ترك برس

مع اقتراب موعد انطلاق الانتخابات المحلية في تركيا، يواصل المقيمون العرب تصدّرهم المشهد كأحد أبرز أوراق أحزاب المعارضة للضغط على الحكومة، في حين أن هذه الأحزاب نفسها تسعى لنيل أصوات المجنّسين منهم عبر التواصل معهم تحت عباءة "تقديم مساعدات رمضانية"، كما هو الحال مع بلدية إسطنبول التابعة للمعارضة التي راحت تتواصل مع المجنسين العرب بهذه الطريقة ولهذا الغرض.

ورغم كونها انتخابات محلية في تركيا، ومعركة حاسمة بين الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وبين أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري وهو أكبر حزب معارض في البلاد، فإن العرب المقيمين في تركيا يترقبون باهتمام نتائج هذه الانتخابات التي لا شك ستؤثر فيهم.

ولا تزال الأحزاب المعارضة في تركيا تستخدم ورقة العرب والمهاجرين لجذب أصوات المواطنين الأتراك، محاوِلةً تحميل المهاجرين مشاكل البلاد ولا سيما الاقتصادية.

وبشأن تأثير هذه الانتخابات المحلية في الجالية العربية بتركيا، قالت الصحفية السورية رغد شماط إن “الانتخابات المحلية في تركيا لها تأثير بشكل مباشر في العرب الذي قدموا إلى تركيا خلال الـ15 عاما الأخيرة؛ لأن البلدية مسؤولة عن قطاع الخدمات وبإمكانها تيسير أو تعقيد المعاملات اليومية على الأجانب”، بحسب تقرير لـ "الجزيرة مباشر".

وضربت رغد مثالا لذلك فقالت إنه “منذ تولّي حزب الشعب الجمهوري بلدية إسطنبول الكبرى أصبحت الكثير من المنشآت والأبنية مغلقة عن الأجانب ويواجهون صعوبة في تأمين قاعات كانت متاحة لهم في عهد العدالة والتنمية”.

في المقابل، يرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، تراجع استخدام العنصر العربي والمهاجرين بشكل كبير في الانتخابات مقارنة بما حدث في انتخابات رئاسة الجمهورية بسبب أنه لم يعد ورقة رابحة بالنسبة للمعارضة التي راهنت عليه في الانتخابات الماضية ولم تحقق أهدافها.

وأشار علوش أيضا إلى أن هناك تأثيرا محدودا لنتائج هذه الانتخابات على الأجانب، قائلا: “رغم أنه تم التركيز على ما يهم الناخب التركي مثل الاقتصاد والخدمات المحلية، إلا أنه سيبقى هناك تأثير على الجالية العربية بشكل عام والسوريين بشكل خاص، ولكن سيكون بشكل محدود”.

وتابع: “على سبيل المثال إذا استطاعت المعارضة أن تفوز برئاسة البلديات التي فيها نسبة كبيرة من العرب واللاجئين السوريين سيكون لها ارتدادات عليهم بشكل سلبي لكن لا أعتقد أنه سيكون لها تأثير كبير على الوجود العربي بتركيا”.

تناقضات بين حزب إسلامي وآخر علماني

تناقضات أخرى تم رصدها في مواقف أحزاب المعارضة تجاه العرب، حيث قال الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو: “هناك تناقضات كبيرة بين مبادئ الأحزاب والسياسة التي تتبعها خلال الحملات الانتخابية، فمثلًا مرشح حزب الرفاه من جديد لبلدية الفاتح (خالد أوزكاراتاشلي أوغلو) نشر فيديو مسيئًا يتعهد فيه بطرد اللاجئين ووضعهم في صناديق وإرسالهم إلى بلدانهم، وبعد ذلك اعتذر الحزب وحذف الفيديو”.

واستدرك: “بينما عبد الكريم آدم مرشح بلدية ماردين عن حزب الشعب الجمهوري المعروف موقفه اتجاه العرب، نشر فيديو يتحدث فيه باللغة العربية ويدعو المواطنين إلى دعمه لحل المشاكل المتراكمة منذ 25 عاما، هناك تناقض كبير في كل المواقف لكنه يتوافق مع الحالة التي ولدتها التغيرات الأخيرة التي شهدتها البلاد”.

تأثير حرب غزة في الانتخابات المحلية

حرب غزة لم تغب أيضا عن دعاية المرشحين في الانتخابات المحلية بتركيا، حيث يؤكد الباحث التركي، طه عودة أوغلو، أن حرب غزة كانت حاضرة بقوة خاصة من قبل الرئيس.

وأضاف أن “موقف أردوغان كان واضحًا منذ البداية ولا يخلو حديثه من ذكر المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وكذلك رئيس حزب الحركة القومية الذي هاجم إسرائيل مرارًا وطالب من قبل بتدخل تركي قوي في غزة”.

أما عن موقف المعارضة من غزة فأوضح أوغلو، أنها استخدمت حرب غزة ضد الحزب الحاكم خاصة فيما يتعلق باستمرار التعاون التجاري مع الاحتلال رغم المجازر وتوسع رقعة المجاعة بغزة، مشيرًا إلى موقف رئيس حزب المستقبل التركي أحمد داود أوغلو، الذي خاطب رئيس الجمهورية بشأن السفن المتوجهة إلى إسرائيل من موانئ تركية.

وهذا ما أكده الباحث في الشأن التركي، محمود علوش قائلا: “وصفت أحزاب المعارضة الموقف الحكومي بالمتخاذل الضعيف لإدانة العدوان الإسرائيلي، وعلى الجانب الآخر هناك خطاب أردوغان ذو السقف العالي كمحاولة لاستقطاب الأصوات المحافظة”.

ويعتقد علوش، أن تأثير ملف غرة في الناخب التركي سيكون محدودًا، وأن ما سيؤثر في سلوكه بالدرجة الأولى هو عوامل محلية كالاقتصاد والخدمات المحلية.

لكن الصحفية السورية رغد الشماط اختلفت معهما في ذلك، إذ رأت أن السياسة الخارجية للدولة لا تؤثر في خيارات الناخبين في الانتخابات المحلية، قائلة: “قد يرجح بعض الأتراك الغاضبين مما يرونه تقاعسًا حكوميًّا عن اتخاذ خطوات جادة لنصرة غزة أو وقف التجارة مع الاحتلال، قد يرجحون التصويت لأحزاب أكثر تفاعلًا مع قضية غزة مثل حزب السعادة أو الرفاه من جديد، أو الامتناع عن المشاركة، لكنها تبقى نسبة قليل”.

ومع ذلك أكدت رغد أن قضية غزة حاضرة في الفعاليات واللقاءات الرمضانية التي تنظمها البلديات وخاصة بلديات العدالة والتنمية، مشيرة إلى أن تلك الفعاليات تحوّلت إلى مهرجانات انتخابية يومية.

الانتخابات المحلية في تركيا

وتتجه تركيا لإجراء انتخابات محلية في 31 مارس/ آذار 2024، بعد أقل من عام على انتخابات برلمانية ورئاسية أجريت في آن واحد، ووصفت بـ "التاريخية" لكونها تتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، وانتهت بفوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة بعد تحقيقه الفوز من جديد على منافسه، زعيم المعارضة السابق كمال كلجدار أوغلو.

وتخوض الأحزاب التركية الانتخابات المحلية المقبلة إما بشكل مستقل أو ضمن تحالفات يبرز منها تحالف "الجمهور" بزعامة الرئيس أردوغان والذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، فيما يخوض حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا، الانتخابات دون أي تحالف علني، مع وجود تحالفات محلية (غير معلنة) في بعض الولايات والأقضية مع أحزاب مختلفة أبرزها حزب المساواة الشعبية والديمقراطية (DEM) ذو التوجه الكردي.

ويضع تحالف "الجمهور" نصب عينيه في هذه الانتخابات استعادة بلديات مدن كبرى أبرزها العاصمة أنقرة وإسطنبول، من المعارضة التي تعاني من خلافات سواء بين صفوف الحزب الواحد أو على صعيد الأحزاب التي كانت تشكل تحالف "الطاولة السداسية" في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.

وكما هو الحال في الانتخابات الأخيرة، لجأت الأحزاب المعارضة خلال حملتها الحالية أيضاً إلى استخدام ملف اللاجئين والمهاجرين كورقة ضغط للحكومة أمام الناخبين، حيث بدأت تروج لمزاعم تتهم الحكومة بتقديم تسهيلات مبالغة للاجئين وخاصة السوريين منهم، فيما لم يتردد أكثر من مرشح عن أحزاب المعارضة في التعهّد بالتضييق على اللاجئين والأجانب عامة والعرب على وجه الخصوص، في حال فوزه بالانتخابات.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!