عاكف إمره – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

هناك فرق بين الهجرة واللجوء، وفرق بين أنْ تكون لاجئا، أو أنْ تكون مهاجرا، وأرض الأناضول هي أرض المهاجرين، وبما أنّ أرض الأناضول استقبلت المهاجرين بمختلف ألوانهم وأصولهم، وانصهر المهاجرون مع أبنائها، فإنّها أصبحت موطنا للهجرة.

وليس كل لاجئ مهاجر، وبما أنّ تركيا استقبلت المهاجرين من جزر القرم، وأصبحت موطنا للشركس، واستقبلت مهاجرين من القوقاز، ومن البلقان، وحتى من جزيرة كريت، وحتى إننا نستطيع شمل أيضا المهاجرين القادمين من الأندلس، في ذلك الوقت لم تكن الأناضول فقط موطن هجرتهم، وإنما كانت الأراضي العثمانية كلها موطنا للمهاجرين القادمين من الأندلس منذ بداية القرن السابع عشر لتستقبل المورسكيون.

والمهاجر هو من قام بفعل الهجرة، وهجرة من اضطر من المسلمين إلى بلاد إسلامية أخرى، وثبات حق الهجرة لهم، وفي مقابل ذلك إدراك الدول الإسلامية لوجوب استقبال المهاجرين، هو مسؤولية متبادلة بين المضطرين والدول الإسلامية الأخرى، وهذا من أبرز سمات أمتنا الإسلامية، ولهذا استطاع المهاجرون القادمون من البوسنة، ومن الشركس، والتتار والألبان، وبرغم اختلاف مشاربهم ولغتهم وأصولهم، إلا أنهم استطاعوا الانصهار في مجتمع الأناضول، ليكون موطنا لهم، وليكوّنوا شعور أمة مشترك على أرضنا.

أصبحنا اليوم في خارطتنا الذهنية،  لا نميز بين مصطلحات المهاجرين واللاجئين والهاربين، لكننا علينا أنْ ندرك أنّنا كدولة إسلامية، يجب علينا أنْ نفتح أبوابنا لكل إنسان يعيش وضعا صعبا يضطر فيه إلى طرق أبوابنا، وربما هناك فرق بسيط بين ذلك وبين أنْ يهاجر إلينا مسلمون، وهذا الفرق يتمثل بأنّ الأناضول كانت دوما وطنا لقوافل المهاجرين، ولذلك أصبحت دارا للإسلام.

ودار الإسلام فتحت أبوابها دوما لمئات آلاف المهاجرين القادمين إليها، وقدمت التضحيات العديدة في سبيل ذلك، وسبب قدوم هؤلاء المهاجرين للأناضول هو بحثهم عن العيش في مجتمع مسلم، ولهذا جاؤوا مهاجرين من القوقاز ومن البلقان وحتى من بلاد الأندلس إلى أرض الأناضول، وهذا هو قدر هذه الأرض.

واليوم لا أدري لماذا يتم وصف السوريين بأنهم لاجئين، هل لأننا تخلينا عن وصف وطن الهجرة، أم لأنّ هذا المفهوم قد مُسح من أذهاننا؟ وإذا ألقينا نظرة على المفاهيم الغربية المتعلقة بالموضوع، سنرى أنّ الاتحاد الأوروبي والأنظمة العلمانية تضع هذه المصطلحات طبقا للمفاهيم الاقتصادية بالدرجة الأولى، والفرق بين (Refugee) و) immigrant) يعكس هذه النوايا، ويتصرفون بصورة مغايرة بين اللاجئين القادمين إلى بلادهم بسبب الحروب أو الأزمات، وبين اللاجئين القادمين بحثا عن المواطنة.

يعتبرون أنفسهم أسياد الإنسانية، إلا أنهم يحرصون كل الحرص، ويقومون بكل شيء من أجل منع اقتراب اللاجئين من حدود روما المقدسة، ويستثنون من ذلك أيادي العمل الرخيصة التي يريدون تشغيلهم في بلادهم، وبرغم أنّ معايير العلمانية ليست كذلك، إلا أنّ التمييز على المستوى الرسمي والثقافي حاضر دائما.

وهذا الأمر مرتبط بصورة مباشرة بمصالح دولهم، وبأسلوبهم الاستعماري، وهم يقومون بذلك بتعابير لطيفة، وبقوانين غير مكتوبة، لأنهم يريدون تحقيق حالة من التوازن الحساس بين الهجرة وبين الرغبة في جلب العاملين.

وقد أعلنت كلا من سلوفاكيا وجمهورية التشيك بوضوح عن نيتهما هذه، فقالوا نحن سنستقبل اللاجئين المسيحيين فقط، وهذا تمييز واضح، لكن السؤال هنا، لماذا لا يأتي المسلمون الذين يعيشون في بلادهم الإسلامية المشتعلة فيها الحروب، والتي تعيش حالة فوضى، لماذا لا يأتون إلى دول إسلامية، بدلا من أنْ يخاطروا بحياتهم من أجل دخول حدود روما الجديدة؟

هناك سببان: إما أنهم تخلوا عن صفة أنْ يكونوا مهاجرين، أو أنّ بلادنا لم تصبح موطنا للهجرة، وإذا أصبحنا فعلا ميناء آمنا للاجئين المسلمين، فسبب عزوفهم عنا سببه الحقوق الاقتصادية فقط، وإذا لم ندرك الفرق بين المهاجر واللاجئ، فهذا يعني أننا فقدنا وصف موطن الهجرة، وحتى لو كنا نستضيف السوريين بالملايين، إلا أننا ما دمنا ننظر إليهم بصفتهم لاجئين، فهذا لا قيمة له.

عن الكاتب

عاكف إمره

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس