ترك برس

حمل الباعة المتجولون في الدولة العثمانية اسم "التجار المتجولين" تقديرًا لمهنتهم، فالتاجر يتمتع بقدر ومكانة اجتماعية مميزة في كل المجتمعات. وقد تناولت مجلة التاريخ العميق التركية "دارين تاريخ" وضع الباعة المتجولين في إسطنبول في عهد الدولة العثمانية، في مقالة للمؤرخ التركي سماوي إييجا بعنوان "التجار المتجولون القدامى في قاضي كوي".

زار الأديب الإيطالي المشهور "إدموند دي أميسيس" إسطنبول في عام 1874، وألف كتابًا يصورها ويصف تفاصيلها فيه بعنوان "قسطنطين بوليس"، وخصص جزءًا كبيرًا منه للتحدث عن التجار المتجولين في إسطنبول، من حيث حياتهم وساعات عملهم وتعاملهم مع الزبائن.

ينقل إيجا عن أمسيس قوله في كتابه إن أهم ما يميز التجار المتجولين في إسطنبول تنوع أرديتهم وأدواتهم وترنيماتهم المستخدمة في مناداة الزبائن. على سبيل المثال، يرتدي بائع البوزا العثمانية ثوبًا أبيض وتنورة سوداء وهناك ما يشبه الوتد موضوع على كتفه كالميزان حيث يعلق صندوق الأطباق والمعالق في جهة ووعاء البوزا في الجهة الثانية، ويختلف بائع شربة التمر الهندي العثمانية في ملبسه وأدواته اختلافا ً تاما ً عن بائع البوزا، ومن الممكن للمقيم في إسطنبول لفترة طويلة أن يتعرف على المنتج الذي يبيعه التاجر المتجول من خلال النظر إلى ردائه فقط.

كان إييجا ابن العشر سنوات قبل انهيار الدولة العثمانية بشكل كامل، ما مكنه من معايشة بعض تفاصيل جوانب الحياة العثمانية بشكل مباشر. يقول إييجا إن التجار المتجولين في إسطنبول عادةً ما كانوا يأتون من مدن أخرى غير إسطنبول، وكانوا يقومون بذلك لعدم قدرتهم على الحصول على متجر عقب قدومهم على الفور، ولا يعني قدومهم من خارج إسطنبول المدن التركية الحالية فقط، بل يعني مدنًا في البلقان وأخرى عربية وغيرها فارسية إلخ.

يقول إييجا إن بائع المثلجات الذي كان يأتي إلى حارتهم هو ألباني الهيئة واللهجة، وكان يبيع المثلجات في فصلي الربيع والصيف، أما في فصل الشتاء فكان يبيع الحلويات، وكان رداؤه يختلف من فصل إلى فصل.

أما التجار المتجولون الذين كانوا يبيعون المواد الغذائية، فعادة ما كانوا يمرون في أوقات الصباح وحتى الظهيرة ولا يعودون حتى صباح اليوم التالي. يقول إييجا إن بائعي الملابس والمقتنيات الأخرى كانوا يمرون بعد بائعي المواد الغذائية، وكانوا يحرصون على القدوم بعد وقت القيلولة وقبل عودة الأزواج إلى البيوت من أعمالهم حتى لا يزعجوا أهل البيت.

وكان كل واحد من التجار المتجولين ينادي بسلعته ويحمل آلته الخاصة التي يضرب عليها ويعرف الناس بما يبيع، وكانوا في الوقت نفسه يحرصون على عدم المناداة إذا كانت هناك وردة صفراء على شرفة المنزل لأنها تعني أن هناك مريضًا من أهل البيت.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!