توران قشلاقجي - القدس العربي

يكشف الغزو الروسي لأوكرانيا أن العالم يشهد حربا باردة بكل وضوح. كما يسير التنافس بين الولايات المتحدة والصين على نمط حرب باردة أيضا. بدورها تمر المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة (UN) بأزمة كبيرة وتفكك. والنظام العالمي الذي كان يعاني أصلا من أزمة شديدة منذ سنوات طويلة، انتقل اليوم إلى مرحلة جديدة مع تفشي وباء (كوفيد ـ 19) واندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية. لذلك، يمكننا بكل سهولة أن نسمي هذا الوضع بالحرب الباردة الجديدة.

وأكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن العالم يواجه حربا باردة جديدة. من جهته قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن «إن أزمة أوكرانيا مستمرة وتزداد تفاقما. ولا شك في أن الأخطاء المتبادلة، ومساعي البحث عن توازن قوى جديد، وحسابات المصالح قصيرة المدى، سوف تتسبب في خسائر استراتيجية كبيرة، ومأساة بشرية على المدى المتوسط ​​والطويل. لقد دخلنا حقبة حرب باردة جديدة. وستستمر آثار هذه الحرب لعقود». وشدّد قالن على أن تركيا «ستحافظ على موقفها المتوازن» وقال: «سيتم تشكيل توازنات جديدة في جميع المجالات من الأمن الغذائي والطاقة، إلى الديناميكيات الجيوسياسية والتحالفات الإقليمية». وأضاف: «تركيا في هذه المرحلة الحرجة، ستحافظ على موقفها المتوازن من أجل إحلال السلام والاستقرار والأمن والعدل، وستواصل مبادراتها متعددة الأوجه».

أصبحت روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، تعتبر بمثابة تهديد خطير بالنسبة إلى التحالف الغربي. يعد اختفاء مسألة استخدام السلاح النووي في بداية الحرب في أوكرانيا من الأجندة العالمية تطورا جيدا، لكن لا أحد يغفل إصرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، على رفع وتيرة انتقاداته تجاه روسيا وبوتين، فبعد وصفه لنظيره الروسي بـ»مجرم الحرب» بدأ باستخدام عبارة «الإبادة الجماعية» في حديثه عن ممارسات روسيا في أوكرانيا. من ناحية أخرى، وبما أنه من غير الممكن للعقل الإستراتيجي الأمريكي أن يتخلى عن هدفه المتمثل في تقييد المنافسة الرئيسية «الصين» يبدو أن التنافس بين القوى العظمى بات يتخذ تدريجيا شكل «حرب باردة جديدة ذات جبهتين».

ويرى الخبيران السياسيان ماثيو جيه بوروز، وروبرت أ. مانينغ، في مقالهما المشترك لمجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية المتخصصة بالسياسة الدولية «أن المسار القائم حاليا سيؤدي إلى إنفاق عسكري أعلى بكثير، والمزيد من الغموض على نطاق من شأنه أن يضع الاقتصاد العالمي في مأزق، والابتعاد عن هدف إعادة هيكلة الولايات المتحدة». وحذّرا إدارة بايدن من ارتكاب خطأ إشعال حرب باردة مزدوجة تواجه خلالها روسيا والصين في وقت واحد.

في خضم ذلك، هل العالم العربي والإسلامي لديه الاستعدادات اللازمة لمواجهة مرحلة الحرب الباردة التي بدأت حديثا؟ كيف ستعصف هذه المرحلة بالدول الإسلامية الغارقة في النقاشات المتأخرة حول العلمانية والانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية والمشاكل الاقتصادية؟ يبدو أن منطقتنا ستكون عرضة لموجات تسونامي ضخمة جدا.. ولا يزال سياسيونا يحاولون الحفاظ على سياساتهم وفق منطق القرن الماضي. ومع الأسف، لدى منطقتنا عدد قليل جدا من القادة الذين سيحتضنون شعوبهم بشكل جماعي ويطرحون منفذا جديدا ضد التسونامي الجديد الذي سيضرب بشدة العالم بأسره. وضع مثقفينا أيضا ليس أفضل من السياسيين.. ولا جدال في أن عصرنا يمر بتغيير كبير، فهذه المرحلة أدت إلى حدوث اضطرابات غير مسبوقة على نطاق عالمي وهدفها هو تسريع تحور الجنس البشري والانتقال إلى هيئة جديدة اصطناعية قابلة للتوجيه في الوقت نفسه، وبالتالي تكون مرنة وقابلة للتوسيع أكثر فأكثر. وحتى لو لم يتم القضاء على المجتمعات بالكامل، فسوف يتم تمزيقها إلى حد كبير من جميع الجوانب.

من الواضح أن دولا مثل تركيا وقطر تدرك طبيعة هذه المرحلة، ولا شك في أن قطر وتركيا هما البلدان المتميزان عالميا في قيادة الجهود الرامية إلى إزالة الآثار السلبية الواسعة الانتشار للوباء والحرب الروسية – الأوكرانية على العالم برمته. ويُعرف الرئيس أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم، بأنهما يسلّطان الضوء بشكل متكرر على الظلم القائم في النظام الدولي الحالي. وقد أعطت تركيا بالفعل الأولوية للدبلوماسية من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وإحلال السلام في أقرب وقت ممكن قبل وأثناء الحرب في أوكرانيا. وأجرت اتصالات مكثفة على صعيد القادة وساهمت في انعقاد اجتماعات بين طرفي الأزمة في أنطاليا وإسطنبول، لأن القوى العالمية التي تعطل الدبلوماسية تجر العالم إلى حافة كارثة جديدة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس