقاز ، ولكن حدث العكس.

منعت موسكو وأنقرة مشاركة أطراف غربية من خارج المنطقة. استمرت التصريحات المتوترة بين روسيا والولايات المتحدة ، كما استمرت التصعيد الكلامي بين ماكرون والرئيس رجب طيب أردوغان في جوانب متعددة.

بالإضافة إلى ذلك ، لا ينبغي لأحد أن ينسى الوضع الصعب في داخل فرنسا ، لا سيما فيما يتعلق بحركة السترات الصفراء والاحتجاجات الأخيرة علىقانون الإعلام الجديد وتصريحات ماكرون المتعلقة بالإسلام.

كشفت حرب كاراباخ الثانية ، من بين ما كشفت، عن أهمية التعاون والتنسيق بين تركيا وروسيا ، وهو ما رأيناه بالفعل في سوريا. بذلت محاولات عديدة لتكرار ذلك في ليبيا. لكن موقف تركيا من صراع جنوب القوقاز يختلف اختلافًا كبيرًا عن موقف واشنطن وباريس اللتين تطالبان بتجميد الصراع دون حله وهذا الأمر ليس جديدًا ، إذ لم تكن تركيا أبدًا لاعباً طارئا في منطقة القوقاز.

تعلن أنقرة موقفها الواضح والوقوف التام إلى جانب "شقيقها" أذربيجان لاستعادة أراضيها المحتلة ، على عكس بقية الأطراف التي تعلن حيادها في هذا الصراع وتدعم هذا الطرف أو ذاك من وراء الستار.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، في بيان لافت للنظر ، إن تركيا لم تُخف قط أنها تدعم أذربيجان في كاراباخ.

وقال تقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية عام 1988 بعنوان "الاضطرابات في القوقاز وتحدي القوميين" الذي رفعت عنه السرية في عام 1999 ، إن نهج تركيا المؤيد لأذربيجان يقلق البيت الأبيض ويُنظر إليه على أنه يؤدي إلى صراع بين الناتو وروسيا.

ينبع ميل واشنطن تجاه أرمينيا إلى حد كبير من رغبتها في الضغط على تركيا ، ولا علاقة لها بالعلاقات الأرمنية التركية بقدر ما تتعلق بالنزاعات الأمريكية التركية في الشرق الأوسط ، والتي تفاقمت بعد عام 2013 في الحروب السورية ، من خلال دعم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لميليشيات ي ب ج، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني ، المصنف على أنه منظمة إرهابية من قبل الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

هدد هذا التحرك من قبل واشنطن مصالح دولة عضو في الناتو.وتوترت في وقت لاحق العلاقات التركية الأمريكية بشكل أكبر بسبب قضية تسليم مجموعة غولن الإرهابية (فيتو) التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها. ومن ناحية أخرى يُنظر إلى تعاون أرمينيا مع روسيا وإيران على أنه تحدٍ خطير لموقف الولايات المتحدة في القوقاز.

من الصعب أيضًا النظر إلى التحرك الدبلوماسي الفرنسي بشأن صراع القوقاز فقط على أنه نتاج تأثير اللوبي الأرمني في فرنسا ، خاصة عندما نلاحظ أن ماكرون يعارض أنقرة وينحاز إلى أثينا في البحر المتوسط ​​وفي قضية قبرص المعقدة. ونرى نفس المعارضة لتركيا في المواجهة في ليبيا ومن خلال دعم باريس للإرهاب الانفصالي في سوريا ، الأمر الذي يهدد وحدة أراضي البلاد ويشكل أيضًا تهديدًا لتركيا ودولًا أخرى ، بما في ذلك روسيا في جنوب وشمال القوقاز. .

كشفت حرب كاراباخ الثانية أيضا عن مشكلات خطيرة في التحالف الغربي. في الواقع، اليوم لا يمكننا التحدث عن موقف غربي واحد، ليس فقط على القوقاز الجنوبي فحسب، بل حول قضية العقوبات الغربية ضد روسيا وليبيا. في الوقت نفسه، لا تزال وسائل الإعلام تنشر التصريحات التي أدلى بها ماكرون حول الموت السريري لحلف الناتو، وهو ما أثار رد فعل قوي، سواء من أردوغان أو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعتبر فرنسا أكثر الدول احتياجا إلى الناتو.

تمكنت روسيا من وقف حرب الكاراباخ الثانية بعد وساطتها بالتنسيق مع تركيا في توقيع اتفاق ينظر إليه اليوم على أنه اتفاق تاريخي بين أرمينيا وأذربيجان، مع مراعاة أن الملفات المتعلقة أرمينيا هي خط أحمر مهم في جدول أعمال أنقرة.

كان تحرك بوتين السريع ودوره المباشر في تنظيم محادثات بين الأرمن والأذربيجانيين أمرا بالغ الأهمية، وأدت وساطته إلى نشر قوات حفظ السلام الروسية بمشاركة تركيا في رصد وقف إطلاق النار.

ناقش ماكرون مع بوتين خلال مكالمة هاتفية في 7 نوفمبر، استمرار المعارك واسعة النطاق بين باكو وإيريفان، وتوصلا إلى التزام متبادل بمواصلة جهود الوساطة والتنسيق بين روسيا وفرنسا.  ولكن ماكرون أصيب بالصدمة عندما علم  بعد ثلاثة أيام فقط من مكالمته الهاتفيه مع بوتين، بوجود قوات حفظ سلام روسية في كاراباخ.

عانى ماكرون صدمة ثانية في مكالمة هاتفية أخرى مع بوتين بعد ستة أيام من اتفاق وقف إطلاق النار، حين أعلنت الكرملين في بيان رسمي أن المكالمة الهاتفية حدثت لأن "روسيا وفرنسا عضوان في مجموعة مينسك".

أخيرا، تعلن العناوين الصادرة في وسائل الإعلام الفرنسية في أواخر يونيو في يونيو الماضي، "هزيمة ثقيلة" لكرون في الانتخابات المحلية ونعرف أن الرئيس الفرنسي اليوم بين الهزائم الداخلية والنكسات الخارجية، دون أن ننسى حقيقة أن نكسات ماكرون الخارجية تضر فرنسا كلها.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس