ميسرة صالح - خاص ترك برس

بعد تفجيرات سوروج التي وقعت بتاريخ 20 تموز/ يوليو 2015، تيقّنت تركيا بأنها أصبحت تحت مضرب داعش وفي مرمى هدفها وبعدما قام داعش بالاشتباك مع القوات الحدودية التركية قبل يومين أي  بتاريخ 23 تموز/ يوليو 2015 أصبحت تركيا موقنة بشكل واضح لا غبار عليه بأن الحرب مع داعش قد بدأت، هناك نهج سياسي خاص بالتهديدات الخارجية يقوم على أساس "الضربة الاستباقية  أو الحرب الوقائية والتي تعني بأن يتم بدء الهجوم على التهديدات الخارجية والقضاء عليها قبل أن يصبح تهديدها قريب أو قبل أن تقوم هي بالهجوم ومن الأمثلة على ذلك هجوم اليابان على قاعدة "بريل هاربر" القريبة عليها عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية لتفادي هجومها وإضعافه في حال حدث، وبالرجوع إلى هذا النهج كان الكثير من المحليلين الاستراتيجيين نصحوا تركيا باستباق الهجوم على داعش وبناء منطقة عازلة بينها وبين سوريا لتفادي أي تسلل داعشي لتركيا.

تأخرت تركيا باتخاذ هذه الخطوة وكان ماكان، والأن وفي ظل تحركاتها العسكرية ضد بعض الأهداف داخل حدودها وخارجها، يظن البعض بأن التهديد الذي يحيط بتركيا أو الذي يواجه تركيا هو فقط داعش؛ وهذا خطأ شاسع ولا بد من تعديله أو توضيحه من خلال سرد التهديدات الداخلية والخارجية التي تحيط بتركيا.

ـ أولا ً التهديدات الداخلية الموجودة في تركيا والتي تقوم تركيا بمحاربتها وشن حملات عسكرية وأمنية عليها:

ـ حزب العمال الكردستاني "بي كي كي": يُعد تنظيم بي كي كي أكبر جبهة إرهابية تُهدد تركيا منذ عام 1984 ومنذ تأسيسها إلى اليوم كلفت تركيا العديد من المخاسر المادية والبشرية، حاولت الحكومة التركية بعد عام 2012 استيعاب حزب العمال الكردستاني وإعطاء الكتلة الكردية بعض الحقوق لإنهاء هذا النزاع الذي كلف الطرفين العديد من المخاسر من خلال إعلان "عملية المصالحة الوطنية"، استمرت هذه العملية حوالي أكثر من عامين ولكن بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي حدثت بتاريخ 07 حزيران/ يونيو 2015، وبعدما تبين عدم إمكانية حزب العدالة والتنمية تأسيس حكومة بمفرده بدأ البي كي كي بصرف العديد من التهديدات العسكرية في حين تم التراجع عن أيٍ من المبادئ التي تم الاتفاق عليها خلال مفاوضات عملية المصالحة، كما هدد بي كي كي بإعادة استخدام السلاح في حال لم يتم الإسراع في إرساء المبادئ التي تسرع من سير عملية المصالحة الوطنية، وبدأ بي كي كي يستهدف بعض المواقع العسكرية والأمنية التركية قبل يومين الأمر الذي جعله أحد التهديدات الفعلية لتركيا التي يجب التحرك عسكريًا ضدها لمنع استمرار تهديدها، وهذا ما قامت به تركيا حيث قامت بالتوازي مع ضرب داعش بضرب عدة أهداف للبي كي كي جاثية داخل الحدود التركية.

ـ حزب أو جبهة الخلاص الشعبي الثوري "اليساري المتطرف": حزب الخلاص الشعبي الثوري أو باختصاره اللغوي "دي أتش كي بي جي" هو عبارة عن حزب شيوعي يساري متطرف تأسس بتاريخ 30 آذار/ مارس 1994. ويتبنى الحزب العديد من الأفكار اليسارية التعصبية التي تدعم الثورة الانقلابية على نظام الحكم القائم. ولهذا الحزب عدة أعمال إرهابية قام بها قبل ذلك، ولكن بعد عام 2014 عاد إلى الأعمال الإرهابية بشكل ملحوظ، ومن أشهر هجماته الإرهابية الهجوم الذي قام به على مبني مقر مديرية الأمن في إسطنبول بتاريخ 1 نيسان/ أبريل 2015، مازال الحزب يُهدد أمن تركيا بشكل قوي وفي الفترة الأخيرة، وحتي تقي تركيا نفسها من تحركات هذا الحزب الإرهابي قامت بعدة عمليات اعتقال طالت العديد من قادته وعناصره في جميع أنحاء تركيا.

ـ بعض العناصر النائمة التابعة لداعش: بعد الأزمة السورية فتحت تركيا حدودها أمام جميع المهاجرين من سوريا لتركيا دون سؤال أو استفسار ومن المرجح فإن في الفترة الأخيرة استطاع بعض المنتمين لداعش أو المتعاطفين معها الدخول لتركيا، إلى جانب ذلك هناك العديد من المواطنين الأكراد أنفسهم الذين أصبحوا المتعاطفين مع داعش وبشدة والبعض منهم أصبح أحد عناصرهم وأكبر دليل على ذلك هو أن الذي قام بتفجير سوروج الأخير هو المواطن التركي "شيخ عبد الرحمن ألا غوز"، كان هناك العديد من هذه العناصر النائمة "الأجنبية والتركية" التي تم  اعتقالها في الفترة الأخيرة ضمن حملة الاعتقالات الأمنية التي شنتها تركيا ضد هذه العناصر.

ـ "الكيان الموازي": هذا التهديد حدده وزير الداخلية التركي صباح الدين أوزتورك الذي أفاد بذلك خلال تصريحات صحفية له عقب تفجيرات سوروج حيث أشار أوزتورك إلى أن "الكيان الموزاي سبب فراغًا كبيرًا في المعلومات الاستخباراتية الخاصة بتركيا من خلال تعطيله العديد من العمليات الاستخباراتية خلال فترة تغلغله داخل كيان الدولة، لذا يجب علينا موازة هجومنا ضد داعش بحملة استخبارات داخلية قوية لكشف أصغر عنصر تابع للكيان الموازي متغلغل داخل أجهزتنا الأمنية الحساسة".

أما التهديدات الخارجية فيمكن تحديدها بالشكل التالي:

ـ تنظيم الدولة (داعش): داعش منذ اليوم الأول لسيطرتها على الموصل والمناطق المحيطة بها في شمال العراق والرقة والمناطق المحيطة بها في شمال سوريا وهي تُعد تهديدًا خطيرًا واستراتيجيًا لتركيا، خاصة لمجاورتها المباشرة لتركيا وأفكارها التعصبية حيث شكلت تهديدًا جغرافيًا وفكريًا لتركيا. ومنذ اليوم الأول لسيطرة داعش على شمال العراق والعديد من المحللين الدوليين والمحليين يدعون تركيا لسلوك نهج الضربة الوقائية للتخلص من داعش ووقف تمددها، وهذا ما أرادته تركيا منذ اليوم الأول ولكن حتى لا تركيا في مستنقع دامس الظلام تأنت وحاولت إقناع التحالف الدولي بقبول شروطها حتى تدخل التحالف وهي إقامة المنطقة العازلة والقضاء على نظام الأسد وإقامة نظام حظر على طيران نظام الأسد، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تأخرت في الاستجابة لشروط تركيا الأمر الذي عطل تدخل تركيا العسكري السريع ضد داعش ولكن بعد تفجيرات سوروج وإعلان تركيا نيتها الجادة لضرب داعش على الفور بادرت الولايات المتحدة على الفور بإجراء اتصالاتها مع تركيا ودعمتها في حربها ضد داعش واقترحت العمل المشترك من خلال سماح تركيا لأمريكا استخدام قاعدة "إنجيرليك" العسكرية الجوية مقابل التفاوض على أعلى المستويات للاتفاق على حل مشترك لسوريا.

ـ حزب الاتحاد الديمقراطي "البي يي دي": تأسس حزب بي يي دي الكردي في مدينة قامشلي عام 2003 بقيادة صالح مسلم محمد، وكان الهدف الأساسي من تأسيسه الدفاع عن حقوق المواطنين الأكراد ضد نظام الأسد وقواتها، ومع انطلاق الثورة السورية وفي تاريخ 19 تموز/ يوليو 2012 أعلن الأخير استقلال شمال سوريا كإقليم كردي مستقل، ومنذ اليوم الأول لإعلان بي يي دي استقلاله وتركيا معترضة على هذه الخطوة بدعوى أنها تهدد وحدة سوريا واستقررها المستقبلي، وفي حقيقة الأمر الخطر ليس على وحدة سوريا فقط بل على وحدة تركيا أيضًا، حيث يمكن لاستقلال بي يي دي الذاتي أن يشجع حزب العمال الكردستاني على إعلان الحرب حتى تأسيس دولة مستقلة وطلب الدعم من الأحزاب الكردية المسلحة وعلى رأسهم "بي يي دي"، الأمر الذي يهدد أمن تركيا واستقرارها السياسي.

ـ نظام الأسد: الكثير من التفجيرات الإرهابية حدثت في تركيا بعد انطلاق الثورة السورية ودعم تركيا لها، مثل؛ تفجيرات ريحانلي في ولاية هاتي الواقعة على الحدود مع سوريا والتي حدثت بتاريخ 11 أيار/ مايو 2013 والذي راح ضحيتها 43 شخص وجرح بسببه 143 شخص، والكثير من الأدلة كانت تبين وقوف نظام الأسد وراء هذا الهجوم، كما أن تهديدات نظام الأسد الإعلامية لتركيا كانت عديدة آخرها تهديدات الأسد نفسه الذي جاءت ردًا على نظام تحركات تركيا العسكرية حيث هدد الأسد تركيا بالرد الموجع نتيجة لهجومها داخل الحدود السورية.

تقع تركيا في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد بجوار العراق وسوريا، ويُعدّ تأثُّرها بالعديد من التهديدات المحيطة بها أمرًا طبيعيًا في العالم الجيوسياسي، ولكن في ظل هذه التهديدات يجب على تركيا شد الحزام في التصدي الجاد لها.

عن الكاتب

ميسرة صالح

مهتمة بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس