ندرت أرسنال - يني شفق

كان عنوان إحدى الصحف الكبرى لدينا ـ بدون ذكر اسمها ـ على صفحة السياسة الخارجية: "هجوم إسرائيل على رفح" وبجانبه وبشكل أصغر نسبيًا، ولكن بتصميم يلفت الأنظار، تمّ نشر خبر على النحو التالي:

"كان منزل الوحش النازي أشبه المقبرة، حيث عُثِر على 5 هياكل عظمية عارية مقطوعة الأيدي والأقدام تحت منزل قديم لـ "هيرمان غورينغ"، اليد اليمنى للديكتاتور الألماني أدولف هتلر، الذي كان مسؤولاً عن بناء أول معسكرات الاعتقال. وقد قام علماء آثار هواة كانوا يجرون أبحاثًا في المنزل الواقع في بولندا، بإبلاغ الشرطة بالأمر، وأشاروا إلى أن إحدى الجثث كانت لطفل رضيع، وأنّ جميع العظام بها تظهر تشوهات يُعتقد أنها ناتجة عن التعذيب."

أليس هذا مذهلاً؟

بغض النظر عن صحة أو خطأ الخبر، وتوقيته، وما إلى ذلك، فهناك علامات استفهام هنا أكثر وضوحًا، وينبغي علينا أن نطرح الأسئلة التالية: ماذا تقصدون بذلك؟ هل يجب علينا جميعًا أن نشعر بالخجل لإدانتنا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة بسبب هذه الحادثة المشكوك فيها؟

هذه ليست الحادثة الوحيدة أو الكبرى، فهناك العديد من الأمور التي تجري في الصحافة العالمية، ولكن من المهم أن نتذكر أنّ "زرع الأفكار في العقول" أمر خسيس لكنّه دقيق. وإلاّ فأين يقع بالتحديد خبر حظر إسرائيل لقناة الجزيرة ومنعها من البث في نفس اليوم الذي تستمر فيه الإبادة الجماعية في غزة، في عناوين الصحف الرئيسية؟

البحث عن السلام واستمرار الحرب

إذا شاهد أحد جريمةً ولم يتحرك لمنعها فهو شريك في الجريمة. حينها فقط تصبح الجريمة علنيةً بهذا الشكل، ويصبح المجرم بهذا القدر من الحصانة. لاتسيئوا فهمي، أنا لا أقصد الشراكة الناتجة عن الصمت أو عدم التدخل، بل أتحدث عن المشاركة الفعلية في ارتكاب الجريمة.

فقد بدأت عملية إبادة جماعية جديدة من قبل إسرائيل ضد مئات الآلاف المحاصرين في رفح، والتي استمرت من مساء يوم الإثنين إلى صباح يوم الثلاثاء، بينما أكتب هذه السطور، وسط عرض مسرحي من الجميع قائلين: "أرجوكم لا تقتلوهم، أوقفوا المذبحة، يا له من أمر فظيع".

لكن إذا نظرتم إلى التطورات التي حدثت حتى تلك اللحظة، فسترون أنّ الطرفين كانا على بعد خطوة واحدة من وقف إطلاق النار على الأقل، "بفضل جهود الوساطة الأمريكية الكبيرة والضغوط التي مارستها".

بالتأكيد، إذا نظرتم إلى الأمر بهذه الطريقة، ولكن إذا أمعنتم النظر، فستجدون أنّ العرض الأمريكي لإحلال السلام في غزة هو جزءٌ من العملية الإسرائيلية. وإلا فستجدون أنفسكم مثل "المؤرخين الهواة"، الذين قرأوا عناوين الصحف التركية صباح يوم الثلاثاء عن "اقتراب وقف إطلاق النار" وشعروا بالراحة.

مفهوم جديد: "الإبادة الجماعية المتعددة الجنسيات"

يجب أن نتفق على أن ما يحدث هو "عملية مشتركة وسرية. وإلا فسوف ننظر إلى كل خطوة اتخذتها إسرائيل منذ بداية أزمة غزة بشكل "منفصل" مع الغرب، حيث تضع "مفاوضات، أهداف، وقت، مدة" لوقف إطلاق النار في كل مرة، مثل أخبار "وقف إطلاق النار في رمضان"، ثم تفعل ما تشاء، وننسى نحن ما سبق. هكذا هي الآمال الجديدة، فهي تمحو التجارب السيئة، ثم نتعرض لنفس الحيلة مرة أخرى.

خلاصة القول، هناك جريمة منظمة اسمها "الإبادة الجماعية المنظمة". وهو موضوع جديد للقانون الدولي، لكنه يتطلب وجود قانون دولي من الأساس. وعدم وجوده هو أيضا جزء من نفس الجريمة المنظمة، أكرر القول: إن ما يحدث ليس "تجاهلا" أو "غض طرف"، بل هو مشاركة فعلية في الإبادة الجماعية المنظمة.

هناك أمران يقلقانهم

الأول: أن تُؤثّر تداعيات ذلك على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كانتشار أحداث الجامعات، وتؤثر عليهم. بعد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، أصبحت المملكة المتحدة أيضًا مشمولة بهذا الأمر. خاصةً إذا تحولت إلى موجة "احتجاج" عالمية، فلا يجب أن تتحول إلى حرب إقليمية في الوقت الحالي.

الثاني: بعد أن تفعل إسرائيل ما تريد، يجب أن تصبح المنطقة قابلةً للإدارة مرةً أخرى، ومتوافقة مع مخاوف الأمن القومي لتل أبيب. على الأقل يجب أن تُصبح الأرض مهيأة ومستعدة للالتزام بهذا الخطة مع مرور الوقت. بغض النظر عن شكل الإدارة القادمة في واشنطن، يجب أن يستمرّ الأمر على هذا النحو.

وضع "الدولة التي لن تستعيد طبيعتها"

للأسف، لا يمكننا تجاهل احتمال أن ينتهي بنا الأمر بفلسطين عاجزة، أو حتى مريضة طريحة الفراش، تعتمد في النهاية على إسرائيل. وحتى لو سميت "دولة".

لا أحد يشك في أنّ الولايات المتحدة والغرب لن يتخلّوا عن إسرائيل، بل سيضعون قوتهم العسكرية خلفها إذا لزم الأمر. لقد رآه البعض احتمالاً ضعيفاً، لكننا رأينا ذلك بوضوح عندما هدّد اثنا عشر سيناتورًا أمريكيًا أعضاء المحكمة الدولية برسالة مشتركة، ممّا يُظهر طبيعة الدعم المقدم لإسرائيل. كما أن ذلك بمثابة دليل على "التنظيم الدولي الإجرامي".

عندما نجمع هذا الرابط مع النقطة الثانية المذكورة أعلاه، يمكننا توقع الوجهة المرجوة، بل وحتى توقيت الوصول إليها.

ستنتهي الرفاهية، وستنتهي أوكرانيا، وستُجرى الانتخابات الأمريكية، وستعود المنطقة إلى إيقاع "التطبيع"

كلماتك الأخيرة يجب أن تكون البداية

ربما بعد بضع سنوات، حتى في تركيا، ستجدون أشخاصًا يقولون "لا يمكن أن يستمرّ الأمر هكذا، لا توجد سوى المصالح في العلاقات الدولية، لا يمكننا أن نبقى متخاصمين إلى الأبد، انظروا إلى الخسائر الاقتصادية أيضًا، هل سنستمرّ في التعامل مع اللوبي اليهودي؟" إنّهم يبكون في سرهم الآن، وبعد ذلك سيظهرون بكاءهم أيضًا .

لذلك اقترحنا التفكير في "حالة الدولة التي لن تستعيد طبيعتها". هذه ليست عقوبة، ذلك يعني أنك لا تستطيع أن تفعل ذلك حتى لو أردت. لأنّ أهداف إسرائيل الجيوسياسية لا يمكن أن تنتهي من ناحية تقنية. هذه هي دورتها الحياتية. ستكون الأمور اليوم على ما يرام، ولكن غداً لا مفر من ذلك. كم من الناس يتذكرون الآن دورهم عند نشأة تنظيم "بي كي كي" الإرهابي؟ لقد كلفنا عشرات الآلاف من الأرواح ومليارات الدولارات، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟

لا يبدو أن هناك وسائل لوقف خطة إسرائيل، بل الخطة الموجهة إلى المنطقة أيضاً في الوقت الحالي. وليس هذا ضروريًا أيضاً. نحن لا ندرك ذلك. وظيفة الأدوات هي إصلاح الأعطال المؤقتة. لكنّ ما يحتاجه الشرق الأوسط هو نظام جديد. هذه هي الظروف. إنها موجودة، لقد رأيناها، لكن هل يمكننا استخدامها؟

إن موقف تركيا من الأزمة الحالية صحيح. إنها متقدمة على الجميع. لكن ماذا عن موقفها في هذه الظروف؟ سيصفق لك الجميع لوقوفك في المكان الصحيح في التاريخ. ثم ينظرون إليك متسائلين ماذا ستقول؟

عن الكاتب

ندرت أرسنال

صحفي وكاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس