أخبار تركيا

بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ستصبح كل قضايا البرلمان التركي محل انظار المراقبين والمحللين السياسيين في الداخل والخارج، فلم تعد القضايا المصيرية في البرلمان التركي تدار في الغرف المغلقة للحزب الحاكم، ونما تدار داخل قاعات البرلمان ومن التحالفات بين الكتل الحزبية وليس من الأغلبية البرلمانية للحزب الحاكم كالسابق، واصبح التآلف الحزبي ليس حصراً على تشكيل الحكومة التركية، وإنما بدرجات اكبر او أصغر على تحالفات الأحزاب الحاكمة والمعارضة في البرلمان قبل تشكيل الحكومة وبعدها، واولى هذه القضايا التي لا بد ان تدخلها التحالفات الحزبية هي رئاسة البرلمان التركي، فالأحزاب السياسية الأربعة المشاركة في البرلمان التركي تطمح أن تأخذ منصب الرئاسة، ولكن لن يستطيع أحد الأحزاب أخذه إلا ضمن تحالفات حزبية مسبقة، وإلا فإنه سيكون من نصيب مرشح حزب العدالة والتنمية كما سيأتي.

بداية لا بد من معرفة ان منصب رئيس البرلمان ذو أهمية بالغة في الدستور التركي، فرئيس البرلمان، سيكون فضلاً عن رئاسته لكل جلسات البرلمان التركي، سيكون ممثلاً قانونيا عن رئيس الوزراء في حالة خلو المنصب من رئيس الوزراء، وبالأخص في المراحل والمهل القانونية لتشيكل الحكومات، والأهم من ذلك ان رئيس البرلمان التركي يأخذ منصب رئيس الجمهورية في حالة خلو المنصب الرئاسي من رئيس الجمهورية لأي سبب قانوني منها الوفاة أو العزل أو الاغتيال أو غيره، فرئيس البرلمان في تركيا هو الدولة التركية في الحالات الاضطرارية، ولذلك تسعى الأحزاب التركية لتولي هذا المنصب الرئاسي لخلق توازن بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة في الحكومات الائتلافية ذات الأنظمة البرلمانية.

تنص المادة العاشرة من الدستور التركي ان مرشحي رئاسة البرلمان يتم من خلال النواب أنفسهم، وليس من الأحزاب السياسية في السلطة او المعارضة، ولكن جرت العادة ان يكون المرشحون بتسمية من الأحزاب دون اعتراض من أحد من الأحزاب الأخرى، لن الترشيح من الناحية الفعلية يكون من قيادة الحزب، حتى لو تم من خلال نواب الحزب في البرلمان لتحقيق نص القانون التركي ولو شكلياً، وقبل انعقاد الجلسة المقررة لذلك يوم الثلاثاء بتاريخ 30/6/2015 فقد أعلن كل الأحزاب التركية أسماء مرشحيها للبرلمان وهم:

المرشح الأول: مرشح حزب العدالة والتنمية وهو عصمت يلماز.

المرشح الثاني: مرشح حزب الشعب الجمهوري وهو دانيز بايكال.

المرشح الثالث: مرشح حزب الحركة القومية وهو كمال الدين احسان اغلو.

المرشح الرابع: مرشح حزب الشعوب الديمقراطي وهو دنغير مير محمد فرات.

وبحسب القانوني التركي فإن انتخاب رئيس البرلمان يمكن ان يمر بأربع مراحل واربع جلسات برلمانية، قد يحسم أمر الرئيس في الجلسة الأولى أو الثانية أو الثالثة وإلا فالرابعة حتماً والأخيرة، وبحسب النسب التي تحتلها كل حزب وهي:

258 نائب لحزب العدالة والتنمية، و132 نائبا لحزب الشعب الجمهوري، و80 نائب لحزب الحركة القومية، و80 نائب لحزب ديمقراطية الشعوب، فإن تحالف الأحزاب الثلاثة تملك مجموع 292 نائباً، أي كتلة برلمانية أكبر من كتلة حزب العدالة والتنمية منفرداً، وهذه الكتلة أكبر من نسبة الأغلبية التي تقدر ب 276نائباً، ولكنها أقل من ثلثي البرلمان وهي 367، حيث إن مجموع نواب البرلمان هو 550 نائب.

 في الجلسة الأولى يحتاج فوز الرئيس إلى أغلبية ثلثي الأصوات، اي بحصوله على 367 صوت، وبحسب التوقعات فلن يتمكن أحد المرشحين الحصول على هذا العدد، ولذلك سوف يتم تعين جلسة ثانية في نفس اليوم، وفي الجلسة الثانية يحتاج المرشح للرئاسة إلى نفس النسبة وهي ثلثي اعضاء المجلس، وفي الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس المجلس يحتاج الرئيس إلى أغلبية مجلس النواب وذلك بحصوله على 276 صوتاً، اي نسبة 51%، وفي هذه الجلسة الثالثة من الممكن ان تتحالف احزاب المعارضة الحالية ضد مرشح حزب العدالة والتنمية واختيار الرئيس، وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فإن الفرصة الأخيرة والرابعة هي حصول أعلى مرشحين في الدروة الثالثة على اعلى الأصوات من النواب الحضور في الجلسة الرابعة، وفي هذه الحالة وفي حالات وجود تناقض بين احزاب المعارضة فإن الفرصة الأعلى ستكون من نصيب مرشح حزب العدالة والتنمية، لأن حزب العدالة والتنمية يملك أكبر كتلة برلمانية تقدر 258 صوتا.          

على صعيد حزب العدالة والتنمية أعلن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أن مرشح حزب العدالة والتنمية لمنصب رئيس مجلس الأمة التركي هو نائب الحزب من محافظة سيفاس عصمت يلماز، وذكر رئيس الوزراء داود أوغلو أنه في نتيجة المشاورات التي جرت خلال الاجتماع تقرر ترشيح عصمت يلماز لرئاسة مجلس الأمة، وقال داود أوغلو :” إن موضوع رئاسة مجلس الأمة لا يعتبر جزءً من المباحثات المتعلقة بتشكيل الحكومة الائتلافية”، وقال:” إن مباحثات تشكيل الحكومة الائتلافية ستبدأ بعد انتخاب رئيس مجلس الأمة وتشكيل رئاسة ديوان المجلس وأعقاب تكليفي بهذه المهمة من قبل رئيس الجمهورية”، وهذا أول إعلان من داود أغلو بتوقعه إعلان تكليفه بتشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس مجلس البرلمان التركي.

من العلامات المميزة لهذا البرلمان التركي أنه اكثر البرلمانات التركية تنوعاً منذ عقود، فبعد البرلمان الأول الذي عقد بعد ألغاء مجلس المبعوثان التركي كان البرلمان التركي يمثل كل القوميات والاثنيات والعرقيات والمذاهب في تركيا، وكان ذلك امتدادا للتنوع الموجود في مجلس المبعوثان، ولكن بعد ان تولى اتاتورك شؤون هذا المجلس أصبح اعضاء المجلس يمثلون لوناً واحداً من مكونات الشعب التركي وهويته الفكرية، وبقي الحال كذلك تقريباً لعقد سابق فقط، ومع هذا المجلس ظهر التنوع الثقافي والديني والقومي للشعب التركي في هذا المجلس، فدخله الأكراد بصفتهم الحزبية ودخله الأرمن لأول مرة، ودخله إحدى وعشرين امرأة تركية محجبة، كانت إحداهن كاتبة على يمن رئيس المجلس المؤقت في جلسة القسم، وكان الكاتب الثاني ابن شقيق عبدالله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني، هذا التنوع الرائع هو من نتائج سياسة حزب العدالة والتنمية في دعم الديمقراطية والانفتاح الاجتماعي وعملية السلام.

وكما أبدا الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية استعداده لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزبين من الأحزاب البرلمانية وهما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، واستبعدوا التحالف مع حزب ديمقراطية الشعوب، فإن من الممكن أن يكون ذلك مقدمة على تفاهم متعلق برئاسة المجلس أولاً، ورئاسة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية ثانياً، ولذلك يمكن اعتبار جلسة انتخاب رئيس البرلمان مؤشرا على طبيعة التفاهمات السياسية بين الأحزاب التركية في إدارة الساحة السياسية.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس