ترك برس

كان الدور الإقليمي المستقبلي لتركيا مرشحًا للصعود بعد نجاح عدد من ثوارت "الربيع العربي" عام 2011، فقد تزايدت فرص ترويج نموذج حزب العدالة والتنمية في التغيير الديمقراطي والنمو الاقتصادي في المنطقة.

ويرى المركز العربي للأبحاد ودراسة السياسات، في تقرير له بعنوان "مسألة التغيّر في السياسة الخارجية التركية: المراجعات والاتجاهات"، أن فرص وصول الأحزاب والحركات الإسلامية للحكم تزايدت في عدد من الدول المهمة مثل مصر وليبيا واليمن، فهذه الأحزاب تلتقي في رؤى كثيرة مع حزب العدالة والتنمية، ويمكنها أن تساهم في تعزيز مكانة تركيا في ظل حكمه.

وأشار التقرير إلى أنه "عندما بدأت تظهر العقبات أمام تغيير حقيقي في المنطقة، وبخاصة مع تعسّر نجاح الثورة السورية، وبدأت معها الانتقادات الداخلية والخارجية لسياسات تركيا، ظهرت أولى المراجعات الأكاديمية السياسية، في ربيع 2012، لمنظّر السياسة الخارجية الحديثة، أحمد داود أوغلو، الذي أدرك حجم الصعوبات التي تعترض حسم تلك الثورة، وحجم الدعم الدولي والإقليمي الذي حظي به النظام السوري؛ ما يعّد تهديدا لدور تركيا واحتمال هيمنة قوى منافسة على المنطقة.

وأضاف أنه "وفق هذه الظروف، وفي تلك الفترة بالذات، أدركت تركيا أمرين: أول، الحاجة إلى حسم الأزمة السورية بسرعة كي تتفادى انعكاساتها السلبية عليها ومن أجل تأمين استقرار الأنظمة الجديدة في المنطقة، والثاني، صعوبة تغيير الأوضاع بجهد أو بتدخل تركي منفرد، والحاجة بدلا من ذلك إلى الاعتماد على التنسيق مع حلفائها من أجل تصحيح ميزان القوى المعرّض للختلال".

وقد اعتبر داود أوغلو، بدايةً، أنّ حلف شمال الأطلسي "الناتو" هو الخيار الذي يمكن توظيفه في هذه المرحلة لأسباب منها: تجربته التاريخية الناجحة في قيادة التغيير الديمقراطي في أوروبا الشرقية، وعضوية تركيا فيه ما يعني دفاعه عنها إذا تعرضت للتهديد، ودوره العسكري في إطاحة نظام القذافي في ليبيا منذ وقت قريب جًدا، وفقًا للمركز العربي.

وتابع التقرير أنه في المراجعة الأولى، أكد داود أوغلو على الحاجة إلى العمل مع الحلفاء، بقوله: "في مواجهة بيئة أمنية متغيرة بسرعة ومعقدة، لا يستطيع فاعل واحد بمفرده توفير الأمن. وفي هذا الصدد، فإنّ النهج الشامل هو اسم اللعبة". وبعد ذلك، أظهر الرغبة التركية الجديدة في التدخل عبر حلف الناتو تحديًدا، فقال: "في ما يتعلق بالتطوارت في الشرق الأوسط واستجابة حلف الناتو لهذه الأحداث، أرى أوجه الشبه بين أوروبا الشرقية في وقت مبكر في التسعينيات، والتطوارت الراهنة في منطقة الشرق الأوسط. ومن المسلم به أنّ الناتو قام بدور مهم في عملية التحول في أوروبا الشرقية. وقد أشاد كثيرون بهذا الدور. لقد مهّد الناتو الطريق للتغييرات السلمية في أوروبا الشرقية، ويجب أن نأخذ نجاحه هذا في الاعتبار. إنّ ما نشهده اليوم هو تفكيك الهياكل السياسية والاقتصادية للحرب الباردة في الشرق الأوسط. لذلك، يجب على حلف الناتو أن يقوم بدور بنّاء في التحولات الجارية في منطقتنا... وحتى الآن، نجت الأنظمة القديمة في الشرق الأوسط من التغيير. لقد ظلت منطقة الشرق الأوسط بمنأى عن التغيرات الهائلة التي حدثت في أجزاء مختلفة من العالم في نهاية الحرب الباردة. يجب على حلف الناتو أن يعمل بجانب شعوب هذه المنطقة ويدعم المطالب الحقيقية للتغيير.... وإذا أخذنا في الاعتبار خلفية الربيع العربي وأحداثه، فينبغي دعم التحول الديمقراطي، و يجب قبول نتائج الانتخابات، أو بعبارة أخرى يجب دعم الجهات الصحيحة".

ولفت إلى أن المقاربة الشاملة الجديدة، التي يدعو إليها دواد أوغلو، تتضمن توسيع عمل الناتو ليشمل منطقة الشرق الأوسط، وأن تكون تركيا ركنا أساسيا في دوره وتدخله المطلوب؛ إذ يقول: "يتعين أن يقوم الناتو بتوفير الأمن ليس في النطاق الجغرافي الأطلسي فحسب، وانما أيضا أن يكون لاعبا أكبر يوفر الأمن والسلم الدوليين بشكل جماعي، ويوازن بين مهماته التقليدية ومواجهة التهديدات العالمية الجديدة.... ومع انتشار القوات التركية في بعثات الناتو وعملياته في ثلاث قارات، ومساهماتها واسعة النطاق في آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر الشراكة مع الناتو، فقد ثبت أن تركيا هي عضو قوي في الحلف، ومساهم في السلم والأمن الإقليمي والعالمي. ونظرا لقربها الجغرافي والعلاقات الثقافية والتاريخية مع تلك المناطق، فإن تركيا قادرة على القيام بدور خاص في وصول حلف الناتو لهذه المنطقة.... و إذا ما اقتضت الحاجة في المستقبل إلى مزيد من تدخل الناتو في الشرق الأوسط، فستكون تركيا رصيدا وفاعلا مؤثرا فيه".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!