ولاء خضير - خاص ترك برس

إن مغامرة العالم أجمع، بما يسمى النظام الفدرالي، والتقسيمي لسوريا، أو ما أطلق عليه "سايكس بيكو جديد"، والتلاعب بمستقبلها السياسي، لمحاولته إلقاء طوق نجاة للرئيس السوري "الطاغية مفتقد الشرعية"، وإن اتباع سياسة حرق غابة من أجل حماية شجرة، هو نوع من التفكير العبثي غير المسؤول، يعني صب الزيت على نار الأزمة السورية، والتي ستشتعل أكثر، ما لم يكن الشعب السوري هو صاحب الكلمة أولًا وأخيرًا.

فمع دخول الثورة السورية عامها السادس، وإعلان الأكراد للنظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا، برزت طروحات التقسيم، أو النظام الفيدرالي من قبل عدة أطراف دولية، وقوى غربية كبرى، وليست روسيا فحسب، كمخرج للأزمة السورية، في ظل تعثر الحل السياسي، أو تحقيق حسم عسكري، سواء من قبل قوات النظام السوري، أو قوات المعارضة.

حيث رأى محللون أن طروحات التقسيم من قبل أمريكا، أو الفيدرالية من قبل روسيا - والتي ستمثل نوعًا من التقسيم السياسي الجغرافي لسوريا - تأتي من باب الضغط السياسي، على أطراف الصراع لتوصل إلى حل، ودفع عدد من الأطراف الإقليمية، خاصة تركيا، لتغيير سياستها تجاه الملف السوري، عبر التلويح لها بورقة إنشاء إقليم كردي في سوريا، تحت مسمى الفيدرالية.

وفي حقيقة الأمر، فإن التقسيم بهذا المعنى في سوريا يبدو مستحيلا، لأسباب داخلية وأخرى خارجية، تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، كشف أن هذا التقسيم، لا يعني أن سوريا أصبحت قاب قوسين أو أدنى منه، بل القصد منه، أن استمرار المعارك في سوريا أكثر من ذلك، سيؤدي إلى تقسيم مواقع القوى في عدة مناطق جغرافية، مثل: الأكراد في الشمال الغربي والشمال الشرقي، مع بقاء سيطرة النظام في الساحل ودمشق ومحيطها، وقوى مسلحة معارضة مختلفة في إدلب ومناطق أخرى، وتنظيم "داعش" في دير الزور والرقة!.

طفت الخلافات على السطح عنما أعلنت العاصمة موسكو تأييدها المفاجئ لتقسيم سوريا على أساس فيدرالي، وهو الاقتراح الذي رفضه الأسد.

نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، صرح أنه إذا توصّل السوريون خلال المفاوضات إلى "أن نظام الدولة في المستقبل، الذي يعتمد الفيدرالية، سيخدم مهمة الحفاظ على سورية موحدة وعلمانية ومستقلة وذات سيادة، فمن سيعترض على ذلك حينها؟.

وسبق لموسكو أن أعلنت على لسان ريابكوف، أنه لا مانع لديها، إن اتفقت الأطراف المشاركة في مفاوضات جنيف، بوساطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، على فكرة قيام دولة اتحادية (فيدرالية) في سوريا.

كما أن تأييد موسكو للانفصاليين الأكراد في سوريا، موجه في الأساس ضد تركيا، لكن موسكو تخشى أن ترد أنقرة على العمليات الإرهابية التي يشنها الأكراد داخل الأراضي التركية، بتزويد المعارضة السنية المسلحة بأسلحة نوعية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما دعا موسكو إلى اتخاذ قرار الأنسحاب من سوريا، حسب ما رأي محللون سياسيون.

موقع العربي الجديد نشر تحليلات، يرى فيها مراقبون أن التلويح بالخيار الفيدرالي من جانب الدول الكبرى، قد يستهدف في هذه المرحلة الضغط على المعارضة السورية، للمضي في الحلّ السياسي وفق الشروط المطروحة، التي تُبقي الأسد جزءًا من الحلّ، إضافة إلى الضغط على تركيا، التي أعلنت بوضوح على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، أنها لن تسمح بإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، ولا بدولة علوية في اللاذقية.

والنظام الفيدرالي، هو نظام دستوري، تتشكل فيه السلطة السياسية من دولة مركزية اتحادية، تُمثّل الدول على المستوى الخارجي، لها دستورها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها. أما على المستوى الداخلي، فإنها مكوّنة من مجموعة مدن وأقاليم منفصلة عن بعضها، يتمّ توزيع السلطات بين الدولة المركزية والأقاليم، من خلال الدستور الفيدرالي، الذي يُحدّد لكل منها نظامه الأساسي، وصلاحياته، وعلاقته مع الحكومة المركزية.

وحول تطبيق هذا النموذج على الحالة السورية، يرى مراقبون أن له محاذير كثيرة، خصوصًا أن طرحه لا يأتي نتيجة الاختيار الحرّ للسوريين، بل وسط ظروف استثنائية، بالنظر لما تعيشه البلاد من حالة صراع مسلح، وبالنظر إلى تحكّم القوى الخارجية بالقرار السوري.

وبإستثناء بعض القوى الكردية، وعلى رأسها حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري"، الذي يدير قوات مسلّحة فاعلة ومدعومة من الولايات المتحدة وروسيا، فإن أياً من القوى السياسية، سواء في صف النظام أو المعارضة، لا تؤيد علنًا أي خيار يقود إلى تقسيم البلاد، أو إضعاف الدولة المركزية.

ولفت محللون سياسيون إلى أن المناطق العسكرية في سوريا، ليست قائمة على حقائق تتعلق بالتوزيع الطائفي، أو العرقي، بقدر إرتباطها بمتغيرات عسكرية على أرض الواقع، مما يجعل من الصعب تحويل التقسيم العسكري الحالي، إلى تقسيم سياسي، وجغرافي على الأرض.

والمطروح في سوريا وفقاً لدراسات عدة، هو إقامة أربعة أقاليم، أولها إقليم "كردستان سوريا"، في محافظة الحسكة، شمال شرقي البلاد، ثم منطقة في الساحل مع مركز محافظة حمص خاصة بالعلويين، فضلاً عن إمكانية قيام إقليم خاص بالطائفة الدرزية، مركزه محافظة السويداء، أما ما تبقّى من البلاد فستكون تحت النفوذ السنّي، على أن تكون دمشق عاصمة هذا الإقليم، ومركز قراره السياسي.

ويتخوّف البعض، من أن تكون الفيدرالية، مقدّمة لترسيخ تقسيمات جغرافية مناطقية وعرقية وطائفية، تُمهّد لتقسيم نهائي للبلاد، بينما يرى آخرون أن هذا الخيار قد يكون الطريقة الوحيدة لتجنب خيار التقسيم النهائي!.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس