توران قشلاقجي - القدس العربي

التقينا الأسبوع الماضي مع كنيزه مراد حفيدة السلطان العثماني مراد الخامس، في مقهى في حي أوسكودار التابع لإسطنبول، وتحدثنا معها عن القضية الفلسطينية. والد هذه الكاتبة والروائية المعروفة، وقبل كل شيء، الأميرة العثمانية، كان أيضا أميرا هنديا مسلما، ناضل من أجل استقلال الهند. عاشت كنيزه مراد حياة مليئة بالمغامرات، وهي تحلل بشكل جيد للغاية في كتابها «من القصر إلى المنفى» الأوقات الصعبة والمضطربة بين القصور العثمانية والهندية. وقد تُرجم هذا الكتاب إلى 35 لغة. ألفت كنيزه مراد، العديد من الروايات، من أهمها رواية «عبق أرضنا»؛ «أصوات من فلسطين ومن إسرائيل»، التي تتناول القضية الفلسطينية.

قالت كنيزه مراد، إنها قضت أربعة أشهر في فلسطين من أجل تأليف كتاب «عبق أرضنا»، وإن كتابها هذا يضم صورا شخصية ومقابلات. وأوضحت أنها في عام 2002 ذهبت إلى فلسطين مرة أخرى واستمعت إلى أناس عاديين بسطاء من الفلسطينيين والإسرائيليين، إبان هجمات أرييل شارون الوحشية، وألفت هذا الكتاب خلال عام واحد، وهو الآن في طبعته الثامنة باللغة التركية، وتحدثت في كتابها عن تجارب هؤلاء الناس، ووجهة نظرهم حيال المستقبل، والقتل الممنهج والتهجير المتواصل للفلسطينيين من وطنهم من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي طيلة ثلاثة أرباع قرن، وكذلك مواقف الإسرائيليين القلائل الذين كانوا يعارضون ذلك، وأضافت كنيزه مراد: «لم أقابل سياسيين، لأن السياسيين لا يقولون أي شيء أبداً.. إنهم يتكلمون ولكن لا يقولون أي شيء».

وبينت الكاتبة أن هذا الكتاب المتعلق بفلسطين تمت ترجمته إلى العديد من اللغات، وأنها واجهت بسببه، مشكلة حظر المقابلات واللقاءات الإعلامية معها في فرنسا، وأكدت أنها تعرضت أيضا للمقاطعة، بل حتى الحرمان الكنسي. كما قالت، أثناء حديثنا، إنها عملت مراسلة في منطقة الشرق الأوسط لصالح مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور»، إحدى المجلات الفرنسية الكبرى، لمدة 15 عاماً. وأضافت «كانت قضية إسرائيل وفلسطين ضمن مجال اهتمامي وتخصصي. والمقالات التي كتبتها خضعت للرقابة، إذ لم ترق لإدارة المجلة. كانوا يتحججون بأن المقالة تشغل مساحة واسعة، وإنه لا توجد لديهم كل هذه المساحة ليقوموا باقتطاع أجزاء منها. أو كانوا يقولون إنه لا توجد مساحة في هذا العدد، كي لا ينشروها أبدا. لقد أدركت أن هناك رقابة خفية وغير مسماة. تجاربي هذه جرت قبل 30 سنة. أما اليوم، فلا يمكنكم نشر أي شيء ضد إسرائيل. إنهم يصنفونكم فورا على أنكم معادون للسامية. أستطيع أن أؤكد لكم أنه في فرنسا يعتبر تصنيف شخص ما على أنه معاد للسامية أكثر خطورة من وصفه بأنه قاتل والدته».

وحول الأحداث التي تشهدها فلسطين اليوم، قالت كنيزه مراد إنه «لأول مرة في التاريخ، يتم بث جريمة إبادة جماعية مباشرة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي. يجري الحديث عن المحرقة اليهودية في التاريخ. ما حدث في ألمانيا في الأربعينيات لم يكن معروفا، ولهذا السبب لم يتمكن المجتمع الدولي من التدخل. أما اليوم، فكل شيء معروف. الموتى والجرحى والدمار، كل شيء يجري أمام أعيننا. إسرائيل تقطع كل وسائل الاتصال، وتستمر في مجازرها. المذبحة متواصلة في صمت». واستشهدت كنيزه مراد بجملة من كتابها «عبق أرضنا»، وهي: «الشعب الفلسطيني لم يكن يعرف ما هي الكراهية، نحن من علمناه ذلك.. إننا معلمون جيدون جدا في الواقع!».

خلاصة الكلام؛ رأيت أثناء حديثنا الذي دام أكثر من ساعة، أميرة اعتبرت أن من واجبها الإنساني الوقوف بشدة ضد هذه الكارثة التي حلت بالفلسطينيين.. كما أعربت السيدة كنيزه عن خوفها من أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية التي لا نهاية لها إلى ظهور حركات إرهابية في جميع أنحاء العالم؛ «لأن الضمائر لا تتحمل مثل هذه القسوة والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية». وفي الختام، يمكنني أن أقتبس هذه الجملة من كنيزه مراد: «الفلسطينيون لا يخشون الموت لأنه ليس لديهم ما يخسرونه؛ الإسرائيليون خائفون لأن لديهم الكثير مما يخشون خسارته!».

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس