جلال سلمي - خاص ترك برس

وُلد السلطان عبدالحميد الثاني بتاريخ 21 أيلول/ سبتمبر 1842، أبيه هو السلطان عبد المجيد الأول صاحب أكبر عمليات اصلاح مادية واجتماعية في الدولة العثمانية أما والدته فهي السلطانة تيريموجغان توفت وهو ابن العاشرة أعوام، فتولت أمر الاهتمام به زوجة والده التي لا تنجب السلطانة بيريستو التي اهتمت به واعتنت به كأنه ابنها الحقيقي.

بعد وفاة والده عام 1861 تولى أمره عمه عبدالعزيز الذي كان يحبه حبًا شديدًا وكان يصحبه في جميع أعماله الإدارية والدبلوماسية، بعد عزل عمه عبدالعزيز عن العرش عام 1867 من قبل الصدر الأعظم في ذلك الوقت مدحت باشا تم تولية مقاليد الحكم لأخيه الأكبر مراد الخامس ولكن بعد ثلاث شهور تم عزله بدعوى أنه يعاني من أمراض نفسية.

بعد عزل مراد الخامس تم عرض اعتلاء العرش على السلطان عبدالحميد الثاني بشرط قبوله "للقانون الأساسي" أو "الدستور" الذي كان بمثابة أول دستور قانوني للدولة العثمانية، حيث أصبحت بعد الدولة العثمانية بعد إعلان هذا الدستور دولة ذات حكم ملكي دستوري.

قبل عبدالحميد الثاني بهذا الشرط واعتلى العرش بتاريخ 31 آب/ أغسطس 1876، كانت فترة تولي عبدالحميد الثاني مليء بالعديد من العصيانات الداخلية "مثل العصيان الصربي والعصيان البرتغالي والعصيان اليونان" والاعتداء الخارجية من قبل الدول الغربية وخاصة القيصرية الروسية التي بدأت هجومها على جزيرة القرم عام 1853 واستمر لعام 1878.

بعد تولي عبد الحميد الثاني لمقاليد الحكم رأى بأنه من الصعب على الدولة العثمانية التصدي لهذه العصيانات والاعتداءات في ظل تعطيل مجلس المبعوثين "البرلمان الذي تأسس في إطار إعلان القانوني الأساسي" فقرر بتاريخ 14 شباط/ فبراير 1878 حل المجلس وأعلن حالة الطوارئ في البلاد.

استمرت هذه الحالة لقرابة الثلاثين عام عمل خلالهما عبد الحميد ضبط أمور البلاد الداخلية والخارجية بكل ماأوتي من قوة، خلال هذه الفترة لم تهدأ الاعتداءات الخارجية والعصيانات والمؤامرات الداخلية، طالت هذه الفترة قرابة الثلاثين عام ولكن بعد زيادة الضغوط على السلطان عبدالحميد الثاني اضطر بتاريخ 23 تموز/ يوليو 1908 إلى إعلان سريان الدستور وحكم البرلمان وتشكيل حكومة برلمانية من جديد.

لم تطل فترة الهدوء التي عقبت قبول عبد الحميد الثاني طويلا ً إذ انتفض حماة الدستور "جمعية الاتحاد والترقي" على السلطان عبدالحميد الثاني وبعض إجراءاته المضادة للدستور بتاريخ 31 آذار/ مارس 1909 وبعد أيام قليلة انتفض طلاب المدرسة الحربية العسكرية تحت لواء "الاتحاد المحمدي" بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 1909 مُطالبين بإعادة أحكام الشريعة الحازمة إلى الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية واستمروا بعصيانهم في ميدان السلطان أحمد إلى أن تحرك الجيش الثالث أو مايُسمى بجيش الحركة من سالنيك إلى إسطنبول لقمع هذه الانتفاضة وحماية الدستور وبالفعل نجح في ذلك وقرر قادته بتاريخ 27 أبريل 1909 عزل السلطان عبدالحميد الثاني عن الحكم لدعمه لهذا الانقلاب وتم نفيه إلى مدنية سلانيك في اليونان لتنتهي بذلك قصة السلطان الذي كان يمثل الغصة العلقمية للأطماع الأوروبية فوق الدولة العثمانية.

بعد نفيه إلى سلانيك بسنوات قليلة تم إعادته إلى قصر يلديز عام 1913 بسبب بدأ الحرب العثمانية البلقانية وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية، خلال فترة الحرب العالمية الأولى "1914 ـ 1918" شعر عبد الحميد الثاني بآلام عميقة لما يحدث للدولة العثمانية ولكن لم يكون باستطاعاته أن يحرك ساكنًا.

كانت الظروف المعيشية للسلطان عبد الحميد خلال إقامته في قصر يلديز سيئة جيدًا الأمر الذي جعله يُصاب بانفلونزا شديدة بتاريخ 5 فبراير 1918، بعد طلب طبيب القصر حسين عاطف له أعطاه الأخير بعض الأدوية، الأمر الذي جعله يتعافي وتعود له صحته.

بعد تعافي السلطان عبد الحميد الثاني أطمئن الطبيب عاطف وذهب لبيته، وفي المساء جلس عبد الحميد مع عائلته ليتناول طعام العشاء وبعد تناوله الطعام أصبح يشعر ببعض الآلام في صدره فذهبت زوجته مُشفقة لدعوة الطبيب ولكن لم تجده في القصر، فعلمت السلطانة مُشفقة بأن طبيب الأمير وحد الدين الخصوصي موجود في القصر فأرسلت لهم خبر مع قائد الحراس ليأتي على الفور لتشخيص حالة عبد الحميد، أتى الطبيب وأخبرهم بأن هناك "التهاب رئوي" شديد لدى السلطان.

علم السلطان محمد رشاد أخ عبد الحميد والمتولي للحكم من بعده وكما علم الصدر الأعظم أنور باشا بالأمر، فطلبا من الطبيب عاطف العودة بسرعة قصوى للقصر وطلبا من أشهر أطباء ذلك العصر السيد نشأت عمر بالبقاء بجانبه ومحاولة تقديم بعض الأدوية الشافية له.

على الرغم من جميع الأدوية التي أخذها السلطان عبد الحميد الثاني بناءًا على نصيحة الأطباء إلا أنه لم يتعافى مما يعاني منه، بعد علم السلطان محمد رشاد بأن أخيه يمكن أن يفارق الحياة في أي وقت على الفور أرسل أمر إلى ابن عبد الحميد الثاني الأكبر سليم الذي كان في الجبهة الحربية وأمره بالقدوم الفوري وأخوانه للوقوف إلى جانب والدهم، بعد قدوم أبنائه طلب من السلطانة مُشفقة تجهيز فنجان قهوة بنفسها.

أثناء احتسائه لقهوته نظر إلى جميع الجالسين في الغرفة وكأنه يودعهم، وفي هذه اللحظات قالت له زوجته مشفقة "بارك الله بك كم كنت مُخلصًا لنا ولدولتك ولدينك" فرد عليها مبتسمًا "ليشهد الله بأني لم أقم بأي شيء خلال فترة حكمي التي استمرت لمدة ثلاثة وثلاثين عامًا إلا لخدمة بلدي ودين وشعبي، ليكن هم الجميع خدمة دينه ووطنه وشعبه بصرف النظر عن موقعه ومقامه".

احتسى السلطان عبد الحميد الثاني القهوة مرة وصرف هذه الكلمات ولكن بعد الانتهاء منها سُكبت القهوة على زوجته مُشفقة فبدأت بالصراخ والنداء على الطبيب ولكن بعد قدوم الطبيب أجرى بعد الفحوصات وأخبرهم بأن الروح رجعت إلى بارئها".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!