إبراهيم قيراس – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

من أكثر الأمور التي يسعى الكتّاب للحديث عنها في هذه الأيام هي نتائج الانتخابات، وهذا يجعلنا أكثر عرضة للانتقادات، لأننا لا نسلم منها مهما كتبنا، فإذا قرر كاتب ما عدم الحديث عن توقعاته ورؤيته لنتائج الانتخابات، ينتقده جمهوره بأنه كاتب ولا يستطيع تحليل وتوقع النتائج! وإذا توقع كاتب آخر فوز حزب ما باكتساح، ينتقده البعض بأنه يعمل ذلك كدعاية للحزب الذي يميل إليه، واذا توقعنا النسبة المتوقعة لكل حزب، ولم تُصب بنسبة 100%، ستُعتبر توقعاتنا خاطئة، فنحن نعيش في تركيا!

عندما نتحدث عن قياس أسلوب وتصرّف الناخب عندما يقف أمام صندوق الاقتراع، فإننا نتحدث عن مسألة نفسية وذهنية، ولهذا يصعب قياسها تماما، ولهذا لا يمكن لكل الاحصائيات والدراسات مهما اعتمدت على اساليب علمية أنْ تصيب بنسبة 100%.

ربما ما يساعدنا على الاقتراب من توقع نتائج الانتخابات، هو تعبير قسم كبير من الشعب عن آرائه وميوله وقناعاته بصورة شفافة قبل الانتخابات بمدة جيدة، لكن يبقى هناك قسم آخر كصندوق مغلق لا تدري ماذا سيخرج منه، وهؤلاء يصعّبون مهام المتنبئين بصورة كبيرة.

ومن أكثر العوامل أيضا التي تساهم في صعوبة توقع النتائج، هي أنّ معظم الناخبين لا يعتمدون على اختياراتهم بصورة أساسية على الامور الحسية والملموسة، وإنما تتحكم أيضا عوامل نفسية وعاطفية في اختياراتهم النهائية.

لو كانت أصوات الناخبين تعتمد فقط على العقل والنظريات المنطقية، لتوقعنا مثلا أنّ الناس ذوي الدخل المحدود، أو الطبقة العاملة، لن تصوّت لليبراليين الجدد أو الأحزاب المدافعة عن سياساتهم، لكن الواقع يشير إلى أنّ العاملين الذين تشربوا من أقاربهم أو محطيهم مبادئ الليبرالية أو لديهم روابط ثقافية مشتركة معهم، لا يستطيعون رؤية الأحزاب اليسارية التي تدافع عن حقوقهم.

ليس الأمر مرتبطا بالثقافات المشتركة فحسب، وإنما كون زعيم الحزب جميلا أيضا ربما يؤثر على أصوات بعض الناخبين، ولهذا من الصعب جدا قياس تصرّف الناخب من خلال العقل والنظريات المنطقية، وحتى لو قمتم بدراسة الأوضاع الاجتماعية والثقافية لفئة معينة، لن يكون من السهل التنبؤ بأصواتهم بصورة أكيدة، لأننا هنا نتحدث عن تحليل أسرار الناس والعوامل التي تقود إلى تحديد اختياراتهم.

إنْ لم تخنّي الذاكرة، فإنّ عدد حضور المهرجان الانتخابي الذي قام به المرحوم نجم الدين أرباكان في محافظة قونيا، كان 7-8 أضعاف الأصوات التي حصل عليها حزبه في نفس المحافظة، وهذا يعني أنّ الناخبين ربما لا يصوتون للرجل الذي يصفقون له ويحترمونه، فهناك أحزاب حماسية ولديها حضور جماهيري كبير في الميادين، لكن عندما تحين الانتخابات نجد أنّ الأصوات التي حصلوا عليها لا تتوافق وأعداد تلك الحشود الجماهيرية.

لا يمكن تحليل الانتخابات بصورة منطقية وعقلانية إلا بعد الإعلان عن نتائجها، فالحشود الجماهيرية التي تقف في مهرجانات الأحزاب السياسية قبل الانتخابات بأسبوعين، لا تنعكس دوما على نتائج الانتخابات.

وأيضا هناك بعض الأحزاب السياسية لا تحصل على الأصوات ممن يدعمون فكرها السياسي أو برنامجها الانتخابي فقط، وإنما يحصلون على أصوات من الذين يقفون ضد حزب آخر، فلكي يحاولوا إعاقة ذلك الحزب من الوصول إلى أهدافه في الانتخابات، يقومون بالتصويت للحزب المنافس له.

واليوم نحن أمام مشهد، تقف فيه القاعدة الجماهيرية لحزب الشعب الجمهوري بصورة داعمة لحزب الشعوب الديمقراطي، وذلك كي يتجاوز نسبة الحسم، ولكي لا يمكّن حزب العدالة والتنمية من الحصول على أغلبية تؤهله لإنشاء دستور جديد للبلاد، لكن مع ذلك لا نستطيع تقييم ذلك التوجه وحجمه داخل قواعد حزب الشعب الجمهوري.

وفي النهاية فإنّ نتائج الانتخابات معروفة من الآن، فهناك مَن لن تُصب توقعاته، وهناك من سيقول "لقد توقعت ذلك".

عن الكاتب

إبراهيم كيراس

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس