ترك برس

شهدت الأشهر الأخيرة، تصاعداً في التوتر بين روسيا من جهة، والبلدان الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى، ما طرح تساؤلات حول موقف وموقع تركيا من هذا الأمر، لا سيما وأنها تمتلك علاقات وتحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية مع كلا الجانبين.

بعد أن ضمّت روسيا القرم إلى أراضيها عام 2014، تعاظم وجودها العسكري بمنطقة شمال البحر الأسود. وقوبل ذلك باتهامات ومخاوف أوكرانية وأوروبية متكررة، ترى أن هذا يشكل تهديدا حقيقيا لأمنها، ولمصالح الدول الإقليمية والعالمية في المنطقة.

تبرر موسكو هذا الوجود بالأسباب ذاتها أيضا، معتبرة أن "النوايا التوسعية" لحلف شمال الأطلسي "ناتو" بأراضي أوكرانيا والبحر الأسود تهديد خطير لأمن حدودها وأراضيها، بما في ذلك القرم الذي تعتبره أوكرانيا والغرب أرضا محتلة.

وبعد ضم روسيا للقرم، ازدادت حدة التوتر تدريجيا في حوض البحر الأسود على مدار السنوات الماضية، وتجلى ذلك في ازدياد عدد وحجم المناورات العسكرية البحرية، سواء الروسية أو الأوكرانية الغربية المشتركة.

ووصل هذه التوتر أوجه في أبريل/نيسان الماضي، عندما حشدت موسكو أعدادا ضخمة من القوات والآليات والسفن على حدود أوكرانيا البرية شرقا، والبرية البحرية جنوبا، فضج العالم بالحديث عن "اجتياح وشيك أو محتمل" قبل أن تعلن روسيا انتهاء "مناورات واسعة" وتقلل من مخاوف الغرب.

وعمليا، لم تهدأ مياه هذا البحر منذ ذلك الحين، فقد شهدت مناورات "نسيم البحر 2021" الضخمة، ومناورات "دايف 2021" المشتركة بين أوكرانيا و"ناتو"، بمشاركة آلاف الجنود وعشرات السفن، وبالتزامن مع مناورات بحرية عدة أطلقتها روسيا بالمقابل.

وشهدت السنوات والشهور والأسابيع الماضية حوادث متكررة في حوض البحر الأسود وبحر آزوف، كان أبرزها اعتراض روسيا مدمرة "ديفندر" البريطانية في يونيو/حزيران الماضي. وكان آخرها "مرافقة" مقاتلتين روسيتين لقاذفتي قنابل أميركيتين فوق البحر، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية.

وغير بعيد، يذكر العالم الضجة والمخاوف التي أثارها اعتراض روسيا 3 سفن تابعة للقوات الأوكرانية قرب مضيق كيرتش في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وأسر جميع بحارتها البالغ عددهم 25.

تواجه روسيا اتهامات، من كل من أوكرانيا وتركيا والولايات المتحدة ودول أوروبا وحلف ناتو، بالسعي لتحويل البحر الأسود إلى بِركة خاصة، لاسيما بعد أن قررت موسكو، في أبريل/نيسان الماضي، إغلاق أجزاء من مياه وأجواء البحر أمام حركة السفن والطائرات الأجنبية.

وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "الجزيرة نت" عن إيليا كوسا خبير العلاقات الدولية بالمعهد الأوكراني للمستقبل، قوله إن روسيا تسعى إلى إقصاء وجود قوات كبيرة للناتو قرب حدودها "بغض النظر عن تطابق وسائلها مع القوانين الدولية".

ويضيف "عمليا، يتحول البحر إلى منطقة نفوذ روسية، لأن حجم الأسطول تضاعف منذ 2014، وتم دعمه بغواصات وفرقاطات جديدة، مجهزة بصواريخ بعيدة المدى".

وفي سياق متصل، يعتقد ميخايلو هونتشار رئيس مركز الدراسات العالمية بأوكرانيا أن روسيا تخطط لحصار الساحل الأوكراني، وإخراج ناتو من منطقة البحر الأسود.

ويقول هونتشار "رهانها سيكون على أن الحلف لن يسعى لمفاقمة الوضع معها، كما كان من قبل" في إشارة لميول دول غربية نحو إعادة تطبيع العلاقات مع موسكو.

في ظل هذا الواقع، يقارن محللون كثر بين حجم القوة الروسية والأطلسية في البحر الأسود، ويكادون يجمعون على أن القوة فيه -حاليا- لموسكو.

ولذلك، لا يتفاءل المحلل العسكري الأميركي مارك إيبيسكوبوس بقدرة دول ناتو على مواجهة روسيا بالبحر الأسود، في حال اندلاع صدام عسكري بين الجانبين في المنطقة.

وكتب إيبيسكوبوس بمجلة (The National Interest) أن روسيا عززت أسطولها وخاصة في قاعدة سيفاستوبل "بينما قوات ناتو بالمنطقة لا تستطيع الاعتماد على دعم محلي واسع النطاق" مشيرا إلى أن أوكرانيا ورومانيا وجورجيا يمكن أن تتيح لسفن ناتو الوصول لموانئها، لكنها تفتقر القدرات البحرية اللازمة لتقديم مساهمات عسكرية كبيرة.

تحالفات أمن البحر

ويبدو أن الدول المطلة على البحر الأسود تسعى جاهدة لإيجاد توازن ما، أو قلب معادلة القوة لصالحها بالمستقبل، اعتمادا على الشراكة البينية، أو مع حلف ناتو.

فأوكرانيا مثلا اتفقت، مع كل من تركيا وجورجيا ومولدوفا، على إجراء تدريبات بحرية مشتركة، وعلى أهمية التعاون لضمان أمن منطقة البحر الأسود.

وهي المعنية أكثر من غيرها بهذا الأمر، وقد تكررت -من حين إلى آخر- دعوة ناتو لتوسيع نشر قواته بالبحر الأسود، وتعتزم كييف بناء قاعدتين عسكريتين بحريتين، وتحديث وزيادة حجم أسطولها، وتطوير صواريخ "نبتون" الموجهة لضرب أهداف بحرية.

ولعل آخر حلقة بهذا الإطار كانت زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى كل من جورجيا وأوكرانيا ورومانيا، قبل حضور قمة وزراء "ناتو" في بروكسل.

تقول كسينيا لوغينوفا الكاتبة بصحيفة "إزفستيا" الروسية "أوستن عازم على طمأنة كييف وتبليسي بأن الطريق إلى الحلف مفتوحة أمامهما، وكذلك توضيح كيف ستبنى العلاقات مع الحلفاء بمنطقة البحر الأسود".

وتضيف "يناقش ناتو باستمرار تعزيز الأمن في منطقة البحر الأسود، ويتم التركيز بشكل خاص على تطوير العلاقات مع تبليسي وكييف."

روسيا تقاطع ناتو

وقد تفسر هذه التحالفات والتوجهات قرار موسكو الأخير قطع العلاقات مع حلف ناتو بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني، وإلى أجل غير مسمى.
حجة قطع العلاقات تلك، بحسب وزير الخارجية سيرغي لافروف، هي سحب اعتماد 8 موظفين روس من البعثة الدائمة لدى ناتو أوائل أكتوبر/تشرين الأول، لكن لمحللين روس نظرة من زاوية أخرى.

فيرى غينادي بيتروف، الكاتب بصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" أن "تصريح لافروف جاء بالتزامن مع جولة أجراها (وزير الدفاع الأميركي لويد) أوستن في بلدان منطقة البحر الأسود، يراد منها إعادة التأكيد على دعم انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى ناتو. وعلى هذه الخلفية، يبدو قطع العلاقات مع الناتو منطقيا بالنسبة للكرملين".

ويعتبر سيرغي فيودوروف الخبير في معهد "أوروبا" التابع لأكاديمية العلوم الروسية أن "قطع العلاقات خطوة خطيرة للغاية، بالنظر إلى الصعوبة التي واجهت إنشاء مجلس روسيا وناتو أوائل العقد الأول من القرن الـ 21". ويضيف "ومع ذلك، يمكن فهم هذه الخطوة، على أنها عدم جدوى الاستمرار في حوار الطرشان".

ورغم أن المخاوف والاتهامات المتبادلة تتمحور حول أمن الحدود والأراضي بشكل رئيس، فإن الجانب الاقتصادي حاضر ضمن قائمة العوامل المؤثرة في توترات البحر الأسود أيضا.

وفي الوقت الذي تعارض تركيا وبشكل علني ضم روسيا للقرم، وتعتبره خطوة غير قانونية، فإنها غالباً ما تدعو إلى التهدئة في الصراع الروسي الغربي، مع تأكيدها على ضرورة تجنيب البحر الأسود لهذا الصراع.

كما أن تركيا صدّرت لأوكرانيا خلال السنوات الأخيرة، طائرات مسيرة من طراز "بيرقدار"، في خطوة أثارت حفيظة روسيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!