محمد يسري - ساسة بوست

بعد مشاهدة سبع حلقات من المسلسل التركي التاريخي (قيامة أرطغرل)، أود أن أضع بعض التعليقات والملاحظات عليه:

1- المسلسل يتناول فترة لم تسلط عليها الأضواء بشكل كاف في التاريخ الاسلامي، وهي فترة القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي.

تواكبت تلك الفترة مع تفكك الدولة الأيوبية وأفول نجم الإمبراطورية السلجوقية وزيادة عدد الحملات الصليبية الكاثوليكية وفي الوقت ذاته اضمحلال الإمبراطورية البيزنطية .

2- يتعرض المسلسل لمسألة - نادرًا ما تمت إثارتها في الكتابات التاريخية المعاصرة والأعمال الفنية التاريخية – وأقصد بها (الهجرات التركمانية)، تلك الهجرات التي أدت إلى حدوث تغيرات جذرية كبرى في مصائر المنطقة خصوصا والعالم برمته بشكل عام.

3- من الواضح أن المسلسل قد تم إنتاجه بدعم من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، فمجرد اختيار تلك اللحظة التاريخية لتسليط الضوء عليها يتماشى مع سياسة الحزب الواضحة في إحياء التراث العثماني، والرجوع للهوية الإسلامية وهو الأمر الذي ظهر جليًّا في عملية نقل رفات سليمان شاه في فبراير من العام الحالي.

4- أي مقارنة ستحدث بين مسلسل قيامة أرطغرل والمسلسل الأشهر القرن العظيم (الذي عرف في البلاد العربية باسم حريم السلطان)، هي مقارنة غير منطقية وغير مقبولة
فالمؤثرات البصرية والسمعية والدراما الرومانسية التي جذبت قطاعا كبيرا من المشاهدين إلى حريم السلطان، لا تتواجد بالشكل نفسه في قيامة أرطغرل وذلك لأن الواقع التاريخي مختلف في الحالتين، فالقصور العامرة والملابس الفاخرة في الأول تم استبدالهما بالخيام المتواضعة والملابس البسيطة في الثاني.

وكذلك فإن الحكايا والقصص المتشعبة المرتبطة بالحريم ونساء القصور في حريم السلطان، تم استبدالهم بقصص رومانسية بسيطة ساذجة في قيامة أرطغرل.

وتلك الاختلافات تظهر من اختلاف الحالة والواقع؛  فالامبراطورية العثمانية في حريم السلطان تختلف عن القبيلة التركمانية البسيطة في قيامة أرطغرل، وسليمان القانوني الذي كان أقوى رجال الأرض نفوذا في زمنه يختلف كثيرا عن سليمان شاه، ذلك الزعيم القبلي المحلي الذي يحاول أن يعثر على موطن جديد لقبيلته .

5- هناك مبالغة في تصوير قوة المقاتل التركي وشجاعته ومهارته القتالية،  في نفس الوقت الذي يظهر فيه فرسان الصليبيين من الداوية والاسبتارية بشكل ضعيف.

وبالرغم من علامات الاستفهام التي قد تثيرها تلك المسألة إلا أنه يمكن أن نتغاضى عنها إذا ما وضعنا في الاعتبار ما تقوم به هوليود في أعمالها، فعلى سبيل المثال نجد أن المبالغة في إظهار قوة أرطغل لا يمكن أن تصل إلى ما شاهدناه من قوة الفارس الصليبي (أورلاندو بلوم) في فيلم مملكة الجنة لريدلي سكوت أو القائد الروماني (راسل كرو) في فيلم المصارع للمخرج نفسه.

6- إن المتتبع للأعمال التاريخية في المنطقة يجد أن هناك نمو كبير لتلك الأعمال في كل من (إيران) و (تركيا) فقد أصبحت تلك الأعمال ذات أهداف أبعد بكثير من المناولة البسيطة والترف الفكري الموجه في الأساس للمثقفين والنخبة.

ففي إيران نجد أن الأعمال التاريخية الدينية تحتل مكانًا مرموقًا في الاهتمام والميزانيات المخصصة للأعمال الابداعية، ويشهد على ذلك فيلم (محمد رسول الله) الذي يتم عرضه حاليا، والذي بلغت تكاليف إنتاجه 40 مليون دولار.

وكذلك فيلم (القربان) الذي يتناول أحداث استشهاد الحسين عليه السلام في كربلاء، والذي من المقرر أن يتم عرضه قريبا.

وبالإضافة إلى تلك الأفلام، فقد تخصصت إيران في إنتاج المسلسلات الدينية التاريخية مثل (مختارنامة – غريب طوس – إمام الفقهاء) أما تركيا فنجد أن الكثير من الأعمال الفنية بها قد أصبح في اتجاه الخط الديني القومي.

ومن ذلك فيلم (محمد الفاتح) الذي تناول قصة فتح العثمانيين للقسطنطينية في عام 1543م.

إذن فان جناحي العالم الإسلامي (الفرس والأتراك) يحاولون قدر استطاعتهم إبراز هويتهم عن طريق الأعمال الفنية التاريخية.

فما بين الهوية الفارسية الشيعية، والهوية السنية التركية، تحدث حالة من الصراع التاريخي- الفني ، بينما يتغافل العرب عن الدخول إلى ذلك المضمار متذرعين بأعذار واهية ضعيفة، مثل ضعف الإمكانيات المادية وعدم وجود مساعدات من أجهزة الدولة… والحقيقة أن السبب الرئيسي في ذلك هو غياب الوعي وفقدان الهوية.

عن الكاتب

محمد يسري

مهندس كهرباء، حاصل على ليسانس اداب قسم تاريخ عام 2011، حاصل على ماجيستير في التاريخ الاسلامي عام 2015، كاتب في موقع الحوار المتمدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس