محمد حقي صوتشين - العربي الجديد

تجسّدتِ العلاقة بين الأدب التركي والأدب العربي في الشعر العثماني الذي نُسمّيه "الأدب الديواني". وعلى الرغم من الاختلافات، يُمكن القول إن العرب والإيرانيّين والأتراك يعيشون على أرضية مُشتركة في الأدب والشعر الكلاسيكيَّين. اللغة التركية، التي كانت لُغة محكيّة في الحياة اليومية، ولم تكُن مستخدمةً في مجال الأدب، أصبحت أكثر ثراءً بفضل أخْذِها مُفردات من اللُّغتين العربية والفارسية. يُمكننا مقارنتها بامرأة فقيرة وفخورة ترغب في أن تتزيَّن بمجوهرات أجنبية، لكنها أيضًا تُحافِظ بعناية على زيِّها المُتواضِع الذي يُعتبر جزءًا من شخصيّتها.

تجسّدتِ العلاقة بين الأدب التركي والأدب العربي في الشعر العثماني الذي نُسمّيه "الأدب الديواني". وعلى الرغم من الاختلافات، يُمكن القول إن العرب والإيرانيّين والأتراك يعيشون على أرضية مُشتركة في الأدب والشعر الكلاسيكيَّين. اللغة التركية، التي كانت لُغة محكيّة في الحياة اليومية، ولم تكُن مستخدمةً في مجال الأدب، أصبحت أكثر ثراءً بفضل أخْذِها مُفردات من اللُّغتين العربية والفارسية. يُمكننا مقارنتها بامرأة فقيرة وفخورة ترغب في أن تتزيَّن بمجوهرات أجنبية، لكنها أيضًا تُحافِظ بعناية على زيِّها المُتواضِع الذي يُعتبر جزءًا من شخصيّتها.

يتغذّى الشعر الديواني العثماني من مصادر مختلفة، منها: القرآن الكريم والحديث الشريف وقصص الأنبياء والأولياء والتصوّف و"الشاهنامة" وغيرها من مصادر تركية محلّية. يُمكن أن نجد في "الشعر الديواني" مُقتطفات أو تلميحات من آيات مكّيّة أو مَدَنيّة، أو مقتطفات من الأحاديث الشريفة بأصلها العربي أو بترجمتها التركية.

أمّا القصص التي تردُ في الشعر الديواني، فهي مقتبسةٌ عمومًا من تفاسير القرآن الكريم، ومن هنا وُلد نوع جديد من الشعر الكلاسيكي وهو "قصص الأنبياء". ومن القصص الأكثر استخدامًا: قصةُ سيدنا آدم وطرده من الجنة، وقصة طوفان نوح وسفينته، وصِراعُ موسى مع فرعون، ورحلته إلى جبل طور، وصبر أيوب، والعرش الطائر لسليمان وخاتمه، ومناقب بلقيس، والهدهد، والنمل، ومغامرات زُليخة التي وقعت في حبّ يوسف، وقصة يونس مع الحوت الذي ابتلعه، وصعود يسوع إلى السماء وغيرها من قصص وحكايات.

كما تطوّر الفكر الصوفي في الشعر الديواني، كردِّ فعلٍ ضدّ الشكلية والدوغمائية في النظرة إلى الدِّين والخالق والإنسان والطبيعة، بوصفه تجربة فردية ترتبط بالقلب أكثر من ارتباطه بالعقل، وباعتباره رحلة حُبٍّ مستمرّة نحو الذات الإلهية. وهكذا يُحاول الشعر العثماني التحرُّر من تأثير الشعر الإيراني حيث نلاحظ ذلك عند شعراء ليسوا قليلين، على رأسهم الشاعر نَديم، الذي أُشبّهُه، إلى حدٍّ ما، بأبي نُواس.

وقد تمّت في الشعر العثماني إعادةُ كتابةِ بعضِ الموضوعات أو القصص التقليدية. على سبيل المثال قصةُ "مجنون ليلى" أعاد كتابتَها بالفارسية كلٌّ من الشاعر نِظامي غَنْجوي، وأمير خُسْرَو دَهْلَوي، وعبد الرحمن جامي، وهاتفي. أما في الأدب التركي الكلاسيكي، فنرى أزْيَدَ من عشرين نسخةً من قصصٍ تحت عنوان "ليلى ومجنون"، أشهرُها لثلاثةِ شعراءَ معروفين، وهُم: الشاهِدي بالتركية العثمانية، وعلي شير نَوائي بالتركية الجاغاتائية، والشاعر فُضولي بالتركية الآذرية.

يتميّز ديوانُ "ليلى ومجنون" للشاهِدي بتعمُّقه في الجانب الصوفي للقصّة، وإعطائه تفاصيلَ أكثرَ مقارنةً بالنُسَخ السابقة. كما يتميّز ديوانُ علي شير نَوائي بالسرد الحيّ للقصة ولغتها المتينة. أما قصّةُ الشاعر فُضولي فهي تُحفة في اللغة التركية بجمال أسلوبها، وحميميّتها، ومقاربتها للجانب الصوفي للقصة، حيث تبدو القصة كأنها أُبدعتْ باللغة التركية للمرّة الأُولى. هذه القصة المشتركة في الأدب العربي والفارسي والتركي، وُلدتْ في صحراء نَجْد باعتبارها قصّة حقيقية باللغة العربية، لتنتشر منها إلى بغداد وخُراسان ومناطقَ إسلامية عديدة، لتتحوّل إلى قصّةٍ صُوفيّة بلُغاتٍ إسلامية أُخرى.

يجب ألا ننسى أنّ الذين أرسَوْا قواعد الشعر التركي عامةً، قَرَضُوا شعرًا وكتبوا نثرًا باللغات الثلاث: العربية والفارسية والتركية، لذلك كانت الحصيلةُ اللغويةُ لهذه اللغات الثلاث متداخلةً في حُلّةِ التركية الإسطنبولية.


** أكاديمي ومترجم تركي، أستاذ اللغة العربية في "جامعة غازي" في أنقرة

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!