ترك برس

شكل زلزال 6 شباط الذي ضرب جنوبي تركيا العام الماضي، عاملاً هاماً في تغيير الناخبين هناك من قراراتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم، فيما تتجه الأنظار إلى المنافسات المحلية وعما إذا كان سيكون هناك تأثير لـ "كارثة القرن" على ميول الناخب في اختيار بلديات المناطق المنكوبة.

هذا وتأتي الانتخابات المحلية في تركيا بعد مرور سنة على زلزال كهرمان مرعش المدمر، الذي راح ضحيته أكثر من 50 ألف شخص، وأصيب فيه أكثر من 107 آلاف آخرين، في كارثة عُرفت بالأسوأ في المنطقة خلال 100 سنة المنصرمة، بعدما أحدثه من دمار كبير في جميع جوانب الحياة.

وبعد 3 أشهر من الزلزال المدمر، وجدت تركيا نفسها على أعتاب مرحلة انتخابية حاسمة، تتضمن السباق الرئاسي والبرلماني، وهو الأمر الذي استغلته المعارضة للترويج لنفسها على حساب الحكومة، من خلال إلقاء اللوم على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، ومحاولة إقناع المواطنين في الولايات المنكوبة بأن الإخفاقات الرقابية الحكومية كانت سببا رئيسا في تفاقم حجم مأساتهم، محاولة بذلك إقناع المواطنين بأن التغيير السياسي قد يمثل مسارا نحو تحسين مستقبلهم.

عكس التوقعات

وجاءت نتائج الانتخابات على عكس توقعات المعارضة وكثير من المحلليين، ولم يتغير تفضيل الناخبين في منطقة الزلزال، وتصدر الرئيس التركي نتائج الانتخابات في 8 ولايات من أصل 11 ولاية منكوبة في جنوب شرقي تركيا؛ وهي: كهرمان مرعش وأديامان وإيلازيغ وغازي عنتاب وكيليس وملاطية وعثمانية وشانلي أورفا.

وعلى صعيد الانتخابات البرلمانية، فقد فاز "تحالف الجمهور" بقيادة أردوغان في 10 ولايات، في خطوة عدّها محللون أنها تمثل تجديد ثقة بالرئيس التركي وحزبه، ورسالة مؤلمة وجهها الناخبون للمعارضة التركية.

ويرجع ذلك الفوز إلى الخلفية المحافظة والمتدينة لسكان الولايات المنكوبة، كما أن التدخلات الحكومية العاجلة، والوجود المستمر لأردوغان وفريقه الوزاري ومعاونيه فيها، أسهم في تعزيز علاقة الثقة بين الشعب والسلطة التنفيذية، وهو ما منع تأثير الزلزال في ولاء المواطنين لأردوغان، بل جددت هذه الأزمة الثقة في قيادته، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".

الخريطة السياسية

ومثّلت منطقة الزلزال معقلا سياسيا لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان خلال السنوات الماضية، ولم تشهد أي انتخابات منذ 2022 تغيرات في التوجهات السياسية لسكان تلك الولايات، البالغ عددهم 14 مليونا، أي ما يقارب 16% من عدد سكان تركيا.

وفي الانتخابات المحلية في 2019، استطاع "تحالف الجمهور" الفوز بـ9 ولايات في جنوب شرقي تركيا؛ وهي: كهرمان مرعش وأديامان وإيلازيغ وغازي عنتاب وكيليس وملاطية وعثمانية وشانلي أورفا وهاتاي، في حين خسر ولاية أضنة لصالح حزب الشعب الجمهوري، وديار بكر لصالح حزب الشعوب الديمقراطي.

ولم تتغير الخريطة السياسية في منطقة الزلزال كثيرا إذا ما تمت مقارنتها بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2023، إذ شهدت هذه المحافظات تقدما في خدمات البنية التحتية بشكل كبير، وحظي مواطنوها بمشروعات تنموية ملموسة خلال عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم، ما أدى إلى تسهيل حياة المواطنين وتعزيز حركة التجارة، ورفع مستوى الرفاهية الاقتصادية للأفراد.

التوجه العام

وفي إطار تنفيذ الوعود التي قطعتها الحكومة بشأن إعادة بناء المساكن المدمرة خلال سنة من مرور الزلزال، سلّمت تركيا اليوم السبت 3 فبراير/شباط الجاري، مفاتيح منازل اكتمل بناؤها حديثا لآلاف ممّن دمرت منازلهم بعد الزلزال. وكان وزير الداخلية التركي على يرلي كايا قد أعلن في مؤتمر صحفي أمس، عن نية الحكومة تسليم 41 ألف مسكن، و5 آلاف منزل قروي في ولاية هاتاي.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مخطط لبناء 850 ألف وحدة مستقلة في مناطق الزلزال، منها 680 شقة سكنية، و170 ألف محل تجاري، على أن تُسلّم خلال الأشهر القليلة القادمة، في حين لم يُعلن عن خطط تخص الولايات المتضررة من الزلزال في البرامج الانتخابية لدى الأحزاب المعارضة.

ويعبّر الباحث في الشأن السياسي التركي حمزة أوزدمير عن وجهة نظر متفائلة بشأن توجهات الناخبين في المناطق التركية المتأثرة بالزلزال تجاه الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم، في الانتخابات المحلية المقبلة، ويقول "الانتخابات المحلية لا تبدو مقلقة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في مناطق الزلزال، فالنتائج لم تشهد تغيرا ملحوظا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أعقبت الزلزال بـ3 أشهر، مما يشير إلى استمرارية الدعم الشعبي للحزب وقيادته".

ويؤكد أوزدمير أن "الوضع الحالي يبدو أكثر إيجابية للحزب الحاكم، لا سيما بعد مرور سنة على الزلزال، وبعد أن شهد المواطنون بدء أعمال البناء وتنفيذ الوعود الانتخابية، مما عزز قناعتهم بقدرة الرئيس أردوغان وحزبه على تلبية تطلعاتهم".

كما ينتقد أوزدمير موقف المعارضة التي لم تحاول حتى الآن تعزيز حضورها والترويج لنفسها في هذه المناطق، مما يعكس إدراكها لصعوبة منافسة حزب العدالة والتنمية في معاقله التقليدية.

إقرار شعبي

يشكّل موقف المواطنين من أداء الحكومة الحالية عاملا حاسما في اختياراتهم الانتخابية، حيث عبّر أحمد كراتبه، وهو عامل تركي يعيش في كهرمان مرعش، خلال حديثه مع الجزيرة نت عن امتنانه للجهود الحكومية التي بُذلت منذ لحظة وقوع الزلزال، مشيدا بالاستجابة السريعة ومشروعات إعادة الإعمار التي أطلقتها الحكومة.

وأوضح أن رؤيته السياسية لم تتغير بعد زلزال 6 فبراير/شباط الماضي، بل ازدادت قناعته بأن الحكومة التركية قادرة على تحقيق مستوى رفاهية يليق بالمواطنين ومتطلباتهم، مشيرا إلى أن أغلبية سكان ولاية كهرمان مرعش قد يتفقون معه في الرأي نفسه، لا سيما أن الزلزال كارثة طبيعية لا يجب أن يستغلها أحد من أجل مصالحه، بل يجب العمل من أجل تخطي هذه الأزمة، وهو ما فعلته الحكومة.

من جهة أخرى، يجد المواطن محمد ستيلمش أوغلو نفسه متحيرا بين الاعتراف بجهود الحكومة، والبحث عن بدائل قد تقدم حلولا جديدة، ويمثّل موقفه هذا جزءا من الناخبين الذين يقدّرون الإنجازات، لكنهم يظلون متحفظين بشأن التزامهم الانتخابي.

ويعبّر ستيلمش أوغلو عن هذه الحيرة قائلا "من الصعب تجاهل ما أُنجز على أرض الواقع، الحكومة قامت بجهود جبارة، لكن في السياسة، دائما ما تبقى الأسئلة حول ما إذا كان بإمكان الآخرين تقديم المزيد".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!