صلاح الدين تشاكرغيل - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

لا نريد أنْ نخدع أنفسنا، لأنّ نقاشات المجتمع الدولي حول "الإرهاب" طويلة ومتعددة، والبيان النهائي لقمة العشرين، الذي يتحدث عن وقوفه في وجه الإرهاب، لن يحل المشكلة بصورة نهائية، لأننا نتحدث عن ازدواجية في المعايير في تعامل القوى العالمية مع هذا الملف.

إذا نظرنا إلى دول العالم سنجد مواضيع الإرهاب والكفاح من أجل الحرية مرتبطة ببعضها البعض، ونكتشف أنّ هناك معايير مختلفة تتعامل معها الدول لتقييم هذين الموضوعين، فهؤلاء يتحدثون عن الإرهاب، لكن إذا نظروا إلى المرآة، سيكتشفون أمورا أخرى، لأنّ الإنسانية تعاني اليوم من وحشية وإجرام الحضارة الحديثة.

نعيش اليوم نفاق عالمي، فإذا حدثت أعمال عنف، وكانت تضر بالقوى الإمبريالية والشيطانية، يتم وصف هذه الأعمال بأنها "أعمالا إرهابية"، لكن اذا كانت نفس تلك الأعمال لا تضر بمصالحهم، بل تصب في خندق تحقيق أهدافهم، ستكون تلك الأعمال "كفاحا من أجل الحرية والتحرر".

ووصل الأمر في العالم هذه الأيام، إلى أنْ تشكل القوى الإمبريالية المنظمات الإرهابية بنفسها، ثم تصرخ "هناك ارهاب، لنحاربه"، وما فعلوه في 15 عاما مضت، في أفغانستان وفلسطين والعراق وسوريا وليبيا وغيرها، من أعمال عنف وقتل وقصف للأبرياء والمدنيين، كان بهدف تحقيق مصالحهم ونهب خيرات تلك البلاد، وحتى لا تظهر أعمالهم تلك بأنها عنيفة وأعمال عنف، يستغلون غضب بعض الشباب وحقدهم، ليفجروا أنفسهم في وجه قوى الظلام، ثم يصفون هذه التفجيرات بأنها إرهابية وعنيفة ويجب مكافحتها.

يسمحون لأنفسهم بقتل مئات الآلاف، بل ملايين الناس من المدنيين العزل الأبرياء، لكن عندما يثور هؤلاء المقهورين والمحرومين في وجههم، ويثورون ضد الظلم والاضطهاد والعنف، حينها تصبح تلك الأعمال "أعمالا ارهابية"، لكن أصل تأسيس الإرهاب في العالم، هي مراكز القوى الإمبريالية المتحكمة في أموال العالم وخيراته، وعندما يتألمون ويفقدون أشخاصا نتيجة الارهاب الذي كانوا سبب نشوءه، يجبرون العالم على البكاء عليهم من خلال عمليات كي الوعي عبر أدواتهم الإعلامية.

أكبر مثال على هذا، هو ما يقوم به النظام الإسرائيلي الصهيوني، الذي يحتل فلسطين منذ ما يزيد عن 60 عاما، يقتل شعبا أعزلا، يهجّر الناس من بيوتهم، يقتل أطفالا ونساء وشيوخا، يمارس كل أشكال العنف والاضطهاد، لكن العالم الإمبريالي، يخرج ويصف الشعب الفلسطيني بأنه شعب "إرهابي" لأنه يدافع عن نفسه ويسعى للتخلص من الظلم الواقع عليه، لكنهم لا يستطيعون تذكر جرائم الحرب البشعة التي مارستها اسرائيل بحق غزة خلال السنوات القليلة الماضية.

أرسل الرئيس الفرنسي هولاند طائراته وسلاحه الثقيل لتدك منطقة الرقة وتسحق المدينة والشعب السوري، بعد هجمات باريس، ليمارس كل اشكال الارهاب هناك، بحجة أنه يريد "القضاء على الإرهاب". وفي الوقت الذي نصف فيه نحن أعمال العنف كلها وقتل المدنيين العزل، وتشريدهم من بيوتهم، على أنها أعمال إرهابية، سواء حصلت في أنقرة أو في غزة أو في بغداد، أو في باريس ولندن وغيرها، تقف القوى الإمبريالية لتصف فقط الأعمال التي تضر بمصالحها، بأنها أعمال إرهابية مدانة.

عليهم اليوم أنْ يفكروا من جديد، ليعلموا ويدركوا جيدا المصدر الحقيقي الذي يُنتج "الإرهاب"، والأسباب الحقيقية التي أدت إليه، ولوصوله مؤخرا إلى باريس.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس