د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

حذرت طهران دول المنطقة التي تعبرها صواريخها ومسيراتها باتجاه إسرائيل، من  نتائج  قطع الطريق عليه أو محاولة اعتراضها، لكنها لم توضح لهذه الدول أسباب ضرورة فتح الأجواء وهي تعتبر أن خطوة من هذا النوع ستزيد الأجواء الإقليمية تعقيدا. هل يمنح القانون الدولي أو ميثاق الأمم المتحدة طهران حق الرد على استهداف قنصليتها من قبل إسرائيل من خلال عبور أجواء العواصم العربية في المنطقة دون موافقتها؟ طهران لم تقل لواشنطن ولندن بعد ما الذي ستفعله معهما في أعقاب مهاجمة قوات البلدين السلاح الإيراني في الأجواء وهما ليسا في حالة حرب معها. فلماذا تقحم أنقرة نفسها في ملفات ساخنة من هذا النوع تعقد علاقاتها الإقليمية أكثر فأكثر مع العديد من العواصم؟

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "أن إيران وإسرائيل يقولان أشياء مغايرة، لا يمكننا اعتمادها أو البناء عليها. واشنطن من ناحيتها أثبتت مرة أخرى بعد موقفها الجديد في مجلس الأمن أنها منحازة للجانب الإسرائيلي". تصريحات أردوغان قد تكون بمثابة إعلان نهاية الحديث عن وساطة تركية محتملة بين طهران وتل أبيب اقترحها رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية برنز على نظيره التركي إبراهيم كالن للتوسط بين طرفي النزاع  خصوصا وأن هناك من يردد في تركيا أن من بين أسباب تأخر أنقرة في الإعلان عن موقفها حيال ما جرى ليلة 13 نيسان المنصرم، احتمال أن تسهل لها واشنطن دخولها على خط التهدئة ولعب مثل هذا الدور.

الإجابة على سؤال كيف ستتأثر تركيا من التصعيد الإسرائيلي – الإيراني أهم بكثير من نقاشات مسألة لعب أنقرة دور المهدئ والوسيط وهو سيناريو معقد وغير واقعي. فعلاقات تركيا متوترة مع تل أبيب. وهي تنتقد التصعيد الإيراني في الإقليم على أكثر من جبهة. وهناك من يعرقل دخولها على خط الوساطة الفلسطينية الفلسطينية لصناعة موقف فلسطيني موحد في التعامل مع ملف غزة. لا يمكن لأنقرة أن تدخل على خط الوساطة بين طهران وتل أبيب وهي نفسها تعيش وسط الكثير من الأزمات مع الطرفين. لا بل ما هي مصلحتها في تخفيف التوتر والاحتقان بينهما خصوصا إذا ما حصلت التفاهمات بينهما على حساب تركيا ومصالحها في المنطقة؟

يقول أردوغان إن ما تفعله إسرائيل في غزة هو بين أكبر مذابح العصر الحديث. عبارة من هذا النوع كفيلة بتخريب العلاقات التركية الإسرائيلية أكثر مما هي متدهورة، وقطع الطريق على أية جهود تهدئة تركية على خط تل أبيب – غزة أولا، لكنها كفيلة بإنهاء أي تحرك تركي على خط تل أبيب – طهران باتجاه إقناعهما بالتخلي عن فكرة التصعيد في الإقليم ثانيا. ما يقوله أردوغان لا يعني بالضرورة أن أنقرة ستنحاز إلى الجانب الإيراني  الذي لا تقل مواقفه وسياساته خطورة عن سياسات تل أبيب في الإقليم. رسائل أردوغان في خطابه أمام كتلة حزبه البرلمانية كانت متعددة الأهداف والجوانب. تشمل حكومة نتنياهو والقيادات الإيرانية، لكنها كانت موجهة إلى الكثير من العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن أيضا.

هناك أكثر من مصلحة مشتركة قربت بين إيران وإسرائيل لعقود طويلة. بعد وصول الخميني إلى السلطة حاولت إيران استهداف المشروع النووي العراقي عام 1980 ففشلت. إسرائيل تحركت هذه المرة بعد عام ونجحت. ما فشلت فيه طهران حققته تل أبيب. منافعهما النووية الإقليمية تحتم احتكار هذا النوع من الأسلحة على المدى البعيد على حساب بقية اللاعبين الإقليميين. دون أن نغفل حقيقة أن السلاح الإسرائيلي المقدم لطهران كان حاضرا في الحرب العراقية الإيرانية بحسب الكثير من التقارير الغربية.

ترصد أنقرة التصعيد الإسرائيلي – الإيراني باتجاهين: انفجار إقليمي على أكثر من جبهة وهو بين الاحتمالات الواردة نتيجة التوتر المتزايد. أو دخول أكثر من لاعب إقليمي إلى ساحة المعارك التي ستشملها هي والعديد من العواصم العربية والغربية وهو احتمال مستبعد نتيجة رفض الكثيرين لسيناريو من هذا النوع. تدرك أنقرة جيدا عدم وجود رغبة إيرانية في دخول نزاع مباشر مع إسرائيل بسبب مخاطر وارتدادات ذلك على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، وبسبب طبيعة التوازنات الإقليمية القائمة.

أنقرة لن تغامر بترك حماس تجلس في الحضن الإيراني لأنها ستفقد فرصة سياسية كبيرة في التعامل مع الملف الفلسطيني. دعوة إسماعيل هنية لتركيا في نهاية الأسبوع تندرج في هذا الإطار إلى جانب التمسك بعلاقاتها مع الفصيلين الفلسطينيين الأكبر إذا ما أرادت الاحتفاظ بفرص وجودها على خط التهدئة الفلسطينية الفلسطينية والفلسطينية الإسرائيلية والإسرائيلية الإيرانية عند اللزوم.

ما يقلق أنقرة هو أولا أن إسرائيل وبناء على تجارب سابقة في علاقاتها معها لن تتوقف أو تتراجع بسهولة عما تقول وتريد حتى ولو عارضتها العواصم الغربية. وأنها تعول على سيناريو عودة ترامب للبيت الأبيض في الشتاء المقبل وهو ما يعني الرجوع إلى الخطط الثنائية والإقليمية السابقة المتفق عليها بين تل أبيب وواشنطن حول أكثر من ملف يتقدمه موضوع إيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أنقرة لا تريد النزول إلى البئر الإسرائيلية بالحبل الأميركي لأنها لا تثق بالطرفين وهذا ما فعلاه مع العواصم الأوروبية في ملف الحرب الأوكرانية.

تردد القيادات الغربية أن وقوفها بجانب إسرائيل ليلة 13 نيسان الماضي لا يجوز أن يفسر على أنه "كارت بلانش" لها لتتحرك كما تشاء في خططها ضد إيران. فهل تكفي مواقف واشنطن ولندن الأخيرة حول أنهما لن يقفا إلى جانب إسرائيل في أية مغامرة عسكرية ضد طهران تستهدف توسيع رقعة الانفجار الإقليمي الجانب التركي؟ وهل ستأخذ حكومة نتنياهو بنصائح الحلفاء والشركاء في الغرب بعدم التعويل كثيرا على سيناريو الرد على الرد؟

تتسابق الكثير من الأطراف على إعلان دورها في نقل الرسائل بين طهران وتل أبيب وأنقرة تعرف ذلك جيدا. وزير الخارجية الروسي لافروف كان آخرهم وهو يعلن أن بلاده أبلغت تل أبيب بعدم وجود رغبة إيرانية في التصعيد أكثر من ذلك مع إسرائيل. فهل هناك حقا حاجة إلى وساطة تركية بين طهران وتل أبيب؟

يأخذ البعض في الداخل التركي على قيادات العدالة والتنمية تأخرها في إعلان موقفها حيال ما جرى ليلة 13 نيسان المنصرم على أكثر من جبهة إقليمية. الموقف التركي شبه الرسمي أعلن في منتصف اليوم التالي على لسان أحد الأكاديميين المقربين من الحكم وهو يردد أن أنقرة قلقت لما يجري من تصعيد بين تل أبيب وطهران، لكن ما يقلقها أكثر هو تراجع ملف غزة لصالح تقدم ملف التوتر الإسرائيلي الإيراني.. تريد أنقرة الاستثمار في ملفات التقارب التركي الأميركي الأخير واستعدادات زيارة الرئيس أردوغان لزيارة واشنطن في الشهر المقبل، لذلك كثفت من اتصالاتها البعيدة عن الأضواء بين كبار المسؤولين في خارجية البلدين من جهة وبين جهازي الاستخبارات من جهة أخرى في محاولة لمحاصرة ما يجري والحؤول دون اتساع رقعته. لكن ذلك لا يمكن فهمه على أنه تحريك وساطة تركية بين طرفي النزاع لن تكفي عبارة "أن تل أبيب هي من بدأت التصعيد بعد مهاجمة القنصلية الإيرانية في دمشق" التي أطلقها أردوغان لتحديد الموقف التركي الرسمي حيال ما يجري؟

موقف أنقرة اليوم لا يختلف كثيرا عن موقف العديد من العواصم الإقليمية والغربية حول أن التصعيد ليس في مصلحة أحد، وأن على الدول أن تحضّ كلا الطرفين على عدم الذهاب وراء توتير الأجواء في المنطقة اكثر من ذلك. ما يقلق أنقرة في لعبة الشطرنج الإيراني – الإسرائيلي هو احتمال تحوله إلى تفاهمات ثلاثية مع الجانب الأميركي وهو ليس بجديد على الدول الثلاث في التعامل مع ملفات إقليمية عديدة، وأن تدفع هي والعديد من العواصم العربية والإسلامية ثمنه.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس