عبد الله مراد أوغلو - يني شفق

يكرر الرئيس الأمريكي جو بايدن قوله إن العالم يشهد صراعًا بين "الديمقراطية" و"الأنظمة الاستبدادية" بشكل مستمر، ويُعبر عن هذا التمييز أيضًا باسم "الديمقراطيات التكنولوجية" و"الأنظمة الاستبدادية التكنولوجية"، تستخدم إدارة بايدن هذا الخطاب لتغطية "صراع القوى العظمى" بين الولايات المتحدة والصين ولكن يسقط هذا القناع عند اتخاذ أول إجراء وتنكشف الحقيقة.

تحاول الولايات المتحدة بناء "تحالف عالمي" ضد الصين وإن العديد من الدول التي يريد بايدن رؤيتها في "الصف الأمريكي" هي في الحقيقة من هذه " الأنظمة الاستبدادية" التي يتحدث عنها دائمًا، ومن ناحية أخرى بدأت العديد من الدول التي كانت حليفة للولايات المتحدة في السابق بالاقتراب من صف الصين، مما دفع إدارة بايدن إلى التحول من "الخطاب" إلى "الإجراءات" لتغيير وجهة هذه الدول نحو الولايات المتحدة بأي ثمن كان.

كما أن "الخوف من الصين" دفع بايدن إلى الإعلان في قمة "مجموعة العشرين" عن مشاريع البنية التحتية لـ "ممر اقتصادي" يربط الهند بأوروبا، من المفترض أن تربط هذه المشاريع الهند والخليج وأوروبا بالسكك الحديدية وخطوط الشحن وخطوط الطاقة وكابلات البيانات عالية السرعة، وتشمل خطة بايدن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل وستكون الأخيرة من خلال موانئها في البحر الأبيض المتوسط ملتقى طريق رئيسي في الممر الممتد إلى أوروبا.

تخطط الولايات المتحدة لتعطيل مشروع "الحزام والطريق" الذي أطلقت الصين مبادرة لإنشائه ووضع البلدان التي تشارك فيه في مأزق، يربط مشروع "الحزام والطريق" الصين بأوروبا عبر روسيا، فيما تعرقل "الحرب الروسية الأوكرانية" الحلقة الأكثر أهمية في هذا المشروع، ويلخص المحللون استراتيجية الولايات المتحدة في هذه الحرب على النحو التالي: "لن نسمح لروسيا بالفوز ولن ندع أوكرانيا تخسر" أي باختصار "سنجعل الحرب تستمر قدر الإمكان" إذ يُتوقع أن تؤدي إطالة أمد الحرب إلى إضعاف روسيا وإبطال فعالية مشروع "الحزام والطريق".

أنهيت مقالتي يوم الأحد بالقول: "إن توجه بايدن اليوم من نيودلهي إلى فيتنام -عدوته القديمة- يتعلق باستراتيجية "محاصرة" عدوه الجديد الصين في آسيا والمحيط الهادئ". كانت زيارة فيتنام تطورًا آخر كشف خداع خطاب "الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية".

التقى بايدن في "هانوي" مع قادة "الحزب الشيوعي" الحاكم في فيتنام، لقد قاتلت الولايات المتحدة ضد قوات هذا الحزب في فيتنام من قبل، يمكن وصف العلاقات الجديدة بين الولايات المتحدة وفيتنام بـ "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" وقد منحت فيتنام هذا الوضع أيضًا لكل من الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية.

تحاول فيتنام تجنب إفساد علاقتها مع الصين لكنها لا تريد أيضًا رفض المكاسب التي تقدمها الولايات المتحدة، تطورت التجارة بين فيتنام والولايات المتحدة بشكل كبير في غضون بضع سنوات ويمكن إرجاع ذلك إلى أن فيتنام تمتلك ثاني أكبر احتياطي بعد الصين للمعادن النادرة في العالم والتي تستخدم في إنتاج الأجهزة عالية التقنية مثل "بطاريات السيارات الكهربائية" و"الهواتف الذكية" و"الرقائق"، وتبحث الولايات المتحدة عن خيارات بديلة عن الصين في تأمين أشباه الموصلات ولذلك تعتبر فيتنام مهمة جدًا للولايات المتحدة.

من ناحية أخرى تعد روسيا أكبر مورد للأسلحة لفيتنام، وهناك شائعات تفيد بأن هناك مفاوضات جارية بين فيتنام وروسيا بشأن صفقة أسلحة جديدة، وتحاول إدارة بايدن التدخل في هذ الصدد كمورّد جديد لفيتنام بدلًا من منعها من الاستيراد من روسيا بشكل مباشر.

يبدو أن بكين التي بدت غير مبالية بـ "قمة مجموعة العشرين" في نيودلهي، تولي اهتمامًا كبيرًا بزيارة بايدن إلى فيتنام، وبدورها تدعي فيتنام أن الشراكة مع الولايات المتحدة ليست ضد الصين كما تستخدم إدارة بايدن لغة مماثلة، تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لكل من الولايات المتحدة وفيتنام إلا أن فيتنام ترغب في توسيع العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة أيضًا، أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن هذه العلاقات ليست مجرد علاقات تجارية بل هي متعلقة بالصين بشكل كامل.

تحذر بكين فيتنام لتجنب أن تكون شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تهدف إلى الضغط على الصين، ويؤكد خبراء صينيون على أن فيتنام لن تصير كما تريدها الولايات المتحدة أن تكون "سلاحًا موجهًا" نحو الصين فهي لا تريد ولا يمكنها أن تكون كذلك، من جانبها تدعي إدارة بايدن أن مبادراتها تجاه الدول التي تحاول التحالف مع بكين ليست بهدف عرقلة نهضة الصين الاقتصادية، في حين تدرك تلك الدول جيدًا أن ما يدفع الولايات المتحدة إلى ذلك ليس إلا "خوفها من الصين"، أما الهدف الرئيسي لتلك الدول فهو تحقيق التوازن بين القوى العظمى واكتساب القوة وما عدا ذلك يعتبر بمثابة المشاركة في "حفلة تنكرية" إن صح التعبير.

وفي الوقت الذي يتم فيه إنشاء "لجنة مراقبة الحزب الشيوعي الصيني" في الكونغرس الأمريكي نرى بايدن يتعاون مع "الحزب الشيوعي الفيتنامي"، لم تتوقف الصين عن العمل والتطور منذ العقد الماضي في حين تكتفي الولايات المتحدة باتخاذ تدابير يمكن اعتبارها كردة فعل والتخبط في حالة ذعر.

عن الكاتب

عبد الله مراد أوغلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس