أنور القاسم - خاص ترك برس

عدة أمور أساسية مهمة تخدع بها شعوبا وليس شعبا وهي تدور حول صناعة المعلومة وترويجها، وتتشارك فيها: المؤسسات، والجمعيات، والخبراء، والدراسات، والتقارير، والإعلام، وإشاعة الفوضى.

عادة ما يصدر عن هذه المؤسسات لا يناقشه الجمهور وخاصة في حالة الفوضى، ففي الفوضى يكون المجتمع قابلا للتلقي الإشاعة وتطبيق أي مشروع على أنه يحمل سمة الخلاص مهما كان ذلك المشروع غبيا وساذجا.

وحين تجتمع كل هذه الآلات الحربية على أُمّة فاعلم أن الخطب كبير وأن الحرب على أوجها.

مدفعية الذرائع

لكي تشن الأمم الكبيرة أو الطغاة أي عدوان لا بد لها من ذريعة تتحرك من خلالها وتكسب منها الشرعية. ولاستهداف شعب ما لابد من خطوات عليك البدء بها، وتكمن أهميتها في أنّها تُشعِر الشعب المستهدف بالإثم أولا وأخيرا في كل ما يحدث له:

- استثمار حدث درامي أو صناعته وتضخيمه.

- استهداف الشعب واعتباره آثمًا بأكمله من الناحية الإعلامية.

- التركيز على أن الشعب هو المسؤول عن النتائج وحتى عن أخطاء الآخرين التي تصيبه.

- استهداف ثقافة الشعب واعتبارها هي السبب في أفعال الشعب ويجب تغييرها ليعم السلام أو خلع أظافره نهائيا.

- الترويج الحكومي يستثني الأبرياء، فهو يستثنيهم بالكلام ويستهدفهم بالسلاح تحت شعار لا تقف في وجه الإعصار، لا تقف في وجه العدالة.

- العمل على شق صف الشعوب وإذكاء الصراع فيما بينها لكي يستمد الطغاة المطاولة.

ومن هنا يتحول الشعب المستهدف الى شعب معذب وتتحول الشعوب الأخرى إلى جنود تزيد نكالا بعدوها المفترض حتى يتحول الشعب المستهدف إلى مرحلة جلد الذات.

مثال قديم حي ومستمر الى قيام الساعة

قبل كل شيء لا بد من أن نذكر أن قلة الوعي أو تشوه الوعي لدى الأمم يجعلها فريسة لتلك الألاعيب القذرة.

ومن أبرز تلك الألاعيب خضوع صورة الإسلام في عقولنا إلى عمليات تجميل أضرّت في حقيقتها وانعكست بشكل سلبي، بينما جاءت تلك العمليات التجميلية على شكل علاج للصورة المشوهة التي يسعى الغرب إلى زرعها في مخيلتنا.

إلا أن الأمر أصبح لا يقل سوءًا في حقيقة الأمر في شخصيتنا الإسلامية، فالإسلام ليس مجرد قصص وحكايات كما يتعامل معه المسلمون اليوم بل تعاليم وطريق ومنهج يسير قدما نحو هدف محدد وصريح محدد الأعداء والأولياء، وأي تغيير ولو كان بحسن نية سيضر به أشد الضرر.

فأصبحنا نسمع عن الإسلام دين التسامح والمحبة والسلام ولم نعد نسمع عن ما يحمي كل ذلك من القوة والقصاص، وذلك بسبب التركيز على أحداث دون أخرى في التاريخ الإسلامي مظهرة لنا الجانب الرقيق من الإسلام دون الجانب القوي.

ومن العجيب أن تجد هذه اللعبة تتكرر بشكل فعال ففي كل سنة يقوم البابا بالتهجم على الإسلام ويقول إنه دين نشر بالدماء أو بالسيف فينتفض المسلمون ناكرين ذلك ليخرج الخطباء والوعاظ قائلين: بل إنّ دين الإسلام نُشِر بالحب والحنان والدعوة.

ثم يعتذر البابا قائلا: لقد قرأت النّص سهوًا.

ولكن المخطط قد وصل إلى ما يريد.

فقد أصبح المسلمون أكثر تمسكا بالسلام من الغرب الذي ينشر مشروعه أو سلطته بالدماء بينما المسلمون مستمرون بإثبات عكس ذلك كمن يقول اقتلني لأثبت لك أنني لست قاتلًا.

بمعنى أن العكس الذي نحاول إثباته هو الهدف الغربي الأسمى وهي عقدة نفسية منتجة للأفعال التي لا تصب إلا في صالح الغرب.

العقدة النفسية عند المسلمين

يشعر المسلمون اليوم بعدة عقد نفسية، أحدها تسمى "تشويه صورة الإسلام"، وهذه العقدة أصبحت تُكتّفهم وتشعرهم بالنقص من أي عمل فردي ذي طابع عنيف يقوم به أي إنسان مسلم ولو نسب زورا.

فالمجتمع المسلم صارت تنطلي عليه اللعبة الإعلامية، فما يقوم به أي مسلم من عمل انتقامي ضد الغرب المعتدي تصرخ آلة الإعلام الغربية وسواها قائلة: "إنه مسلم متطرف". أما العمل المثيل الذي يقوم به أي إنسان في العالم على ألا يكون عدوا للغرب  فيُدعى "عمل عنصر" أو "متمرد" أو "عملًا خارج القانون"، لا يوجد تعبير مماثل "مسيحي متطرف".

ورغم أن المتطرفين الإسلاميين كما يسمون لم يقتلوا حتى الآن من المسيحيين عشرة آلالاف بينما قُتِل من المسلمين بسبب احتلالهم للعراق وإدارة الصراع في الشرق الأوسط أكثر من أربعة ملايين إنسان ناهيك عن التهجير والتشريد، ومع هذا لا يوجد خوف مسيحي من تشوه صورة المسيحية في العالم ولا نسمع عن التطرف المسيحي في أي قناة عربية أو عالمية!.

اذكر حادثة الفلم المسيء للنبي صلى الله علية وسلم

صار المثقفون من المسلمين ينصحوننا بعدم الالتفات لهم وتجاهلهم تمامًا لأننا بذلك سننشر ذلك الفلم من خلال الضجة، كما أن أي عمل إرهابي مخيف "سيشوه صورة الإسلام" أمام العالم؟.

وتجد أن الدُّعاة أيضًا لا يملكون إلا الفعل ذاته، ناهيك عن موقف الدول العربية والإسلامية المائع.

كيف رد السُّلطان عبد الحميد الثاني على الإساءة

عملية الإساءة  للنبي صلى الله عليه وسلم في الأراضي الغربية ليست جديدة أبدا، فقد ذكر التاريخ أن السلطان عبد الحميد الثاني لبس ملابس الحرب وأعطى الإشارة لجيشه بالاستعداد إنذارًا للدخول في معركة كبرى مع فرنسا، كرد يسبق عرض مسرحية مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه استقدم السفير الفرنسي قبل ذلك.

عندما دخل السفير الفرنسي صُعِق من منظر الحزم في وجهه وارتدائه البزة العسكرية وهو في حضرة السلطان.

فقال السفير الفرنسي: سيدي وصلت الرسالة.

وما حدث بعد ذلك هو أن المسرحية لم تر النور إطلاقًا.

يكتب المدونون من المسلمين على شبكات التواصل أن إسلامهم أصبح غير محترم بسبب التخويف الذي يمارسه، بينما العالم يثبت لنا دائما أنّه لا يحترم إلا الأقوياء. لا يحترم إلا من يخافه.

سيكولوجية الشعوب المسلمة في التعامل مع هذا الواقع

في الوقت الذي نسمع المجملين لصورة الإسلام وهم يصرخون عاليا أن الإسلام نُشِر بالكلمة لا بالسيف ردا على ما يقوله الغرب أن الإسلام نشر بالسيف، كان الغرب يعيب ذلك على الإسلام، وهو ذاته ينشر ديمقراطيته بالسيف، ولا سبيل مطلقا لنشر أي فكر من دون الكلمة والسيف الذي يحميها من الزوال ويحارب أعداءها ويفتح الطريق أمامها لكي تصل رسالتها إلى أبعد رقعة.

ولكن هذا الدفاع المستميت من الجمهور الإسلامي المنافي للحقيقة بأن الإسلام نشر بالدعوة فقط لا يقف عند حد التجميل لصورة الإسلام بل يصل إلى مرحلة تحويل جنسه تماما لكي تصبح صورة الإسلام صورة مختلفة تماما تمدنا بتعاليم مخذلة ومثبطة للعزائم.

هذا الاندفاع الجمعي في المظاهرات والإعلام المدافع عن صورة الإسلام يتحول إلى سلوك وقناعات راسخة بل وعقيدة أيضا فيصبح السلام أحد أركان الدين ويصبح دفع العدو الصائل تطرف.

فيقوم الغرب بصفعنا واحتلال أراضينا، ومقابل هذا لا بد لنا أن نتعامل بسلمية الإسلام المطلقة - التي ادعيناها  تجميلا - ولا مانع كما يقول العلماء الجدد من تحرير أراضينا ولكن بطريقة صديقة للبيئة بالكلمة أو بالدعاء ولكن بدعاء لطيف جدا ورومانسي.

ثم إذا قام منا من يحاول ضرب اليد التي صفعتنا أو اعتراضها صرخ الغرب وصرخنا معهم كالببغاوات "هذا هو الإرهاب الإسلامي وها هم المتطرفون"، وينساق المجتمع المسلم دون وعي إلى لوم ذلك الثائر مستحضرين ذلك الكم الهائل من التعبئة التي انصبت علينا صفة الإرهاب على الإسلام.

لنعترف أن للغرب استراتيجية نفسية عالية الدهاء تتعامل بها مع المسلمون في العالم تجعل من الشعوب الإسلامية تأكل الصفعات، وعوضا عن ردها قائلين لأنفسهم "اصمتوا فنحن السبب في كل ما يجري"، ولكن أيضا نحن نمر في حالة جهل مركب عن من نكون وماذا نريد وماذا ومن هم أعداؤنا وماذا نريد.

استراتيجية شمولية الاتهام لها بعدين في التعامل

من المنافع التي تجنيها أمريكا مثلا حين تتهم الشعوب المعادية كلها بارتكاب ذلك الفعل الجزئي:

أولا: إضعاف موقف الشعب المعادي أمام نفسه.

ثانيا : تأليب الشعوب الأخرى، ومن هذه الاستراتيجية يستمد الطغات قدرتهم على ديمومة الصراع وعدم استنزافهم بمفردهم.

بناء المصطلح في وعي الجمهور

من المُسَلّم به أن المصطلح يروج عن طريق الإعلام بأنواعه، ومع التكرار يتحول مع الوقت إلى شيء من المسلمات الثقافية، ورغم مطاطيته وفراغه من الداخل إلا أنه ينتشر لأن الجمهور لا يصغي ويحلل، بل يخدعه المشهد والصورة. والصورة ستدعم المصطلح المروج وتغذّيه في مخيلة الجمهور، ولا بد لها من عدة آليات:

- أخذ المشهد من الناحية الإنسانية دون الذهاب إلى السبب.

- تكرار الحديث وتنويع التكرار بطريقة ذكية نحو المصطلح.

- إدانة الحدث من خلال الجمعيات والمؤسسات والجهات غير الرسمية والرسمية والإعلام والفنانين وهلم جرا.

- الترويج للأفضل في من هو مسالم.

- العمل على التجييش ضد عدو محدد وصغير من الناحية الإسمية ولكنه رأس القوة، والبريء من يتنحى جانبا عن بطشنا.

- الاعتذار عن الجرائم التي يرتكبها الغرب تجاهك في الحرب وتحجيمها إعلاميا واعتبارها خطأ فردي.

- الترويج المستمر على أن الذنب الأول هو ذنب البادئ والبادئ يدفع الثمن بدون أي انقطاع أو سداد.

وهكذا تستمر دوامة الخداع حتى نصحو من فخ المصطلحات الرنانة.


* ملاحظة: لا يستطيع الجمهور التفريق بين الحالة الشمولية والحالة الجزئية، لذلك يمكن خداعه والتلاعب به من هذا المنطلق، وقلب المعايير من خلال التحكم بالإعلام بصورة نفسية، واعتبار الحالة الجمعية فردية وبالعكس أيضا.

عن الكاتب

أنور القاسم

كاتب في شؤون الإبداع


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس