ترك برس

أكد الخبير السياسي أورهان جافارلي أن تركيا لن تتقدم باعتذار لروسيا عن حادثة إسقاط المقاتلات التركية لطائرة سوخوي الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مشيرا إلى أن تقديم اعتذار يعني سقوط الحكومة التركية الحالية، ويؤدي إلى انهيار السياسة الداخلية والخارجية لأردوغان التي تعتمد على المشاعر القومية.

وقال جافارلي في مقابلة مع موقع بوليتيكون، ترجمها ترك برس، إن الاقتصاد التركي يستطيع التعافي من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها روسيا، نظرا لأن تركيا لديها إمكانيات قوية للصادرات ولا تعتمد على السياحة فقط.، كما أن العلاقات التركية المتنامية مع أفريقيا والشرق الأقصى يمكن أن تملأ الفجوة الروسية الاقتصاد التركي.

ونفى الخبير السياسي أن يكون لقرار البرلمان الألماني الأخير بالاعتراف بمذابح الأرمن المزعومة تأثير على دفع  أنقرة للتقارب مع موسكو، لافتا إلى أن ألمانيا تحاول التخفيف من تداعيات القرار عبر تقديم دعم كبير لإلغاء التأشيرات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

وإلى نص الحوار

سؤال: تعالت في الآونة الأخيرة الدعوات للمصالحة وتطبيع العلاقات بين روسيا وتركيا، فهل تتوقع تطبيع العلاقات خلال الفترة المقبلة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فبأي شروط وظروف ستتحقق المصالحة؟

أورهان جافارلي: الدعوات الأخيرة للمصالحة صدرت في معظمها من رجال الأعمال والأوساط الأكاديمية والثقافية في كلا البلدين، ولكن من ناحية أخرى فإن الأسباب التي تدعو قادة البلدين للتخفيف من حدة لهجتهما هي أسباب مختلفة. نسمع تصريحات معتدلة وخاصة من الجانب الروسي، في حين اختارت تركيا الانتظار لفترة من الزمن بعد انهيار العلاقات ثم انتقلت بعد ذلك للعمل بخطوات وفقا للأهمية الجيوسياسية. وهذا الاتجاه واضح على نحو خاص في العلاقات التركية الأوكرانية. يمكننا أيضا أن نذكر ما قاله الرئيس رجب طيب أردوغان من أن البحر الأسود هو بحيرة روسية تقريبا، ودعوته إلى تواجد أكبر هناك لحلف شمال الأطلسي. وفي الوقت نفسه كانت التدريبات العسكرية لحلف الناتو في رومانيا وجورجيا ودول البلقان ضد المصالح الجيوسياسية الروسية. وربما أدركت السلطات الروسية أن التطور السلبي في العلاقات التركية الروسية سيدفع تركيا تماما تجاه الغرب. أعتقد أن هذا أحد العوامل في تغيير الموقف الروسي.

من ناحية أخرى، هناك تقدم ملحوظ في موقف روسيا من سوريا، فعندما أطلقت روسيا العمليات العسكرية كان نظام الأسد يسيطر على 40% من الأراضي السورية، أما اليوم فهو يسيطر على 70%. وبعبارة أخرى تمكن الروس من تحقيق التوازن الذي كانوا يطمحون إليه في سوريا. وكان هذا عاملًا آخر هدّأ من الموقف الروسي تجاه تركيا.

لكن في الوقت نفسه ترفض روسيا التخلي عن مطلبها الرئيس بأن تعتذر تركيا عن حادثة طائرة السوخوي 24، وقد ردت تركيا بالفعل واقترحت تكوين لجنة ثنائية للتحقيق تقوم بتحديد من يوجه إليه اللوم. لكن هذا هو الجانب المرئي من الوضع، أما الجانب الخفي في القضية فهو أن المفاوضات مستمرة بين البلدين من خلال القنوات الدبلوماسية. ومن بين القضايا المثيرة للاهتمام في هذا السياق محاكمة ألب أرسلان تشيليك الذي ارتكب جرائم حرب في سوريا، والمسجون حاليا في تركيا بتهمة حيازة سلاح بشكل غير قانوني. وثمة احتمال أنه إذا فتحت المحاكم الروسية قضية جنائية ضده وأثبتت ارتكابه لجريمة حرب، فإنه يمكن محاكمته أيضا أمام المحاكم التركية أيضا. وفي هذه الحالة يمكن للسلطات التركية أن تقدم تعازيها نيابة عن الشعب التركي إلى عائلة الطيار الروسي، وتعبر عن حزنها لجريمة تشيليك، وتعاقبه. وبهذه الطريقة يمكن أن يبدأ الجليد في الذوبان ببطئ بين البلدين إن لم يكن في وقت قصير. وهذا مجرد سيناريو واحد من السيناريوهات المحتملة، ولكن إلى أي مدى سيتوافق ذلك مع رغبات روسيا فهذه مسألة أخرى. ولكن كما أشرت فإن الوضع يمكن أن يتطور في هذا الاتجاه (كان تشيليك في السجن عند إجراء هذا اللقاء ثم أسقطت جميع التهم الموجهة إليه في تركيا يوم 9 أيار/ مايو).

سؤال: يعتقد المحللون السياسيون الروس أن عرقلة مشاريع الغاز، وتدفق السياح الروس إلى تركيا سيجعل السلطات التركية تدرك الخطأ الجسيم الذي ارتكبته. ما هو الرأي العام حول هذه القضايا في الأوساط السياسية التركية؟ هل سيكون الاقتصاد التركي قادرا على الصمود أمام هذه الصعوبات؟ هل توجد خطط بديلة لتعويض هذه الخسائر؟

أورهان جافارلي: لا يمكنني أن أقدم بيانات اقتصادية دقيقة فلست خبيرا اقتصاديا، ولكن يمكنني أن أذكر أن خسائر قطاع السياحة التركي قد تصل إلى 10 مليار دولار.

أما بالنسبة للغاز، فقد جمد مشروع السيل التركي تماما في الوقت الراهن، وليست هناك مفاوضات بشأنه، والأمر كذلك بالنسبة لمشروع محطة أك كويو النووية الأولى.

أعتقد أيضا أن تركيا ستكون أكثر حذرا فيما يتعلق بأي مشاريع للطاقة مع روسيا في المستقبل كما أن الخبراء الأتراك يرون الرأي نفسه في أن على تركيا أن تكون أكثر حذرا. من الآن فصاعدا سنحلل عبارات مثل "ولكن"  و"في حالة ما" في أي مشروع مقترح.

وأود أن أشير مرة أخرى إلى أن تدهور العلاقات الروسية التركية قد ألحق ضررا للاقتصاد التركي بقيمة 10 مليار دولار، ولكن الأسوأ أن ذلك تزامن مع الهجمات الارهابية في تركيا. وهكذا، فإن التدفق السياحي إلى تركيا لم يتراجع من روسيا فقط،  ولكن من دول أخرى أيضا. وعموما فإن الحرب الأهلية السورية، والهجمات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني والمنظمات الإرهابية التابعة له في تركيا أثارت بشدة تساؤلات أمنية.

ومع ذلك يمكن للناتح المحلي التركي أن يحقق نموا يصل إلى 4.5% هذا العام. هناك أمل في مثل هذا النمو، نظرا لأن تركيا لديها إمكانيات قوية للصادرات ولا تعتمد على السياحة فقط. وعلاوة على ذلك يمكن للعلاقات المتنامية مع أفريقيا والشرق الأقصى أن تملأ هذه الفجوة في الاقتصاد التركي.

سؤال: بينما شهدت العلاقات التركية فتورا مع الغرب في السنوات الأخيرة، واتجهت تصاعديا مع روسيا إلى حد أن بعض السياسيين الروس نظروا إلى تركيا على أنها أقرب حليف محتمل في المواجهة مع الغرب. وفي هذا الصدد هل سيؤثر اعتراف البرلمان الألماني بما يسمى مذبحة الأرمن على العلاقات التركية الروسية بطريقة أو بأخرى؟

أورهان جافارلي: هذه الأفكار وغيرها كانت متداولة بالفعل منذ زمن ليس ببعيد. وقد بدأت هذه الافكار تتردد منذ عهد غورباتشوف.

على أنني لا أعتقد أن العلاقات بين ألمانيا وتركيا تتدهور بشكل حاد. في الوقت الراهن تحمل هذه العلاقات أهمية سياسية في القضية السورية وفي مسألة دمج تركيا في الاتحاد الأوروبي. سيؤثر قرار البرلمان الألماني بالتأكيد على العلاقات الثقافية ويعي زخما للمشاعر المناهضة لأوروبا في تركيا. ومع ذلك فإنني أعتقد أن جوهر العلاقات الألمانية التركية لن يتضرر.

وحتى قبل قرار البرلمان الألماني تناقشت الحكومتان الألمانية والتركية حول هذه المسألة. وعلى الرغم من الكلمات القاسية التي ذكرها الرئيس رجب طيب أردوغان بشأن هذا القرار، فإن تصريح رئيس الوزراء بن علي يلدريم يبدو مثيرا حين قال "إن تركيا ملتزمة بالاتفاقيات التي وقعتها فهي ليست دولة قبائل".

وبالإضافة إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية الواضحة في العلاقات الالمانية التركية هناك أيضا الجانب الثقافي المهم، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين شخص من أصول تركية في ألمانيا في الوقت الحالي.

هل سيقرب قرار البرلمان الألماني الأخير بين تركيا وروسيا؟  لا أعتقد أن القرار سيكون له مثل هذا التأثير. كانت برلين تشعر بالقلق دائما تجاه التطور الإيجابي في العلاقات الروسية التركية، لأن ذلك من شأنه أن يخلق مشاكل للألمان في كل من أوروبا الشرقية وروسيا، فضلا عن أن ذلك يعيق الفرص المتاحة أمام الألمان للمناورة. ولذلك تقدم ألمانيا دعما كبيرا لإلغاء التأشيرات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من أجل التقليل من الأثر السلبي لقرار البرلمان، والحيلولة دون مزيد من الفتور في العلاقات مع تركيا.

أشك في أن السياسيين الألمان فكروا في دفع تركيا تجاه روسيا عندما تبنوا هذا القرار عن أحداث 1915، لأن ذلك سيكون منافيا للمصالح الجيوسياسية الألمانية، كما أن هذا القرار لا يمكن أن يؤثر على العلاقات التركية الروسية. ترى السلطات التركية أنها على صواب في المواجهة مع موسكو. وأي اعتذار لروسيا قد يعني نهاية الحكومة التركية. القطاع القومي في المجتمع التركي قوي جدا، وأصوات القوميين ذات أهمية كبيرة للحزب الحاكم، واي اعتذار رسمي يعني تراجعا حادا في هذه الأصوات، ويؤدي إلى انهيار السياسة الداخلية والخارجية لأردوغان التي تعتمد على المشاعر القومية. وعلى ذلك لا أتوقع أي اعتذار تركي أو تقارب روسي تركي في المستقبل القريب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!