طه كلينتش - يني شفق

في رحاب شهر رمضان المبارك، حيث تتجلى مشاعر التعاون والعطاء، أودّ أن أتوجه بدعوة للمسلمين الميسورين

أيها المسلمون الأغنياء، افتحوا آفاقكم قبل أن تفتحوا أبواب عطائكم. ابحثوا عن الشباب المسلم الواعد والموهوب في محيطكم، حددوا مواهبهم وقدراتهم، واستعينوا بالخبراء في ذلك إن لزم الأمر. واحرصوا على تنفيذ ثلاث خطوات أساسية:

1. تقديم منح السفر

احجزوا تذاكر الطيران للشباب، وقدموا لهم مصروف نفقاتهم الشخصية، وأرسلوهم إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي. ليشاهدوا ويعيشوا تجربة مدن أخرى مثل بخارى، وسمرقند، وأصفهان، وشيرز، وتبريز، وبغداد، والقدس، والقاهرة، وسراييفو، و سكوبيي، وغرناطة، وقرطبة، ومراكش. ساعدوا الشباب المسلمين على استكشاف جغرافيتهم وعالمهم، واشترطوا عليهم أن يعودوا بتقارير وروايات عن رحلاتهم. العالم يتغير بسرعة كبيرة. لقد ولى زمن إجبار الشباب على حضور محاضرات أسبوعية في قاعات المؤتمرات في أقبية المؤسسات والجمعيات مقابل منح دراسية زهيدة. هذه الطريقة أصبحت من الماضي، ولم تعد تجدي نفعًا ولا تلقى قبولًا.

بلدنا والعالم الإسلامي يزخران بالسياح والباحثين الأجانب. هل تعلمون كيف يعمل صناع القرار؟

يختارون أشخاصًا ذوي آفاق واسعة وقدرات متميزة ويتكفلون بجميع نفقاتهم، ويطلبون منهم دراسة كل التفاصيل المتعلقة بالمسلمين. ثم تتحول التقارير والرسائل والكتب والأفكار التي يتم إنتاجها إلى ذخيرة حية تُستخدم ضدنا في جميع المنصات الدولية.

2. تقديم منح لشراء الكتب

أضيفوا إلى المنح التي تقدمونها منحًا سخية للكتب. لا يمكن للطالب اليوم تخصيص ميزانية مستقلة لشراء الكتب من المنحة التي يتلقاها. لذلك هناك حاجة ماسة إلى منح كتب محددة بعناية ودقة. خصصوا ميزانيات كبيرة للشباب بشرط استخدامها لشراء الكتب فقط. وأرسلوا الموهوبين والمهتمين إلى معارض الكتب الدولية والمكتبات الكبيرة ومراكز البحوث في الخارج.

يُعدّ المرحوم "فتحي جموحلو أوغلو" (1923-1977) أحد أبرز الشخصيات في تاريخنا الحديث، نموذجا فريدا في هذا الصدد. فخلال توليه منصب الأمين العام لمؤسسة البترول التركية، كان جموغلو يقدم إلى جانب المنح الدراسية العادية، منحًا إضافية لشراء الكتب للشباب الواعد الذي يرى لديه إمكانيات، وبفضل جموحلو أوغلو، تمكن العديد من الشباب، الذين يشغلون الآن مناصب رفيعة من بيروقراطيين وأكاديميين وسياسيين وشخصيات ثقافية، من تأسيس مكتباتهم الشخصية.

3. تقديم المنح اللغوية:

ادعموا الشباب المسلمين الموهوبين في تعلم اللغات، سواء داخل أو خارج البلاد. فإتقان اللغات الأجنبية يُتيح ترجمة الأعمال المكتوبة بها إلى لغتنا، مما يُساعد على تمثيل الإسلام بشكل أفضل في مختلف "ميادين المعركة" الفكرية حول العالم.

كما يُساهم في إنتاج أعمال ذات جودة أعلى داخل الوطن، بالإضافة إلى العديد من الفوائد الأخرى. لذا يجب علينا تمويل تعليم اللغات، ونشر ثقافتها، وتسهيل تعلمها. فبدلاً من التنافس في بناء مآذن إضافية للمساجد، أو تجديد السجاد، أو تحديث أماكن الوضوء، حان الوقت لرفع رؤوسنا والنظر إلى أبعد من ذلك، والتفكير بشكل أكثر دقة وفعالية.

السفر والمعرفة واللغة..

التعرف على الجغرافيا، وتشكيل العقول، وتسويق المنتجات..

في هذه المجالات الثلاثة، هناك حاجة ملحة لدعم من الأثرياء المسلمين ذوي الرؤية الواسعة، من محبي الخير وممن يركزون على تنمية جيل من المجاهدين لخدمة الأمة بدلاً من جمع الأتباع لطائفتهم أو جماعتهم. وهذا الدعم مطلوب بشكل عاجل، دون أي تأخير. وإذا تساءلتم "كيف سنعثر على الشباب الذين يجب تعليمهم؟" فأقول لكم صدقوني ذلك أسهل ما في الأمر.

أكاد أسمع بعض الجمل التي تبدأ بـ "يا صاح، عندما تكون غزة هكذا..." أنا بالتأكيد لا أقول أي شيء مستقلاً عن غزة. التفاصيل التي ذكرتها أعلاه موجودة بالكامل في ملف غزة:

وفي ظل كل الأزمات التي نمر بها، هناك نقص في الأشخاص المدربين. كل مشكلة نشكو منها ونريد تغييرها ترجع في النهاية إلى ضعف الأنسجة البشرية. انظر حولك وسترى الاضمحلال في العنصر البشري هو أصل الاضمحلال. كل ما يحدث من خطأ يرجع إلى المواد البشرية ذات الجودة الرديئة.

ما نسميه إنسانًا لا ينمو بمجرد قول ذلك. يتطلب تدريب الأفراد جهداً طويل الأمد، وتخطيطاً استراتيجياً، ومشاريع ملموسة ومستدامة تحقق النتائج. يتطلب آلية مراقبة مختصة للتحكم في العملية في كل مرحلة.

ولا يوجد طريق آخر للخروج من النفق المظلم الذي نعيشه.

ربما يقول البعض: "أخي، كيف تتحدث عن غير غزة وهي في هذه الحال؟" وأؤكد أنني لا أتحدث عن شيء مستقل عن غزة، بل كل ما ذكرته سابقا يندرج بشكل كامل تحت ملف غزة.

ففي ظل كل الأزمات التي نعيشها، تكمن الأزمة الرئيسية في نقص الكوادر البشرية المؤهلة. وكل مشكلة نشكو منها ونريد تغييرها تعود في النهاية إلى ضعف النسيج البشري. فانظروا حولكم ستجدون أن أساس الفساد والانهيار هو تدهور العنصر البشري. وكل ما هو سيئ ينبع من نقص جودة المادة البشرية.

والإنسانُ الذي نقصده لا يُنشأُ بِمجردِ رغبة أو كلمة، بل إن تربية الإنسان عمل طويل الأمد يتطلب تخطيطا استراتيجيا وخططا ملموسة ومستدامة تؤدي إلى النتيجة المرجوة. كما يتطلب آلية رقابة ذات كفاءة للتحكم في العملية في كل مراحلها. ولا نرى مخرجا من هذا النفق المظلم الذي نعيش فيه سوى الاستثمار في الإنسان.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس