مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

أجريت في عموم العراق في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021 المنصرم انتخابات نيابية مبكرة، وصادقت المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات قبل أيام، أي بعد أكثر من شهرين من إجرائها. وتصدرت الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر النتائج بحيازتها على 73 مقعداً وفق النتائج النهائية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

وقد شارك التركمان في هذه الانتخابات بكافة المحافظات والمناطق التي يقطنونها (كركوك والموصل وتلعفر وأربيل والسليمانية/كفري وصلاح الدين وديالى والعاصمة بغداد) بقائمة "جبهة تركمان العراق الموحد" بزعامة حسن توران رئيس الجبهة التركمانية العراقية، والتي ضمت 9 أحزاب سياسية، وبالإضافة إلى مشاركة مرشحين مستقلين كل على انفراد وكذلك مشاركة مرشحين تركمان آخرين ضمن تحالفات وكتل سياسية أخرى. وبعد إعلان النتائج اتضح فوز التركمان ب 8 مقاعد بالمجموع في عموم العراق، مقعدين للجبهة التركمانية (مقعد من كركوك ومقعد من نينوى) والمقاعد الأخرى ضمن كتل وتحالفات مختلفة.

وعقب إعلان النتائج الأولية تعالت أصوات تركمانية منتقدة القائمة والأحزاب ومعتبرة النتائج بمثابة نكسة للتركمان، قابلتها ردود تركمانية أخرى مدعية حصول التركمان على نفس النتائج السابقة. والحق أننا لو نظرنا إلى القضية بمعيار حسابي وحيادي بعيد عن العواطف، لرأينا أنه كان للتركمان عموماً 8 مقاعد في الانتخابات السابقة ولم يتغير شيئاً في هذه الانتخابات الأخيرة، وأما بخصوص مقاعد الجبهة التركمانية فقد كان لها مقعدان في الانتخابات السابقة وحصدت على مقعدين أيضاً في هذه الانتخابات، أي أنها احتفظت بنفس العدد دون زيادة أو نقصان.

وبعد هذه المقدمة وبالرجوع إلى موضوع مقالنا بخصوص مطالب بتأسيس "مجلس تركماني" وبالرغم من أن هذا المطلب أو المقترح أو المشروع لم يكن وليد اليوم بل سبق وأن طرح في السنوات السابقة من قبل جهات سياسية حزبية ومستقلة مختلفة، إلا أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة جعلت نهوض هذا المطلب مجدداً وخاصة من قبل الذين يرون نتائج الانتخابات هزيمة وخسارة للتركمان، فمنذ أكثر من شهرين هناك مطالب شعبية وتارة سياسية ومن بعض المثقفين والنخب سواء في داخل العراق أو في خارجه تريد تأسيس مجلس تركماني في العراق، يمثل هذا المجلس جميع التركمان بكافة شرائحهم من تلعفر إلى مندلى ويكون مرجعاً وقراراته ملزماً لجميع الجهات التركمانية، لأنه سيستمد شرعيته من الشعب التركماني مباشرةً.

نظرياً مقترح أو مطلب جدير بالاحترام لا سيما أنه بات مطلباً شعبياً في بعض المناطق، وفي الأنظمة الديمقراطية والمتحضرة مطلب الشعب يجب أن يُسمع ويُحترم. ولكن واقعياً وعلمياً هناك عوائق تقف أمام تحقيق هذا المطلب، وبالرغم من أن بعض الجهات والشخصيات السياسية والنخبوية والفكرية تسعى لتأسيس مجلس، وكذلك بالرغم من تطرق بعض الكتّاب والناشطين التركمان لهذا المطلب إلا أن معظمهم إن لم يكن جميعهم لم يقدموا صيغة واضحة عن كيفية تأسيس هذا المجلس، وكذلك عن كيفية تذليل العقبات وإزالة العوائق التي سنتطرق إليها بعد قليل. فبالتالي إما سيبقى هذا المطلب حبراً على الورق لافتقاره إلى المنهجية بداخله، أو سيقابل بمعارضة بسبب غموضه.

فإن القارئ والمراقب يفهم من مطلب "تأسيس مجلس تركماني" معنيين، أو تتضح له صورتين. أولاً: (ويُفترض أن يكون هذا المعنى هو المقصود) وكما يُفهم من اسمه أنّه مجلس، والمجلس كما معلوم للجميع يُنتخب أعضاؤه من قبل الشعب مباشرةً وعلى إثر ذلك يكون مرجعاً شرعياً يمثل الشعب وهذا هو المعمول به والمعروف في الأنظمة الديمقراطية.

 وثانياً: ربما يُقصد من هذا المشروع تأسيس مجلس بناء على تزكية وجهاء أو شخصيات تركمانية أو شيءٌ من هذا القبيل، لا عن طريق انتخاب الشعب مباشرةً. فإنّني أرى وربما يوافقني 95 % من أبناء تركمان العراق إن مثل هذا الأمر لن ينجح أبداً ولن يلملم الشتات شيئاً بل يزيد الطين بِلّةً، لأن الذي سيزكيه أو يرغب به زيد سيرفضه عبيد والعكس كذلك، وجميع التجارب تؤكد ذلك.

وأما إذا كان المطلب بالمعنى الأول والأجدر أن يكون هكذا، فواقعياً ومنطقياً سيواجه - في نظري ورأيي - بعضاً من العوائق، فلنتطرق إلى تلك العوائق كالتالي:

أولاً: العائق السياسي: قبل كل شيء، وبما أن التركمان جزء من العراق وهم مواطنون عراقيون وفلسفتهم السياسية تكمن في وحدة العراق أرضاً وشعباً وقد دافعوا عن بلدهم العراق بدمائهم في مواجهة الإرهاب وتصدوا لحملات تقسيم البلد وأثبتوا وطنيتهم العراقية في أكثر من مناسبة، فعليه يجب أن يفكروا أولاً بموقف دولتهم، الدولة العراقية من هذا المطلب وكيف ستنظر بغداد إلى هذا المشروع؟ لطالما هو مشروع لم يتضمن نوايا الانفصال أو ما شابه ذلك من أمور فهو حق مشروع ولا سيما شرّعه الدستور العراقي الحالي، ولكن في نفس الوقت يجب إعلام الدولة بهذا المشروع قبل كل شيء ليس إلا ولكن ليعرفوا وليطلعوا على غايته ومحتواه ومراده، والجدير بالذكر أن هذا المشروع يجب أن يُرسم ويُخطط ويُناقش داخل العراق حصراً.  

ثانياً: العائق الاقتصادي: لا شك أن الجانب المالي أو الاقتصادي هو من الأمور المهمة التي لا يستهان بها ولا يستغنى عنها. وربما الجانب الاقتصادي يلعب دوراً محورياً في نجاح هذا المشروع أو فشله، فإن تأسيس هذا المجلس وتسييره وديمومته سيتطلب تخصيص دعم مالي أو ميزانية خاصة ومستقلة. إذن كيف يكون ذلك؟ فهذا أيضاً يجب أن يناقش في بادئ الأمر لأنني أكرر وأقول أن الجانب المالي من الأمور المهمة والمحورية التي يجب دراستها بشكل تفصيلي مع وضع بدائل أخرى.

ثالثاً: العائق الاجتماعي: قلنا أن أعضاء المجلس يجب أن يُنتخبون من قبل الشعب مباشرةً، وإلا لما نسميه مجلساً في ظل النظام الديمقراطي. وبما أنه مجلس تركماني عراقي وسيمثل التركمان في العراق فعليه وبلا شك يجب أن يكون المصوتين من التركمان أنفسهم حصراً من تلعفر إلى مندلى، أي في كافة مناطق التركمان. فما الضامن أن المصوتين سيكونون من التركمان؟ ربما سيأتي أو يؤتى من قوميات أخرى لغرض تصويت لصالح مرشح معين لأجل تزوير؟ حيث وكما معلوم للجميع لا توجد إشارة في المستمسكات الرسمية لتؤكد قومية المواطن سوى معرفة بعضهم من أسمائهم أو ألقابهم. ولأنه توجد مناطق لا تستطيع بأي شكل تمييز القومية من الأسماء والألقاب. فعليه يستوجب دراسة هذه المعضلة بشكل موسع ومكثف ومن قبل المختصين لإيجاد صيغة حل لها، وهي ليست بالأمر السهل.

رابعاً: العائق الفني: فالانتخابات لمجلس تركماني عراقي من قبل الشعب حالها حال الانتخابات الأخرى المعمول بها، تحتاج إلى جهة أو مؤسسة مستقلة ومعنية تشرف على ذلك بشكل حيادي، وتستحضر الأجواء والصناديق لذلك. ومن ستكون هذه الجهة أو المؤسسة أو المفوضية التي ستشرف على انتخابات تركمانية كل أربع أو خمس سنوات؟ وهذا عائق يجب دراسته جيداً.

والصراحة لم تكن هذه العوائق أمام تأسيس مجلس تركماني عراقي محصورة في هذه المحاور الأربعة الذي ذكرتها أعلاه، إلا أنني أرها تأتي في مقدمة المسألة وهنّ أهمها وأبرزها. ولا أدعي أو أجزم بأنها لن تحل أبداً، أو هي حجر عثرة أمام مشروع تأسيس مجلس تركماني دائماً وأبداً. كما أنني أرى أن مطالب تأسيس مجلس تركماني يجب أن تكون بالمعنى الأول الذي ذكرناه أعلاه، مع تذليل عقباتها وإزالة عوائقها، أو اللجوء إلى خيارات أخرى عبر تزكيات أو ما شابه ذلك ولن يكن ذلك سوى مثاليات ولن يُحقق أبداً، وإن تحقق لن يداوي جرحاً ولن يجدي نفعاً ولن يُحسب له من قبل أحد حساباً، وهذا لم أقله أو أتمناه أنا، بل الواقع والتجارب السابقة تؤكد ذلك.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس