مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

قبل أيام شرعت الأحزاب التركية في عرض برامجها الانتخابية على المواطنين الأتراك، استعادا لانتخابات فاتح نوفمبر/ تشرين الثاني، وتتنوع طرق عرض البرامج والوعود الانتخابية من مخاطبة الجمهور مباشرة إلى كتب ومذكرات شارحة للبرنامج والنشرات التلفزيونية الخاصة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الطرق المتنوعة، وهذه البرامج كلها تسعى لخدمة المواطن التركي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار والأمن.

إلا حزب واحد، يختار تقديم برنامجه الانتخابي الدموي عبر طريقة همجية لا تسعى إلى حياة أفضل للمواطن التركي، بل تريد أخذ حياته وحرمانه من الأمن والاستقرار والسلم، هذا الحزب هو "حزب الإرهاب".

في كل مناسبة يقترب فيها العرس الانتخابي بتركيا، يختار حزب الإرهاب تقديم برنامجه التخريبي الدموي عبر إزهاق الأنفس ونشر الأشلاء في ساحات المدن التركية، في انتخابات 7 حزيران الماضية كان تفجير ديار بكر  المادة الأساس لهذا البرنامج، والذي حقق هدفه في ترجيح كفة حزب الشعوب الديمقراطي في المناطق الكردية، ومعلوم من كان وراءه ولصالح من نفذ.

و على الساعة العاشرة صباحا من يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، عرض حزب الإرهاب برنامجه بالطريقة نفسها، لكن مع حمولة رمزية أكبر سواء تعلقت:

- بالمكان: العاصمة أنقرة، قرب المحطة الرئيسة للقطارات الغير المحصنة بدل الميدان المؤَمنُ الذي كان مقررا للمظاهرة.

- المناسبة: مظاهرة لبعض مؤسسات المجتمع المدني و النقابات تدعم السلام وتشجب الإرهاب.

- بالمستهدف: تجمع لمتظاهرين أكراد ويساريين معارضين للحكومة التركية.

-  بالزمان: اقتراب موعد انتخابات فاتح نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد عودة أردوغان من زيارة ناجحة لليابان.

-  بالسلاح: عبوات "TNT" مدعوم بكرات حديدية شبيهة بعبوات تفجير سروج الإرهابي.

- بالإعلان عن التفجير: حيث تنبأ أحد قادة حزب الشعوب الديمقراطي  بوقوع تفجير أنقرة عبر تغريدة له.

وحصيلة هذا العرض الدموي:"95 قتيل و186جريح من بينهم رجال شرطة"، و تعتبر هذه الحصيلة أكبر حصيلة لتفجير إرهابي وقع في تاريخ الجمهورية التركية.

غاية تفجير أنقرة المروع واضحة، هي محاولة حزب الإرهاب بفروعه الداخلية والخارجية التأثير على القرار السياسي التركي وإرادة الناخبين الأتراك، وخلق فوضى سياسية طويلة الأمد، والتي ظهرت بوادرها بعد انتخابات 7 حزيران/ يونيو، فالهجوم يستهدف وحدة وسلام تركيا ويرمي إلى زرع الفرقة والفتنة الطائفية بين مكونات المجتمع التركي، ومعاقبة تركيا على انحيازها للثورة السورية ورفضها للامبالاة الدولية للقضية اللاجئين السوريين، ومواقفها الرافضة للإملاءات الخارجية.

تفجير أنقرة له علاقة مباشرة بانتخابات الشهر المقبل وبالتطورات الإقليمية الحالية.

أما علاقته بالانتخابات المقبلة: فحزب الإرهاب يظن أنه بهذه التفجيرات الإرهابية الجبانة سيمنع حزب العدالة والتنمية التركي من الحصول على الأغلبية المطلقة والحكم لوحده مرة أخرى، هذه المغامرة اليائسة منه تدل على نجاح الحكومة التركية في حربها ضد الإرهاب، وخصوصا حملاتها العسكرية على مواقع بي كي كي الإرهابي، والخسائر المادية والبشرية والمعنوية التي ألحقتها هذه الحملات بالمنظمة الإرهابية.

أما علاقته بالتطورات الإقليمية: فالقوى المناهضة لـ "تركيا الجديدة" تحت قيادة الرئيس أردوغان والحكومة التركية يقلقها موعد فاتح نوفمبر/ تشرين الثاني، لأنها متأكدة أنه موعد ستخسر فيه جولة مهمة في معركتها مع "مشروع تركيا 2023" عبر صناديق الانتخابات، لذا تجرب مرة أخرى سلاح الإرهاب والقتل وسفك الدماء لعلها تنال من هذا الإصرار التركي القوي الذي يرهب قوى إقليمية وعالمية، ويجعلها تخاف على مصالحها ونفوذها بالمنطقة.

الحقيقة أن تركيا تدفع ثمن حملتها الناجحة ضد الإرهاب ، فخروج الأتراك في مظاهرات كبيرة في عدة مدن تركية ضد الإرهاب والإرهابيين، وتجمعهم المشهود في مظاهرة : "ملايين الأنفاس صوت واحد ضد الإرهاب" في اسطنبول وغيرها من المدن التركية والأوروبية، كان رسالة واضحة قوية أن الأتراك لن يصوتوا لحزب الإرهاب ولن يتعاطفوا معه تحت أي مسمى ولو كان ظاهره حزب سياسي وحقيقته وجه سياسي لمنظمة  "جبال قنديل" الإرهابية.

إن الأحداث المتلاحقة والمنظمة ضد تركيا،ابتداء من اعتصام تقسيم وطلبات إنهائه والتي تمحورت كلها على إلغاء المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية، ثم أحداث الكيان الموازي والتي سعت في نفس هدف أحداث تقسيم، ثم خطة ضرب المصالحة الوطنية عبر قضية عين العرب – كوباني وتفجيرات سروج وإرهاب حزب   بي كي كي الإرهابي ثم  توظيف نتائج انتخابات 7 حزيران/ يونيو في ضرب الاستقرار السياسي بتركيا، كل هذه الأحداث تهدف قوى الفساد والإرهاب منها إلى إعادة تركيا إلى مرحلة ما قبل حزب العدالة والتنمية، مرحلة وصاية العسكر والقوى الخارجية على مقدرات الدولة والقرار السياسي التركي، إعادة تركيا إلى بيت الطاعة الغربي، والهدف الأكبر هو إعادة تخطيط المنطقة قبيل نهاية زمن "معاهدة سايكس-بيكو" سنة 2017.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس