برهان الدين دوران - ديلي صباح

يعمل فيدان رئيس المخابرات التركي السابق، على تشكيل رؤية لسياسة تركيا الخارجية تعكس متطلبات البلاد وتسعى إلى مكانة عالمية متجددة، وتعرض الطموح دون مغامرات متهورة.

ألقى وزير الخارجية هاكان فيدان أكثر خطاباته شمولاً حول رؤيته للسياسة الخارجية الوطنية ودور وزارة الخارجية، في مؤتمر السفراء الرابع عشر. وشدد على أن النظام العالمي يعاني من "أزمات معقدة ومتعددة"، وسلط الضوء على الظلم والمخاطر والحاجة إلى التغيير. ومؤكداً أن تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، ستكون من بين الدول التي تشكل النظام الدولي الجديد، أضاف فيدان أن هدف السياسة الخارجية لرؤية "قرن تركيا" هو تحويلها إلى "لاعبٍ في بناء النظام العالمي".

ومن المؤكد أن تركيا لن تذهب باتجاه هذا التحول بمفردها، بل على العكس تماماً، ستعمل الدولة على تعزيز "تعددية جديدة وموجهة نحو الحلول" كما أوضح الرئيس أردوغان. ووفقاً لذلك، تهدف أنقرة إلى التعاون مع الآخرين لبناء نظام دولي شامل كما فعلت خلال جائحة كوفيد-19 وحرب أوكرانيا.

وحدد وزير الخارجية أثناء خطابه، أربعة أهداف استراتيجية هي: "تعزيز السلام والأمن في منطقتنا وهيكلة شؤوننا الخارجية وتحسين مناخ الرفاهية وتعزيز أهدافنا العالمية". ولتحقيق هذه الأهداف، من الضروري تنسيق الإجراءات ضمن مجموعة واسعة من المجالات وعلى رأسها الاقتصاد والدفاع والطاقة والاتصالات.

وتتماشى "رؤية السياسة الخارجية الوطنية" لفيدان، الذي لخص نهج تركيا تجاه مختلف المناطق والبلدان والقضايا، تماماً مع نهج أردوغان المتكامل للسياسة، ولتصور البيان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الحاكم لعام 2023.

وغني عن القول أن الحكومة التركية لديها أهداف واقعية ورؤية واضحة للسنوات الخمس المقبلة، وهي تبني هذه الرؤية على تجربتها في السياسة الخارجية التي امتدت لعقدين من الزمن. ومما لا شك فيه أن حرب أوكرانيا أججت حالة من عدم اليقين والعنف في النظام العالمي، بينما تعكس الانقلابات العسكرية في إفريقيا أيضاً تنافس القوى العظمى ويبدو أنها آخذة في الانتشار ومستمرة في الحدوث، فيما تواجه القوى العالمية والإقليمية أزمات وصراعات جديدة.

فهل تعكس رؤية فيدان احتياجات الأمة بالفعل؟

بعد أن لعب دوراً نشطاً في إدارة العديد من قضايا السياسة الخارجية كرئيس للاستخبارات التركية، تعكس رؤية فيدان للسياسة الخارجية الوطنية احتياجات البلاد والسعي وراء وضع دولي جديد. وقد تكون هذه الرؤية طموحة لكنها ليست حالة مغامرة ولا تنطوي على أي تهور. إنها تدعو لإضفاء الطابع المؤسسي والتكامل والمبادئ والتعددية والتعاون مع الأصدقاء والحلفاء.

ولدى تركيا توقعات واقعية حول حل وإدارة الأزمات المستمرة. كما أنها تدرك تماماً المخاطر التي تنطوي عليها المشكلات الأمنية. وبطبيعة الحال، تحتاج تركيا إلى تحسين التنسيق والقدرة بشكل كبير على جعل رؤية سياستها الخارجية الوطنية، حقيقة واقعة. وبهذا المعنى، فإن القيادة النشطة للرئيس أردوغان وخبرته تمثل أهم مزايا البلاد.

ولجعل رؤية "قرن تركيا" حقيقة واقعة، يلخص فيدان دور وزارة الخارجية في ثلاث مجالات: متابعة العلاقات الخارجية وجميع أبعادها، وتطوير المواقف بشأن المشاكل الحالية والفرص الاستراتيجية، وضمان التنسيق بين الوزارات والهيئات التابعة لها.

وستجبر هذه المهام الثلاث الدبلوماسيين الأتراك على أن يكونوا أكثر نشاطاً وإنتاجية، وبهذا المعنى كان مؤتمر السفراء الرابع عشر فرصةً حقيقية لإجراء مراجعة شاملة لجدول الأعمال الجديد.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!