برهان الدين دوران - ديلي صباح

منذ انتخابات الشهر الماضي يتحدث الشعب التركي عن "تغيير" داخل حزب المعارضة الرئيسي. وبدأ أنصار الحزب ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بالفعل هذا النقاش.

وأصبح الجميع في دوائر حزب الشعب الجمهوري معجباً فجأةً بألبرت أينشتاين حيث استمروا في تذكير بعضهم البعض بكلمات الفيزيائي الراحل الشهيرة: "المجنون يفعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً ويتوقع نتائج مختلفة." أما الذين يعتقدون أن كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي لائتلاف المعارضة، الذي حصل على نسبة 48%، فما زالوا على وشك "إعدامه".

ومما زاد الطين بلة، أن هؤلاء الأشخاص يوجهون إحباط قاعدة "حزب الشعب الجمهوري" العميق وغضبهم إلى رئيسهم. وهم منذ زمن بعيد مستمرون بالقول إنهم "بحاجة إلى تقييم" وفي المقام الأول إلى استبدال زعيم الحزب. ولا يبدو أنهم يهتمون بأن كيليتشدار أوغلو قد أشرف على تغيير شامل أكثر من أي رئيس آخر لحزب الشعب الجمهوري. وبهذا المعنى، ليس لدى دعاة "تركيا بلا معارضة" ما يقولونه عن التغيير في مواجهة الأيديولوجيا والهوية والسياسة. وبالمثل، فإن أي شخص يتهم كيليتشدار أوغلو بأنه يفتقر إلى "السرد المشوق"، ليس لديه حجة بينة على قدرة الرجل على جذب غالبية الناخبين الأتراك.

فهل "إعادة ضبط المصنع" هو المفتاح؟

من أجل ديمقراطية تركيا، تحتاج المعارضة إلى التفكير فيما حدث. إذ لا يمكن اختزال هزيمتهم الأخيرة على أنها خسارة بسيطة ستستمر 5 سنوات فقط. لقد خسر حزب الشعب الجمهوري 16 انتخاباً ولا يزال في المعارضة منذ 26 عاماً. وفي كلتا الحالتين، تعرض لهزيمة ثقيلة.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر أهمية بلا إجابة: في أي اتجاه يجب أن يتغير "حزب الشعب الجمهوري"؟ حيث لا تكفي العبارات الغامضة مثل "يجب أن يُظهر حزب الشعب الجمهوري هويته الفريدة وقوته".

كما تتبادر إلى الذهن أسئلة أخرى، مثل:

هل يمكن لأي شخص أن يجادل في أن حزب المعارضة الرئيسي سيحصل على المزيد من الأصوات إذا كان سيعيد "إعدادات المصنع" مع سياسات الكمالية والعلمانية المتطرفة؟

ألم يقود كيليتشدار أوغلو حزبه لتشكيل "طاولة الستة" و"التحالف الكبير" من خلال اتخاذ خطوات اتُّهم من أجلها بجر الحزب إلى اليمين؟

ألم يؤدي تبني السياسات اليسارية والعلمانية المتطرفة على حساب "إجراء التعديلات" إلى تقويض تحالف حزب الشعب الجمهوري مع حزب الديمقراطية والتقدم وحزب السعادة وحزب المستقبل والحزب الديمقراطي؟

ألم يكن من المحتمل أن يؤدي الخطاب القومي التركي الذي تبناه حزب الشعب الجمهوري قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلى تنفير حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لتنظيم بي كي كي الإرهابي؟ أم أنه من المنطقي عدم التغيير على الإطلاق؟ هل يجب على حزب المعارضة الرئيسي إنشاء إطار شعبوي غامض وخالٍ من المحتوى، كما يريد إمام أوغلو؟

عدم وجود اتجاه واضح

من الممكن طرح المزيد من الأسئلة لأن الجميع يسلط الضوء على افتقار حزب الشعب الجمهوري لاتجاه واضح. والنقطة الحاسمة الأخرى هي أن الناخبين سيصوتون في الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2024 بناءً على أداء رؤساء البلديات، وهي قضية إشكالية للغاية بالنسبة للحزب. وإذا اعتقدت المعارضة أنها قادرة على تحويل الانتباه إلى الأيديولوجيا، فمن المهم أن نتذكر أن التحالف الحاكم أثبت أنه أكثر قدرة على مسار الحملة الانتخابية.

ويتعين على قيادة حزب الشعب الجمهوري أن تحلل غضب قاعدتها بأسلوب متعدد الأبعاد. ويسعى بعض المعلقين المؤيدين للمعارضة إلى تعبئة ناخبيهم من جديد من خلال اتهام حزب العدالة والتنمية الحاكم بتحويل تركيا إلى "دولة سياسية دينية" وسيزداد الوضع سوءاً إذا خسرت المعارضة الانتخابات البلدية. وكما يزعمون فإن "قرن تركيا" قد لا يشير إلى استمرار الجمهورية.

ومع ذلك، أفترض أن "آلام التغيير" لحزب المعارضة الرئيسي متجذرة بشكل أساسي في جوهر حزب الشعب الجمهوري ولا علاقة لها بخطة كيليتشدار أوغلو لتغيير الحركة. وبدلاً من ذلك، فهم يتسامحون مع ذلك فقط.

وإذا ما تم انتخاب زعيم جديد للحزب، فلن يكون عمله سهلاً. وعلاوة على ذلك، هناك فرق كبير بين الناخبين الأساسيين لحزب الشعب الجمهوري والمجموعات المختلفة التي أيدت الحزب كجزء من "التحالف" من حيث النظرة العالمية والهوية. وبسبب خسارة الانتخابات فقد صار الوضع فوضوياً بالكامل. بل إن كيلتشدار أوغلو قوض حجته الأصلية بضرورة الشراكة وإن كانت مجزأة، برسائل قومية للغاية. واليوم يجد حزب المعارضة الرئيسي نفسه في دوامة تغيير بدون إطار أو اتجاه.

اسمحوا لي فقط أن أنقل هنا تصريحات أردوغان بأنه لن يساعد حزب الشعب الجمهوري على إخراج نفسه من تلك الحفرة.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس