جلال سلمي - خاص ترك برس

يظن الكثيرون أن الانتخابات البرلمانية في تركيا تمت فقط بعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، وهذا بالطبع غير صحيح ومخالف للمسار التاريخي لأن الانتخابات البرلمانية في التاريخ التركي بدأت قبل تأسيس الجمهورية بكثير، وتذكر الوثائق التاريخية بأن المواطنين العثمانيين الأتراك عرفوا مُصطلح الانتخابات عام 1840 حيث تم صك قانون من قبل الباب العالي يُعطي قاطني البلدات انتخاب محصلين الضرائب على حسب معاييرهم واختياراتهم.

وبعد هذا التطور الملحوظ في النظام الإداري العثماني؛ تم إعلان الدستور العثماني الأول بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر 1876 تحت اسم "القانون الأساسي" وبعد هذا التاريخ وبناءًا على هذا الدستور تم إعلان نظام الانتخابات البرلمانية في الدولة العثمانية، وتمت الانتخابات البرلمانية في الدولة العثمانية عام 1877 وتشكل البرلمان العثماني، في ذلك العهد  من مجلسين؛ مجلس المبعوثين وهؤولاء المبعوثين كان يتم اختيارهم من قبل سكان بلداتهم ومجلس الأعيان وهؤولاء الأعيان أو الأشراف كان يختارهم السلطان العثماني بدقة ليكونوا بجانبه ويعملوا لصالحه وكان المجلسان يعملان على أساس التوافق الُمطلق.

تمت الانتخابات في الدولة العثمانية حسب "قانون الانتخابات الخاص بمجلس المبعوثين" وحسب هذا القانون تمت الانتخابات على مرحلتين؛ المرحلة الأولى يقوم بها الرجال ذوات المكانة الاجتماعية بالذهاب إلى الصندوق ويقومون بالإدلاء بأصواتهم وفي المرحلة الثانية يقوم عامة الشعب، الرجال الذين يبلغون سن 21 عام فما فوق، بالذهاب إلى صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم وكانت عملية التصويت تتم على أساس "الانتخاب المفتوح" لأن كان هناك عدد كبير من مواطنين الدولة العثمانية لا يعرفون القراءة والكتابة وتم اتباع هذا الأساس لمساعدتهم على اختيار من يريدون من قبل موظفي الانتخابات أو من قبل من يساعدوهم.

كان عدد المبعوثين يتم تحديدهم حسب عدد سكان الإقاليم وعلى هذا الأساس كان عدد المبعوثين يتغيرون في كل انتخابات، وحسب قانون الانتخابات الخاص بمجلس المبعوثين يحق لللإقليم الذي يحتوي على 50 ألف نسمة من الرجال انتخاب ثلاث مبعوثين ويزداد عدد المبعوثين بازدياد عدد النسمات.

أُجريت أول انتخابات برلمانية عام 1877، ولم تقتصر علمية الترشح على المسلمين فقط بل كان يحق لغير المسلمين أيضًا الترشح وبعد إجراء أول انتخابات برلمانية كان عدد النواب المسلمين فيها 80 بينما عدد الغير مسلمين 50 وهذا يعود إلى وجود دول البلقان تحت الإدارة العثمانية في ذلك الوقت.

على الرغم من إجراء انتخابات عام 1877 بحرية وبديمقراطية عالية إلا أن المجلس لم يستمر سوى عام إذ قام عبد الحميد الثاني عام 1878 بتعطيله مُستخدمًا في ذلك صلاحياته القانونية التي كفلها له القانون الأساس وبحجة الانتباه إلى المواجه الحربية الخارجية التي بدأت بعد هجوم القيصرية  الروسية على الدولة العثمانية في نفس العام.

استمر المجلس مُعطل مدة ثلاثين عاما ً ولكن في عام 1908 حدث انقلاب عسكري وُصف بالعلماني قادته جمعية الاتحاد والترقي، بعد حدوث هذا الانقلاب أعلن السلطان عبدالحميد الثاني قبوله الرجوع إلى العمل بالقانون الأساسي وقبوله إجراء انتخابات جديدة حُدد تاريخها بـ23 تموز/ يوليو 1908، وبعد إجراء الانتخابات واختيار النواب واجتماعهم في أول جلسة افتتاحية بين عبد الحميد الثاني بأن هدفه من إغلاق المجلس لم يكن فقط الحرب الروسية بل كان أيضًا جهل الناس وعدم معرفتهم للقرأة والكتابة ولكن الآن بعد ثلاثين عامًا أصبح مستواهم العلمي مميز وأصبحوا قادرين على اختيار ممثلهم دون مساعدة أو ضغط من أحد.

تنافس على دخول المجلس حزبا الأحرار والاتحاد والترقي ولكن فوز حزب الاتحاد والترقي كان هو النتيجة إذ فاز بعدد 280 نائب مقابل نائب واحد من حزب الأحرار وبعد هذه الانتخابات تم قبول نظام الحكم البرلماني وبقيت صلاحيات الأمير العثماني مرهونة بالأمور الفخرية وتوقيع القوانين الصادرة من المجلس.

ـ انتخابات 1912" انتخابات العصا":

استمرت فترة انتخابات 1908 لمدة 4 سنوات بشكل طبيعي دون أي عراقيل أو مُعيقات، ولكن بعد تفرد حزب الاتحاد والترقي بالحكم نتجت عن ذلك تصرفات لا تخدم العملية الديمقراطية، ونتيجة لهذه السلوكيات تجمع جميع معارضيه تحت سقف سياسي واحد باسم حزب الحرية والائتلاف.

وعُرفت هذه الانتخابات بانتخابات العصا لأن حزب الاتحاد والترقي استخدم الأساليب القهرية والمُعادية للديمقراطي لقلب نتيجة الانتخابات لصالحه، استطاع حزب الاتحاد والترقي الفوز بالانتخابات ولكن لم يستمر في الحكم إلى نهاية الفترة الانتخابية إذ انقلب عليه مجموعة من الضباط باسم "ضباط الخلاص" ولكن ضباط حزب الاتحاد والترقي واجهوا هذا الانقلاب بيد من حديد وأغلقوا البرلمان بتاريخ 13 كانون الثاني/ يناير 1913 وعلى الرغم من أن المُغلق للبرلمان هو حزب الاغلبية إلا أن هذا يُعتبر أول انقلاب عسكري في التاريخ التركي.

ـ انتخابات 1914:

أخر انتخابات برلمانية في تاريخ الدولة العثمانية، لم ينضم لها سوى فقط حزب الاتحاد الديمقراطي وذلك لانشغال الجيش والرأي العام في حروب البلقان المُلتهبة ويد حزب الاتحاد والترقي الحديدية لم تترك أحد للمعارضة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!