أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس

استحضار حملات الاستعمار المباشر تتضمن كافة دساتير العالم جواز عقد اتفاقيات بين دولتين لهما كامل السيادة على أرضيهما، استنادا إلى موافقة مسبقة من مجلس البرلمان المنتخب شرعيا على الاتفاقية، وبعد ذلك يصدر مرسوم رئاسي أو ملكي يشرعن الاتفاقية، ثم ينشر نص الاتفاقية بكافة بنودها في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة قانونيا.

ما حصل في اتفاقية (بوتين روسيا مع بشار الأسد) صاحب السلطة على 18% من أراضي سوريا (تلك الأراضي هي فعليا تحت سلطة إيران وشيعتها من طرف وجيش روسيا من طرف آخر)، وشرّعت تلك الاتفاقية تدخّل جيش روسيا في سوريا واحتلال أي بقعة فيها وضرب قنابلها في كل مكان وقتل أي مواطن سوري يرفض سلطة آل الأسد، دون أي مساءلة قانونية مهما فعلت من جرائم بحق الشعب السوري، يعيد تجارب جيوش الاستعمار الانكليزي والفرنسي وقبلهما البرتغالي والإسباني والهولندي خلال القرون (السادس والسابع والثامن والتاسع والعشرين المنصرمة). حينذاك، كانت تلك الجيوش الاستعمارية تغزو البلدان الضعيفة أو التي يثور شعبها على حكامها المجرمين والفاسدين، وتفرض بقاء هؤلاء الحكام بالقوة العسكرية بموجب اتفاقيات إذعان ضد شعب أعزل، مقابل السماح لجيوش القوى الاستعمارية بالتواجد في أي موقع وقتل أي مواطن ونهب ما يشاؤون من الثروات واقتطاع أية أرض لصالح المستعمرين، فقط من أجل بقاء الحاكم (شكليا) في قصره، وكي لا يظهر الأمر احتلالا مباشرا، يتم الاحتلال بموافقة الحاكم - عبر اتفاقية إذعان- الذي باع وطنه والذي لا سلطان له على شيء.

لا أحد يغفل أن العالم يعيش في عام 2016، وتجاوزت البشرية عصور الاستعمار والاحتلال المباشرين كما كان في العصور والقرون السابقة، وبقى الاستثناء عن واقع القرن الحادي والعشرين (بوتين روسيا القيصرية وبشار الأسد وريث الحكم على سوريا والنازع لتدشين لدويلته في الساحل السوري)، بمباركة ايران فارس وشيعتها في بلدان العالم.

هنا ، لو سأل أي شخص في العالم (بوتين روسيا): هل يقبل بأن يوقّع حاكم أي دولة في العالم نفس بنود الاتفاقية معه ويطبّق مضمونها على روسيا؟ وهل يقبل أن توقّع مثل تلك الاتفاقية دون أن تنشر في الجريدة الرسمية الروسية، أو إن نشرت فتنشر منقوصة ويخفى منها بنود تمس الأمن القومي الروسي، مع اعتبار أن بوتين يبقى متشبّعا بعقلية ضابط المخابرات الذي لا يفقه شيء بالقانون الدولي والدستوري؟ وهل يقبل أي شخص يسمى حاكم بلد أو دولة في هذا الوقت (2016) أن يوقّع مثل تلك الاتفاقية ويسلّم بلده لقوات محتلة خارجية من أجل بقاء اسمه شكليا حاكما وهو مجرّد من كل سلطات الحكم؟ وهل يقبل أي شخص يسمى رئيس جمهورية أن يوقّع اتفاقية خارجية لا تنشر بنودها في الجريدة الرسمية في بلده كي يتم اخفاء شروطها المهينة له ولبلده التي سلّمها لمحتل خارجي؟ نعرف جيدا أن شخصا مثل (بوتين روسيا) يعيش اوهام النصر في خياله على البشرية كلها، ولا يعير أهمية للقوانين والأعراف الدولية حين يبرم اتفاقيات خارجية تمنحه نشوة النصر على شخصية مثل بشار الأسد وريث السلطة على سوريا.

ولكننا نعرف كذلك أن مثل تلك الاتفاقية أو غيرها التي أبرمها بشار الأسد مع ايران ولم يتم نشر بنودها لا قيمة قانونية لها، لا حاليا ولا مستقبليا، لأن أي سلطة حكم (غير شرعية من قبل شعبها الثائر عليها ورفض 125 دولة في العالم الاعتراف بها) لا تمنح  أية شرعية ولا الصفة القانونية لأية اتفاقيات تعقدها مع قوى الاحتلال الخارجي.

إنها انجازات بوتين روسيا وبشار الأسد، باستحضار عصور الاستعمار المباشر التي خلت منها البشرية لفرض احتلال جديد على سوريا؟!

عن الكاتب

أ. د. محمد مرعي مرعي

جامعة غازي عنتاب، كلية الاتصالات، قسم العلاقات العامة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس