إسماعيل ياشا - عربي21

تصاعد التوتر بين أنقرة وأثينا في الآونة الأخيرة، إثر التصريحات والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين الأتراك واليونانيين حول الحدود البحرية، والجزر المتنازع عليها في بحر إيجة، وقيام اليونان بتسليح تلك الجزر القريبة من السواحل التركية بشكل يتعارض مع القانون الدولي والاتفاقيات.

رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، زار واشنطن قبل حوالي شهر، وألقى كلمة أمام الكونغرس الأمريكي، وشكا فيها أنقرة إلى أعضائه، مطالبا بعدم الموافقة على بيع أسلحة وطائرات حربية إلى تركيا. ولقيت كلمته تصفيقا حارا من أعضاء الكونغرس، لدرجة أنه قال: "لو ألقيت هذه الكلمة في البرلمان اليوناني ما لقيت هذا التصفيق الحار". ويرى الأتراك أن ذاك التصفيق الذي كان أيضا من نصيب أمثال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي والرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي، يشجع ميتسوتاكيس على التصعيد ضد تركيا.

أنقرة ترى أن التحذيرات التي توجهها إلى أثينا بشأن الجزر مشروعة وفقا للقانون الدولي، لأن الأخيرة من خلال عملية التسليح تقوم باختراق القانون الدولي والاتفاقيات، وفرض أمر واقع في الجزر التي يفترض أن تبقى "مناطق غير عسكرية" لا يتم فيها أي نشاط عسكري كمناورات، ناهيك عن التسليح وإقامة قواعد عسكرية، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لأمن تركيا.

ويلفت خبراء أتراك إلى أن ملكية تلك الجزر نقلت من إيطاليا إلى اليونان قبل عقود، بشكل غير قانوني، من خلال اتفاقية لم تتم دعوة أنقرة إليها، وأن تسليط الجانب التركي الضوء على هذه الحقائق هو ما يفقد الجانب اليوناني صوابه. وإضافة إلى ذلك، تعتقد أنقرة بأن التواجد الأمريكي العسكري في القواعد المنتشرة على طول الأراضي اليونانية وأرضها يستهدف تركيا بالدرجة الأولى، لا روسيا، علما بأن إحدى تلك القواعد تبعد عن الحدود التركية 40 كيلومترا فقط.

السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، صرح قبل أيام بأن الولايات المتحدة ليست محايدة في الأزمة الراهنة بين أنقرة وأثينا، بل إنها تقف إلى جانب اليونان، قائلا: "لو كنا محايدين بين تركيا واليونان لما وقعنا اتفاقية تعاون عسكري كبيرة توسع آثار خطوات الولايات المتحدة في اليونان".

وهذا الانحياز السافر هو الذي يدفع رئيس الوزراء اليوناني إلى التجرؤ على التصعيد ضد تركيا، إلا أن الأتراك يذكِّرونه بعواقب آخرين خذلتهم واشنطن في لحظة حرجة بعد أن دفعتهم إلى مغامرات.

هناك محللون يرون أن الولايات المتحدة قد تخطط لتدخل عسكري في تركيا بعد إحداث فوضى فيها، انطلاقا من القواعد الأمريكية المنتشرة في اليونان، لتحقيق ما فشل في تحقيقه في 15 تموز/ يوليو 2016، كما أن حوالي 80 في المائة من الأتراك لا يشكون في وقوف واشنطن وراء محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي قام بها الكيان الموازي. ويشير الأدميرال التركي المتقاعد جهاد يايجي، إلى أن المسؤولين في تركيا يجب أن لا يغضوا الطرف عن احتمال تعرض البلاد لتدخل عسكري وحرب تشن عليها انطلاقا من اليونان، مشددا على أن الاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها أثينا مع واشنطن وباريس مبنية على معاداة تركيا.

الكاتب والأكاديمي التركي سليمان سيفي أوغون، أشار في مقاله المنشور يوم الاثنين في صحيفة يني شفق، إلى محاولات تطويق تركيا عبر إيران واليونان، وذكر أن العملية العسكرية المرتقبة للجيش التركي في شمال سوريا ستكون أولى خطوات كسر هذا الطوق. وتوقع أن تتحول هذه العملية إلى مواجهة بين تركيا وإيران، مضيفا أن تركيا يجب أن تنتظر الضربة الكبيرة من الغرب، في إشارة إلى اليونان، إن نجحت عملية الجيش التركي في شمال سوريا، كما قال إن الحرب التركية اليونانية اليوم أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.

تركيا لن تسكت أمام محاولات محاصرتها، بل ستبذل كل ما بوسعها لإفشال تلك المحاولات التي تهدد أمنها القومي، ووحدة أراضيها، وحتى وجودها. وهي مستعدة للقيام بعمليات عسكرية للدفاع عن نفسها وحقوقها، كما فعلت لتدمير الممر الذي حاول حزب العمال الكردستاني إنشاءه على الحدود التركية السورية. ومن المتوقع أن تتشكل ملامح هذا الصراع بينها وبين القوى التي تسعى إلى تطويقها، وفقا لنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها الصيف القادم، ومدى عودة أنقرة إلى بيت الطاعة الأمريكي عبر صناديق الاقتراع.

احتمال تحول الأزمة بين تركيا واليونان إلى حرب ساخنة يعود إلى مدى التزام الجانب اليوناني بالقانون الدولي أو استمرار تصعيده ضد تركيا، معتمدا على دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتحريضهما؛ لأن المؤكد أن تركيا لن تتخلى عن حقوقها سواء في البحر الأبيض المتوسط أو في بحر إيجة بأي حال، كما أنها ستواصل حماية القبارصة الأتراك وحقوقهم في الجزيرة.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس