طه كلينتش - يني شفق

لطالما كان الأدب بالنسبة لي نافذة إلى عوالم جديدة، فقد كان تأثير الكُتَّاب الكبار علي أكثر من مجرد إعجاب بأسلوبهم الأدبي، حيث اصطحبوني إلى أماكن لم أستطع الذهاب إليها، فرغم أنني لم أزر القاهرة، لكنني تجولت في أزقتها الخلفية من خلال قلم نجيب محفوظ. وتعلمت ثقافة الشعب القيرغيزي، وجلست على موائدهم ورأيت حياتهم عن كثب بفضل جنكيز أيتماتوف، وفي إحدى رحلاتي الأدبية واجهت حقيقة مؤلمة، فرغم قرب فلسطين وشعبها منا، إلا أنني لم أكن أعرف سوى القليل عن الأدب الفلسطيني. فلسطين تلك العائلة الكبيرة التي تضم الكثير من الأفراد في العالم، فلسطين التي تحتل مكانة كبيرة في القلب، تلك الأرض العريقة لبساتين البرتقال وأشجار الزيتون. ولكي تعرف شعباً ما عليك أن تعرف أدبه، لذلك دفعتني محدودية معرفتي بالأدب الفلسطيني إلى خوض هذه الرحلة، فبدأتها بخطة وثائقية مكونة من خمسة أجزاء، وبدأت أولاً بكتابة النصوص الوثائقية، ثم أخذت في تعميق الكتاب، وبعد حوالي ثلاث سنوات من العمل، انتهيت من تأليف الكتاب.

وفي برنامج أجراه صديقي "ريها أرمومكو" مع "بيرين بيرسايجيلي موت" مؤلفة كتابي "بين أشجار الزيتون" و"القلم والبندقية" ـ اللذين لا أفارقهما في الآونة الأخيرة ـ روت بيرين كيف بدأت في البحث عن الأدب الفلسطيني وقراءته. في الواقع أدركت جيدًا مدى أهمية عمل الكاتبة بيربن عندما قرأت كتابيها، حيث ضمنتهما صورًا حية ومذهلة عن فلسطين، ولسبب ما لم تترجم مشاعر وأحاسيس الشعب الفلسطيني إلى اللغة التركية بالقدر الكافي حتى الآن، لكن أعمال الكاتبة بيرين التي نشرتها "دار الفارابي" من شأنها أن تسد هذه الفجوة، فهي أعمال مهمة جداً وعميقة.

أما الكتاب الأول، "بين أشجار الزيتون" فيركز على خمسة أسماء مهمة في الأدب الفلسطيني الحديث: غسان كنفاني، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وناجي العلي، وفدوى طوقان.

وبينما تتقدم بين الصفحات، تتعرف أولاً على قصة غسان كنفاني، الذي قُتل في عملية اغتيال في بيروت عن عمر يناهز 36 عامًا. كان كنفاني ـ المعروف بلقب "المقاتل الذي لم يطلق رصاصةً أبدًا"، لقوة تأثير قلمه، قصة حياة تجسد مأساة الفلسطينيين من جميع الجوانب.

وأما محمود درويش الذي اشتهر في بلادنا أيضًا بسبب العديد من قصائده المترجمة إلى التركية، فلم يذكر في الكتاب كشاعر فحسب، بل كناشط وسياسي أيضاً.

وسميح القاسم الذي حُفر اسمه في ذاكرة الفلسطينيين بلقب "شاعر الانتفاضة" منذ عام 1987، وقد أمضى سنوات عديدة بين عرب إسرائيليين المعروفين بـ "عرب 1948". ومن هذه الناحية تحتل قصته مكانًا خاصًا بين الشخصيات الأخرى في الكتاب.

وناجي العلي الذي يعد الاسم الأكثر شهرة بين التراجم التي ضمنتها الكاتبة بيرين في الكتاب، وذلك بسبب شخصية "حنظلة" الرمزية والتي أهداها للمقاومة الفلسطينية. ونرى في الكتاب أنه بالإضافة إلى جانبه الفني، تم تسليط الضوء على صفاته كفنان مقاوم وأديب.

وأخيرًا، تقدم لنا فدوى طوقان، ابنة عائلة نابلس الشهيرة التي أنتجت العديد من السياسيين على الساحة السياسية الأردنية من خلال قصة حياتها، أدلة على صفحات مهمة من تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

وأما الكتاب الثاني "القلم والبندقية" فيحتوي على سير حياة عدد من الفلسطينيين الذين ناضلوا بشكل نشط خلال "الثورة الفلسطينية الكبرى" التي اندلعت بين عامي 1936 و1939، وهم: الشاعر الأديب إبراهيم طوقان أخو فدوى طوقان، ونوح إبراهيم أحد رفقاء الشيخ عز الدين القسام المقربين، والشاعر العذب من طولكرم عبد الرحيم محمود الذي كتب إحدى أقدم القصائد التي قيلت في المسجد الأقصى، وخليل بيدس خطيب ثورة النبي موسى الشهيرة عام 1920، وزليخة الشهابي، أول امرأة يتم ترحيلها من فلسطين، وخليل السكاكيني أحد أهم رموز الحياة التعليمية الفلسطينية، محمد عزة دروزة المفكر والمعلق الفلسطيني الذي نُشرت مذكراته أيضًا باللغة التركية. و أسمى طوبي الصوت المؤثر في إذاعة القدس.

عند قراءتك لكتابي "بين أشجار الزيتون" و"قلم وبندقية" ستحظى بفرصة فريدة للتعرف على فلسطين بعمق وبأسلوب متقن وجذاب.

وقد كتبت الكاتبة بيرين مؤخرًا سيرة ذاتية شاملة ومتعددة الأبعاد لعز الدين القسام، أعتقد أنها ستصدر قريبًا للقراء، وأنا متحمس جدًا لقراءتها قريبًا.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس