د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس

 تطور الإقطاع الحربي في عهد صلاح الدين

كان الإقطاع العسكري الأيوبي يُمنح مقابل الخدمات الحربية؛ غير أنَّه لم يكن إقطاعاً وراثياً، كما أن منح الإقطاع عن طريق السُّلطان الأيوبي ليس معناه: منح ملكيات الأرض الزراعية لهذا المقطع، وليس معناه أيضاً تمتع المقطع بمتحصلات الإقطاع لفترةٍ طويلة، بل إنَّ منح الإقطاع يعطي المقطع مجرَّد الحق في أن يجمع لنفسه، ولأجناده مجموعةً معيَّنةً من الضرائب في مقابل الواجبات المدنية، والعسكرية التي كان ملزماً بأدائها.

وقد بدأ صلاح الدين بتوزيع أراضي مصر على هيئة إقطاعات، فمنح بعضها لأهل بيته، والبعض الآخر وزَّعه على أمرائه، وقادة جيشه، ولم يقتصر توزيع الإقطاعات الحربية في عهد صلاح الدين على أرض مصر؛ بل تعدَّى ذلك إلى كلِّ البلاد التي تمكَّن صلاح الدين من ضمِّها إلى مشروع الوحدة الإسلامية، واتَّبع عدَّة طرق لتوزيع تلك الإقطاعات على أمرائه، وأجناده، منها ما كان غرضه منه تثبيت أقدامه في البلاد؛ التي تخضع له، مثلما حدث عندما استولى على حمص، وحماة، كما كان صلاح الدين يمنح رجاله الإقطاعات مكافأةً لهم على ما قاموا به من أعمال جليلة،كما يلاحظ: أنَّ صلاح الدين في توزيعه للإقطاعات قد راعى الجوانب الأمنية في دولته، فوزع الإقطاعات على القبائل العربية التي كثيراً ما خانه أهلُها، وحملوا الغلاَّت إلى الصليبيين، فأقطع قبيلتي جذام وثعلبة إقطاعات متفرقة في الدِّيار المصرية، وذلك للحفاظ على الأمن، وحثَّ أولئك العربان على الاشتراك معه في الجهاد.

وإن من خصائص الإقطاع الأيوبي أنه يجيز أن ينتقل الإقطاع من مقطع إلى آخر، ولكن ذلك الانتقال لم يكن عن طريق الوراثة، ولم يحدث توريث الإقطاع في عهد صلاح الدين سوى ثلاث مرات، وفي مقابل الموارد المتحصلة من الإقطاع، كان على المقطع مجموعة من التزامات التي كان يجب عليه أن يؤدِّيها، وهي التزامات حربيَّةٌ مثل: تقديم العساكر وقت الحرب، فضلاً عن عدد من الواجبات غير الحربية، كتنفيذ المراسيم السُّلطانية التي كان صلاح الدين يصدرها، وإقرار الأمن داخل الإقطاع، والنظر في مصالح الرعية داخل الإقطاع، بالإضافة إلى ذلك كان على المقطع عدد من الواجبات المدنية، أهمُّها تلك التي تختص بريِّ، وزراعة الإقطاع، وبعض الخدمات الخاصَّة بالسلطان، لقد لجأ صلاح الدين إلى نفس الأسلوب الذي اتبعه أسلافه الزنكيون في دفع رواتب الجيش، فوزَّع الإقطاعات على أمرائه؛ ليكون بديلاً عمَّا يتطلَّب منه من دفع رواتب للجند، فقد كان صلاح الدين يكتفي بمخاطبة المقطع عند عزمه على الجهاد ضدَّ الصليبيين، فيسير بدوره إليه، ومعه جيشه مزوداً بالعتاد، والمؤن.

ولما كان صلاحُ الدين هو المصدر الأصلي لمنح الإقطاعات؛ فقد كان يستطيع إلغاءه في أيِّ وقت، وذلك متى تقاعس المقطع عن أداء واجبه، أو بدر منه ما يخلُّ بالتزاماته الحربية، كما أنَّ نظام الإقطاع الحربي بما اشتمل عليه من واجبات يعاقب المقطع بالإعفاء من إقطاعه متى قصَّر في شيءٍ منها، وكان كفيلاً بإخلاص الجند، واستماتتهم في القتال، فضلاً عمَّا كان يقوم به بعض المقطعين من أعمال حربية ضدَّ الأعداء، أنَّ نظام الإقطاع الحربي، يعدُّ من أولى موارد الدولة الأيوبية؛ لأنه مصدر الإيراد الدائم اللازم للصرف على الجيش السُّلطاني، وجيوش الأمراء الإقطاعيين، فضلاً عن النفقات العسكرية الهامة للجيش زمن الحرب، وبهذا يمكن القول بأنَّ صلاح الدين بتطبيقه لنظام الإقطاع الحربي في دولته قد وفَّر على نفسه مهمَّة تزويد جيشه كلِّه بالسِّلاح، والعتاد، والمؤن (مفرج الكروب، جمال الدين واصل،م2/ ص139).

 ديوان الجيش الصَّلاحي الأيوبي

كان ديوان الجيش الصلاحي الأيوبي مسؤولاً عن الشؤون الخاصَّة بالجيش، ويتولاَّه أحد المطلعين على قضايا هذه المؤسسة شرط أن يكون مسلماً، وله الرتبة الجليلة، والمكانة الرفيعة،كان هذا الديوان بمثابة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر، والمتولِّي له مسؤول عن معرفة أحوال الأجناد، وتسجيل الأمور الخاصَّة بحضورهم، وغيابهم، وأوضاعهم الصحيَّة، وموتهم، وكان من اختصاصات ديوان الجيش إصدار إحصاءات دورية بعدد الجيوش، والمبالغ المقررَّة لهم. ومن خصائص ديوان الجيش ما ذكره ابن خلِّكان في ترجمته للملك الظاهر غياث الدين بن صلاح الدين من أنه جلس يوماً لعرض العسكر، وديوان الجيش بين يديه، فكان، كلَّما حضر جندي أمامه؛ سأله عن اسمه؛ ليثبتوه في القوائم، وقام الموظفون بديوان الجيش بتسجيل أسماء أصحاب الإقطاعات على اختلاف طبقاتهم، وعدد الجند التابعين لكلِّ مقطع داخل إقطاعه، وأمام اسم كل مقطع عبارة إقطاعه «رمزاً لا تصريحاً».

ولعلَّ ذلك كان من باب الحذر، والسرِّية التي توخَّاها موظفو الديوان، لذا تجنب الديوان ذكر عبارة الإقطاع، أو متحصله، إلا بناء على مرسوم من السُّلطان، وأما أهم موظفي ديوان الجيش في عهد صلاح الدين؛ فيشمل الناظر، وهو الذي يعدُّ المسؤول الأول عن كل ما يجري في الديوان، ويلي الناظر متولي الديوان، ومهمته الإشراف على تنفيذ تعليمات الناظر، والمستوفي، ووظيفته: مطالبة الموظفين بما يجب عليهم رفعه من الحساب في أوقاته، وموظفين آخرين، وأما عن زي الأجناد، فكان زيُّ الأجناد في الدولة الأيوبية امتداداً طبيعياً لزيِّ الأجناد في الدًّولة الزنكية.

 التموين العسكري

كانت مواد التموين ُتُحمل في مؤخرة الجيش عادةً، أي: في الساقة، وكانت تُسمَّى، «الثقل» ولكن حدث في بعض الحملات أن وضعوا الثقل في وسط الجيش، أي: بالقرب من

 قلب العسكر، ويحتمل أن يكون سبب ذلك خشيتهم من استيلاء العدو عليه، والظفر به، ففي أواسط جماد الأولى سنة 584هـ/1188م رحل السلطان إلى تعبئة لقاء العدو، ورتب الأطلاب، وسارت الميمنة أولاً، والقلب في الوسط، والميسرة في الأخير، ومقدمها مظفر الدين بن زين الدين، وسار الثِّقل في وسط المعسر، ونجد أن الجند من جهتهم كانوا يحملون معهم بعض مواد التموين الضرورية في الجراب ـ الصولق ـ المعمول من الجلد الذي يعلَّق على الكتف، ولدى التهيؤ للسير يتعبأ الجند بنزولهم إلى السوق، والتزوُّد بالضرورات، ولعلَّها لم تتعدَّ الخبز، والجبن، والبصل، وبعض اللُّحوم المجففة، وشيئاً من الحبوب، والبقول، والأثمار، والتمور، ونجد أن الجيش الأيوبي كان يلجأ في الحروب إلى قطع طرق التموين عن عدوه لتجويعه، ومن ثم إضعافه، وتسليمه (صلاح الدين، الصلابي، ص370).

التعبئة العسكرية الأيوبية

تعني التعبئة: مجموعة الأعمال التي يقوم بها القائد في مجال تحشيد القوات في ميدان المعركة، وسوقها إلى خطوط القتال، أو تنسيق قواته للردِّ على هجمات العدو، والانتصار عليه، ولم يخرج عن هذا المعنى مفهوم التعبئة قديماً، أو حديثاً؛ إلا أن أساليبها، وصنوف جيشها والآلات، والمعدات التي يستعملها، وغيرها هي التي تغيرت. وأمَّا النظام الذي سار عليه الجيش الأيوبي؛ فهو نظام التخميس.

1 ـ نظام التخميس: نرى أنَّ صلاح الدين لم يكن مبتكراً لهذا النظام، بل إنَّه كان موجوداً قبله، ولم يختلف عمَّن سبقه من القادة المعروفين؛ الذين طبقوا هذه الطريقة من حيث الأساس وتنظيم الجيش الأيوبي كان على نسق كتائب يشبه ترتيب أعضاء جسم الإنسان الرئيسة، أو يشبه الصليب، فالجذع في الوسط بمثابة قلب العسكر، والرأس في المقدمة بمثابة طليعة العسكر، أو المقدمة، واليدان في الجهتين بمثابة جناحي الميمنة، والميسرة، ثم السَّاقين معاً في الخلف بمثابة مؤخرة، أو ساقه الجيش. ومن هذا ترى: أنَّ التنظيم على هذا النسق قائمٌ على خمسة أجزاء، ومنها تسمية الجيش بالخميس.

وكان موقع السُّلطان في القلب عادةً؛ ومعه الأعلام؛ حتى يراه جميع الأمراء لتنفيذ التوجيهات التي تصدر منه، لتقويته، أو لإعادة تنظيمه حين يضطرب لسبب ما، وفي بعض الأحيان كان يتحوَّل إلى المقدمة لإثارة حماس الجند، وليلقي الرُّعب في نفوس العدو، وكان صلاح الدين يضع القادة، والأمراء المعروفين على رأس الجناحين، وأما على رأس المقدِّمة «الطلائع» فكان يضع أصحاب الخيول، والسيف، والرمي، والخفَّة في الطراد، والمقابلة.

2 ـ الحلقة الخاصة والمماليك السُّلطانية: تكونت الحلقة السُّلطانية من جماعة من العساكر، تحيط بصلاح الدين، كانت بمثابة حراسة، وكانت للحلقة مكانة ظاهرة في المعارك المختلفة.

3 ـ الأطلاب وأصناف الجيش حسب سلاح كلِّ صنف: كان الجيش الصَّلاحي قائماً على أساس تقسيم الجيش إلى مجاميع؛ كانت بمثابة كتائب، يكون على رأس كل مئتي فارس، أو مئة، أو سبعين فارس أمير مقدم، فكان يقال: إنَّ الحملة الفلانية تضمُّ كذا من الأطلاب، وكان لكل صنف من الصنوف المقاتلة، والمساعدة خواص، تتميز بها عن الصنوف الأخرى، وهذا التمييز يظهر بنوع السلاح، والأعتدة التي يتجهَّز بها، والواجبات الملقاة على عاتقه، ولا يمكن للجيش أن يتحرَّك بنجاح في العمليات العسكرية ما لم يعمل بوفاق، وتنسيقٍ تأمَّين، ويساعد بعضها البعض الآخر في حالات الاشتباك (الجيش الأيوبي في عهد صلاح الدين، محسن حسين،ص149).

وكان ثمة صنفان أساسيان في الجيش الأيوبي، إضافةً إلى الأصناف الجانبية، وهما:

أ ـ صنف الفرسان (الخيَّالة): وهو عصب الجيوش في ذلك، وكانت مهمَّاته الرئيسة القتال، والاستطلاع، أو الاستكشاف، نظراً لما تتطلب هاتان العمليتان من سرعة الحركة الضرورية في الهجوم، والكشف، ومطارة العدو، وقطع طرق العودة عليه للتزود من القوات، والمؤن، وكانوا يختارون عادة أهل النصيحة، والنَّجدة، والتَّجربة في الحرب للقيام بهذا الواجب، وكانوا يتفادون الاشتباك بالعدو عند القيام بالاستكشاف، فالهدف من عملهم هو تقدير قوَّة العدو، وكشف مواطن الضعف فيه، وكذلك يقوم الفرسان بنجدة المواضع المعرَّضة للخطر المفاجئ، إلا أنهم كانوا يوضعون خلف المشاة في ترتيب الصفوف، وكان الفرسان يتسلَّحون بالسُّيوف، والحراب الطويلة، ويرتدون الزرد، والترس، والخوذ ،و أما خيولهم؛ فمن المحتمل: أنهم كانوا يضعون عليها التجافيف، والسروج.

ب ـ صنف المشاة (الرَّجالة): وكان يؤلف القسم الأعظم من قوَّة الجيش، ويقوم بأعباء القتال، ويتحمَّل مشقاته، ونتائجه، وكانت الأسلحة التي يحملها أفراد هذا الصنف أسلحة خفيفة؛ لأنهم يسيرون على أقدامهم، فكانوا يستعملون السُّيوف، والأقواس، والرِّماح القصيرة، وكان المشاة يقومون بإخراج أفراد العدو من خنادقهم، ويقضون عليهم، ولعلَّ أهم ما كان المشاة يكلفون به هو: حماية الجيش أثناء المسير للحيلولة دون مداهمته من قبل العدو، وحراسة القوافل التي تحمل المؤن، والعتاد أثناء تنقُّلها، وفي ترتيب صفوف الجيش كان المشاة يوضعون في الصفوف الأمامية، وخلفهم الخيالة، والأبطال.

ج ـ أما الصنوف الأخرى المساعدة: فكانت تعرف بأسماء الأسلحة، والأعتدة؛ التي كانت تستعملها، والواجبات؛ التي يقوم بها كلُّ صنف، كصنف المنجنيقين، والدبَّابين، والنفَّاطين، وصنف المخابرة، وصنف التموين، وغيرها.(الجيش الأيوبي، مصدر سابق، ص157).

المتطوعون في الجيش الأيوبي

بالإضافة إلى المقاتلين من الفرسان، والمشاة النظاميين المسجلين في ديوان الجيش الأيوبي، وإلى جند الإقطاع التابعين إلى الأمراء الأيوبيين، والأمراء الآخرين؛ الذين دخلوا في تبعية صلاح الدين تباعاً، والذين كانوا يزوِّدون الجيش الأيوبي بالمحاربين وقت الحاجة، وإضافة إلى المماليك السُّلطانية كان ثمةَّ مَنْ تطوَّعوا، ووضعوا أنفسهم تحت تصرف الجيش حبَّاً بالجهاد في سبيل الله، ورغبةً منهم في تحرير الأرض الإسلامية من الاحتلال الصليبي، والواقع: أنَّ عهد الإفاقة الإسلامية بدأ بوضوح بظهور المجاهد عماد الدين زنكي مؤسِّس الدولة الزنكية، وفي عهد ابنه نور الدين محمود الشهيد، بلغ هذا العهد ذروته أيام صلاح الدين، لقد أعاد عهد صلاح الدِّين إلى الأذهان أيام التطوع، والجهاد الأولى في صدر الإسلام، فلا غرابة إذا وجدنا جيش صلاح الدين يضمُّ الكثير من المتطوعين في معركة، لاسيما في حطِّين، وفتح بيت المقدس؛ والمعارك اللاَّحقة ممَّا استرعى انتباه المؤرِّخين، فذكر ابن كثير: أن السلطان حين عزم على فتح بيت المقدس، قصده العلماء، والصالحون تطوُّعاً، وكان المتطوِّعون ينتمون إلى مختلف الفئات الاجتماعية من المسلمين من أبناء القبائل، والقروِّيين، وأهل المدن، من الفقراء، والأغنياء لاسيما من الفقهاء، والصوفية.

الفرق الملحقة بالجيش

أ ـ الفرقة الهندسية: كانت تصحب الجيش عادةً فرقةٌ هندسيةٌ، وأخرى طبيَّةٌ، وكانت الأولى تقوم بمهمات تتطلَّب معرفة خاصة بشؤون الهندسة العسكرية التي يلزمها القتال، لاسيما قتال الأسوار، والخنادق، مثل بلتىبللاسيما في الأماكن ذات الميزة العسكرية الحسَّاسة، وتشييد الجسور، ونسفها، وردم الخنادق، وحفر الآبار، وتعيين مواقع ضرب الحصار حول أسوار المدينة المنوي فتحها، وتهشيم هذه الأسوار، وتغيير مجاري الأنهار، وغيرها من الأعمال الهندسية؛ التي هي ضمن واجبات هذه الفرقة.

ب ـ الفرقة الطبية: ومصاحبة الفرقة الطيبة للجيش إلى ميدان القتال لمعالجة الجرحى، والمرضى كان أمراً ضرورياً، وكان الأطباء، ومساعدوهم يشكِّلون ما يشبه مستوصفاً متنقلاً، فيه ما يحتاجونه من أدوية، وأدوات، ونقالات لحمل الجريح، أو المريض، وكانت هذه المعدَّات تحمل على ظهر الحيوان، ثم ينصب المستوصف داخل خيام يبيت فيه المحتاج إلى العلاج.

ج ـ فرقة الموسيقى العسكرية: بعد أن ينادي الجاويش بالعسكر أن يستعدُّوا؛ تشدُّ الرايات، وتبدأ الكوسات بالضرب، وكان هذا بمثابة الموسيقى العسكرية، أو المارشات في الوقت الحاضر كجزء من عملية إثارة حماس المقاتلين، وتثبت وقائع التاريخ الأيوبي: أنَّ الموسيقى العسكرية كان لها شأن كبير في الجيش، حتى خصص لها مكان خاصٌّ يسمى: «الطبلخاناه» أي: «مكان الطبل».

د ـ حملة أعلام ورايات الجيش: كان ضمن الجيش جماعةٌ مهمَّتهم حملُ الراية السلطانية، والحفاظ عليها، والراية، أو العلم بمثابة البشارة؛ التي تميز جماعةً عن جماعةٍ أخرى، ودولةً عن أخرى، فكان لكلِّ دولة

 إسلامية، وغير إسلامية علمها الخاصُّ؛ الذي يتَّخذ من لونٍ، أو رنك، وكان لون العلم الصلاحي أصفر، وفي وسطه صورة طير النِّسر علامة القوة، والثِّقة في النصر كان بين الرَّايات رايةٌ عظيمةٌ من حريرٍ أصفر مطرَّزةٌ بالذَّهب، عليها ألقاب السُّلطان، واسمه، وتسمَّى العصابة، وراية عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الجاليش، ورايات صفر صغار تسمى السناجق، وكانت الراية الكبيرة تحمل عادة في ركب السلطان (الروضتين، أبي شامة المقدسي، ص163).

 البريد والاستخبارات

أ ـ تنظيم أمور البريد:كان تنظيم أمور البريد يجري بواسطة ديوانٍ خُصِّص لهذا الغرض، سمِّي بديوان البريد، وضع تحت إشراف بعض الموظفين، وكلت إليهم إدارة شؤون هذه المؤسسة، وكانت مؤسسة البريد، والاستخبارات الأيوبية قد اشتهرت بالتفوُّق الدَّائم على ما كان عند الصليبيين، وقد استعمل في البريد في حصار عكا كافة السبل للاتصال بالمحاربين المحاصرين للاطلاع على أوضاعهم الصعبة، وكذلك لإرسال المال اللازم إليهم، فكان يتَّصل بهم عن طريق الحمام الطائر، والسبَّاحين.

ب ـ اليزك «فرق الاستكشاف»: لفظ اليزك فارسي، معناه: «طلائع الجيش» واليزك: هم جماعة الاستكشاف؛ التي ترسل إلى جبهة العدو قبل توجه الجيش نحوه، والمهمَّة التي يقوم بها محاربو اليزك كانت جزءاً من نظام الاستخبارات، وإيصال المعلومات العسكرية الآتية إلى قيادة الجيش بالسرعة الممكنة، إذاً فبوسعنا أن نقول: إن اليزك عبارة عن الفعالية البريدية اليومية التي يقوم بها أفراد مختصُّون، يكونون تحت الطلب؛ ليذهبوا، ويتعرَّفوا من كثب على ما يفعله العدو، أو ينوي القيام به.

ج ـ حمام البريد: من أبرز سبل الاتصال البريدي في العهد الأيوبي استعمال الحمام الزَّاجل، أو ما يسمَّى بالحمام الهوادي لقدرته العجيبة على الاهتداء إلى عشِّه رغم ابتعاده عنه مسافات شاسعة، إنَّ هذا النوع من الحمام إضافة إلى اهتدائه إلى وكره، اشتهر بسرعة طيرانه، وربما اصطيد، وغاب عن موطنه عشر سنين فأكثر، ثمَّ هو على ثبات عقله، وقوة حفظه، ونزعه إلى وطنه، حتى يجد فرصةً ليطير إليه،وقد عُيِّن عليها بَرَّاجون، أو حرَّاس برعوا في الاعتناء بشؤونه: في تدريبه، وإطعامه، وراحته، وإطلاقه، واستقباله، ولكن العادة: أنَّ الطائر إذا هبط بالبطاقة، لا يقطعها البراج بيده، بل يأخذه إلى الخليفة، أو السلطان خشية أن يكون في البطاقة سرٌّ ينبغي عدم اطلاع أحدٍ عليه.

د ـ الكمائن: لعل من أكثر فترات التاريخ الإسلامي نشاطاً للكمائن هي فترة الحروب الصليبية؛ لاسيما أيام صلاح الدين نظراً لقرب مواقع الاحتكاك العدائي، واستمراره بين القوى الإسلامية، والمرتكزات الصَّليبية؛ التي أقاموها على الجهات الساحلية من بلاد الشام، أو القريبة منها، وتعني الكمائن: إرسال جريدة، أو سرية من المحاربين الفرسان إلى جهات العدو، ومباغتته، والإيقاع به في مناوشات محدودة لا تصل إلى حدِّ القتال الواسع النطاق. أي: إن العملية كانت تبدأ في السرِّ، ولهذا كان ينبغي أن تتوفَّر في رجال الكمين جملةٌ من المواصفات؛ لكي يستطيعوا أن يقوموا بمهمتهم بالصُّورة المطلوبة. (النوادر السلطانية، بهاء الدين شداد، ص212).


المصادر والمراجع:

1.   الجيش الأيوبي في عهد صلاح الدين، محسن حسين، مؤسسة الرسالة للنشر، بيروت، لبنان،1986م.

صلاح الدين الأيوبي، علي الصلابي، ط1، دار ابن كثير، دمشق، سورية، 2009م.
كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، أبي شامة المقدسي مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1418 هـ 1997م.

4.   مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، جمال الدين محمد بن سالم بن واصل.

5.   النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية بهاء الدين بن شدَّاد، تحقيق أحمد إيبيش، دار الأوائل سوريا، الطبعة الأولى 2003م.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس