إسماعيل ياشا - عربي21

التقى رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة الماضي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية، واستمر اللقاء الذي ناقش فيه الزعيمان كافة الملفات المطروحة على الطاولة، أكثر من أربع ساعات. وتشير تصريحات أردوغان وبوتين، بالإضافة إلى ما عكس من القمة إلى وسائل الإعلام، أن الطرفين توصلا إلى اتفاق في بعض الملفات، فيما تستمر خلافاتهما في ملفات أخرى.

الملف السوري كان من أهم الملفات التي ناقشها الرئيسان التركي والروسي في سوتشي، بعد أن تعثر التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف في قمة طهران التي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران قبل ثلاثة أسابيع. ومن المؤكد أن هذا الملف هو من أبرز الملفات التي تختلف فيها وجهات نظر أنقرة وموسكو.

روسيا تقول إنها تتفهم مخاوف تركيا الأمنية المتعلقة بالشمال السوري، إلا أنها تسعى إلى التطبيع بين أنقرة ودمشق، وترى أن الطريق الأمثل لتبديد تلك المخاوف هو التعاون والتنسيق مع النظام السوري، وتتحفظ على العملية العسكرية المرتقبة التي يستعد الجيش التركي للقيام بها. ولكن التراجع عن تلك العملية أمر لا يمكن أن تقبله تركيا في الظروف الراهنة، كما جاء في الكلمة التي ألقاها أردوغان، الاثنين، خلال مشاركته في مؤتمر السفراء الأتراك الـــ13، حيث أكد فيها "عزم تركيا على الربط بين المناطق الآمنة في الشمال السوري قريبا".

تركيا تقدم شروطا لقبول التطبيع مع النظام السوري، بدلا من إغلاق الباب أمام المقترح الروسي. وأول تلك الشروط هو أن لا يعتبر النظام السوري المعارضة المعتدلة "إرهابيين"، وأن يتحرك لطرد عناصر حزب العمال الكردستاني من المناطق التي يسيطر عليها، كما صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو قبيل قمة سوتشي.

وذكرت صحيفة "تركيا" التركية في عددها الصادر أمس الثلاثاء، أن دولة خليجية وأخرى إسلامية من الدول الأفريقية تقومان بالوساطة بين أنقرة ودمشق، وأن جهود التطبيع وصلت إلى مرحلة تشكيل لجنة تتألف من خبراء يعرفون المنطقة جيدا، مضيفة أن أنقرة تطالب دمشق بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإعادة صكوك البيوت والأراضي والمحلات المصادرة إلى أصحابها السوريين المهجرين، بالإضافة إلى إعادة حقوقهم الأخرى بما فيها وظائفهم السابقة.

الحكومة التركية تخطط لخلق ظروف ملائمة لعودة نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل تطوعي، إلا أنها مهمة صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة، وتحتاج إلى إقامة مناطق آمنة، بعيدة عن نفوذ النظام السوري وحلفائه، لأن اللاجئين الهاربين من براميل النظام السوري المتفجرة ومجازر الشبيحة والمليشيات الشيعية وقصف القوات الروسية؛ لن يقبلوا العودة إلى أحضان النظام وحلفائه، كما أن شروط أنقرة للتطبيع شبه تعجيزية، وهي بمثابة إعادة معجون الأسنان إلى الأنبوب الذي خرج منه، وتبدو كمناورة لدفع الكرة إلى ملعب روسيا في المفاوضات.

الملف الاقتصادي كان من الملفات التي ناقشها الرئيسان التركي والروسي في قمة سوتشي. واتفق الطرفان على تعزيز التعاون في مختلف المجالات، كقطاعات المواصلات والتجارة والزراعة والصناعة والتمويل والسياحة والإنشاءات، إلا أن الأهم في هذا الملف هو الاتفاق على دفع تركيا جزءا كبيرا من فاتورة الغاز الذي تشتريه من روسيا بالروبل الروسي بدلا من الدولار الأمريكي. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى التخفيف من حاجة أنقرة إلى الدولار، وأن تساعدها في مواجهة ارتفاع سعره أمام الليرة التركية.

تركيا تسعى إلى توازن بين علاقاتها مع روسيا وعلاقاتها مع الغرب، لتحمي أمنها القومي ومصالحها العليا، وتستفيد من تلك العلاقات قدر المستطاع. وهذا أمر يزعج الدول الغربية التي تعودت أن ترى تركيا تدور في فلكها. وبالتالي، يطلق مسؤولون غربيون بين حين وآخر تصريحات يهددون فيها أنقرة بعواقب وخيمة وعقوبات إن واصلت تقاربها مع موسكو. إلا أن العلاقات التركية الغربية متشابكة، لدرجة أنه ليس من السهل أن تضحي بها الدول الأوروبية، خاصة في ظل الأزمات التي تعاني منها بسبب آثار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على موسكو.

الأهمية الجيوسياسية التي تملكها تركيا تجعل علاقات الدول الأوروبية معها "لا غنى عنها"، وهذا ما لفت إليه بوتين حين قال "إنه يجب على أوروبا أن تكون ممتنة لتركيا إزاء تدفق الغاز الطبيعي من روسيا إليها دون انقطاع"، في إشارة إلى خط أنابيب "السيل التركي". وهناك أنباء تفيد بأن عشرات من الشركات الأوروبية تسعى حاليا إلى تجاوز العقوبات وإيصال منتجاتها إلى السوق الروسية عبر تركيا. كما أن المسؤولين الغربيين الذين يعربون عن شكرهم لتركيا على جهودها في توقيع اتفاقية تصدير الحبوب وتطبيقها، يجب أن لا ينسوا أن تلك الاتفاقية هي ثمرة حفاظ أنقرة على علاقاتها مع موسكو إلى جانب علاقاتها مع كييف.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس