فايز سارة - مدار اليوم

يبدو بين التحديات الرئيسية والأهم في تركيا اليوم، تحدي الإرهاب والذي كان بين أخطر تعبيراته ماحدث مؤخراً في مدينة سروج، حيث قتل عشرات من الشباب الاتراك ممن كانوا قد اجتمعوا للمساهمة العملية في دعم مدينة عين العرب -كوباني السورية، التي دمرتها حرب بين تنظيم “داعش” وتحالف يجمع وحدات الحماية الكردية وقوات من الجيش الحر، تمخضت عن تدمير شامل. سعى الشباب الاتراك في اجتماعهم في سروج الى اعادة بناء المدينة وعودة الحياة اليها، لكن انتحاريو “داعش” فجروا المكان فقتل من قتل وجرح من جرح.

عملية “داعش” في سروج، فصلٌ في صراع الدولة والمجتمع التركيان مع الارهاب المتزايد الحضور والاتساع في تركيا في الاشهر القليلة الماضية، وكان في فصوله حملات اعتقال وملاحقة من جانب السلطات التركية لعناصر “داعش” في استانبول والعديد من المدن التركية، بينها ازمير وأرضروم وإسبارطة وغازي عينتاب، التي تمخضت احد العمليات عن اعتقال نحو خمسين مشتبهاً بالانتماء الى “داعش”، كما ان عمليات الدهم والاعتقال، طالت اعضاء في جماعات ارهابية اخرى في الفترة الاخيرة بينها عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة “قاعدة الجهاد”.

الاسباب الرئيسية لصعود تحدي الارهاب في تركيا، يكمن في اسباب تخص تركيا، واخرى تتصل بتطورات القضية السورية. ففي الجانب التركي ثمة عوامل تتعلق بالصراعات الداخلية ومنها صراع قومي على نحو مايظهر الامر في الموضوع الكردي الذي شكل احد محاور الارهاب في تركيا منذ اوائل الثمانينات، عندما اسس متشددون اكراد حزب العمال الكردستاني (PKK) ونظموا وقادوا عمليات مسلحة في انحاء مختلفة من البلاد ولاسيما في شرق وجنوب الاناضول بدعم مباشر من النظام السوري في عهد حافظ الاسد، وقد اصيب هذا التنظيم بانتكاسة بعد اعتقال زعيمه عبد الله اوجلان في العام 1998، وان كان بعض التنظيم، مازال مستمراً في عملياته في تركيا.

كما ان بين العوامل الداخلية التركية وجود صراع سياسي يعبر عنه من خلال اللجوء الى العنف، وهو توجه سارت عليه منظمات يسارية متطرفة مثل “جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري” و”الحزب الشيوعي الماوي” المصنفان في عداد التنظيمات الارهابية، وقد شنت ضدهما السلطات التركية اعتقالات شاملة في عدّة مدن تركية في الفترة الاخيرة، وهو ما اصاب التنظيم الذي يقوده فتح الله غولن المعروف باسم “الكيان الموازي” الذي كان هدفاً لاعتقالات واسعة في الاشهر الاخيرة في اطار الصراع الساخن معه باعتباره بين التنظيمات الدينية المتطرفة الموصوفة ب”الارهاب”.

اما في الجانب السوري، فالأمر أكثر تعقيداً. حيث أن تركيا بين دول الممر الى الداخل السوري، بل هي الاهم، الامر الذي جعلها هدفاً لكل عناصر وقيادات التطرف من اجل المرور الى سوريا وبخاصة الذاهبين الى تنظيم “داعش” والى جماعات اسلامية مسلحة، هي الاكثر حضوراً في المناطق السورية المتاخمة للحدود مع تركيا، والتي تزيد عن ثمانمائة كيلو متراً، كما ان الجماعات المسلحة مثل “داعش” واخواتها، سعت لتكون ساحة تنظيم لخلايا لم يستبعد الاتراك من عضويتها، وقد كشفت الاعتقالات الاخيرة لأعضاء في هذه الجماعات، ان وافدين اجانب من جنسيات مختلفة الى جانب سوريين واتراك، كانوا في عداد معتقلي تلك الجماعات.

في ظل توسع وحضور الجماعات المتطرفة والارهابية في تركيا، توالت اتهامات واشارات متعددة داخلية وخارجية حول تساهل السلطات التركية مع تلك الجماعات، وهذا بين الاسباب الدافعة ليس فقط لنفي الاتهامات ضد السلطات التركية، بل لقيام الاخيرة بمهامها للحفاظ على الامن في ظروف داخلية واقليمية ودولية صعبة، خاصة في ضوء ثلاثة حقائق لابد من التوقف عندها:

الحقيقة الاولى، تزايد نشاط التنظيمات الكردية المسلحة في تركيا وفي المناطق السورية المجاورة ومنها وحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا(PYD) والذي تعتبره السلطات التركية امتداداً لخصمها العتيد (PKK)، وتتهمه بمحاولة اقامة كيان كردي في شمال سوريا، وتصنفه في عداد المنظمات الارهابية.

الحقيقة الثانية، وتتصل بجماعات التطرف والارهاب، وقد صنفت تركيا كل من “داعش” وجبهة النصرة في هذا السياق، ورغم ان نشاطها في مواجهة النصرة غير ملموس، فانها اندفعت الى حدود قصوى في مواجهة “داعش” في الفترة الاخيرة للحد من نشاطاته في تركيا وعبرها، مما جعل الاخيرة، تدخل بوابة عمليات الارهاب، ومثالها الابرز ما حدث في سروج مؤخراً، وقد اعلنت السلطات التركية اتهام “داعش” بتنفيذ تلك العملية.

الحقيقة الثالثة، وقد تكون الاهم، وتتصل بنشاطات تقوم قوى اقليمية لدعم الارهاب وجماعاته وعملياته في تركيا. وباستثناء “داعش” التي باتت تمثل قوة تمتد في العراق وسوريا ولها خلايا نائمة في اغلب بلدان المنطقة، فان نظام الاسد في سوريا، اعلن مؤخراً عن جاهزية قوى كردية للقيام بعمليات في تركيا ومنها تهديد السدود المائية في شرق الاناضول، التي يشكل استهدافها خطراً حقيقياً يتجاوز تركيا الى سوريا والعراق، وهذا قد يكون اشارة الى استعادة نظام الاسد علاقاته مع مجموعات من حزب الشعب الديمقراطي الكردي (pkk) وغيرها، وتوظيف هذه العلاقات في خدمة صراع نظام الاسد مع تركيا، ورداً على موقف الاخيرة في مناهضة النظام، كما ان العراق وايران، ليسا بعدين عن الدخول في تغذية الارهاب وجماعاته وعملياته في تركيا بسبب تناقض موقفهما من الصراع السوري مع الموقف التركي.

تركيا التي تواجه اليوم تحدي الارهاب، وما يحيط به من معطيات وتفاصيل، ليست جديدة في مواجهة هذا التحدي. ففي الثمانينات واجهت تركيا الامر نفسه. ارهاب التطرف الكردي الذي اداره (PKK) وارهاب الاقلية الارمنية الذي مثله الجيش السري الارمني “اسالا”، وكلاهما كان مدعوما من نظام الاسد الاب، وكذلك ارهاب جماعات التطرف اليساري الذي نشأ في اطار الصراع السياسي الداخلي ومنه حزب التحرير الشعبي الثوري، قبل ان تدخل ايران على خط دعم جماعات للتطرف والارهاب الديني وتدعم “حزب الله” في تركيا.

ولان استطاعت تركيا مواجهة تحدي الارهاب في الثمانينات ومابعدها بقوتها الذاتية، فان مواجهة هذا التحدي بتلك القوة اصعب بكثير، بفعل التداخلات الاقليمية والدولية، مما يجعل مواجهة هذا التحدي بحاجة الى تعاون ومؤازرة اقليمية ودولية، لكن المفتاح الرئيس في ذلك، يبدأ من معالجة القضية السورية، واخراج سوريا من نفق الارهاب والسلاح الذي يمثله نظام الاسد وجماعات التطرف والارهاب المنتشرة في سوريا وحولها.

عن الكاتب

فايز سارة

كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس