يكاترجينا كولكومسكايا - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

قامت العلاقات الروسية – التركية لمدة طويلة على صيغة معينة "أن الاقتصاد هو الاقتصاد والسياسة هي السياسة، ولا ينبغي الخلط بينهما". وظلت هذه الصيغة تعمل بنجاح حتى ال24 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة روسية.

العلاقات بين البلدين التي طالما كانت ودية إلى حد أنها وصفت بالشراكة الاستراتيجية تضررت في لحظة واحدة فقط.

بعد ذلك بعام وفي الرابع والخامس من كانون الأول/ ديسمبر المقبل زار رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، موسكو للقاء نظيره الروسي، ديميتري ميدفيديف، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. هذه الزيارة يمكن أن تساعد في تسريع عملية التطبيع الجارية بين البلدين، إذ شمل جدول أعمال اللقاء الذي يجمع  يلدريم وميدفيديف التعاون الاقتصادي بين البلدين، لكن روسيا يبدو أنها غير متعجلة في هذه المسألة.

في العام الماضي قالت السلطات التركية إنها استخدمت حقها لحماية حدود البلاد عندما انتهكت موسكو المجال الجوي التركي، بينما كان لموسكو رأي مختلف، إذ وصف بوتين الحادث بأنه "طعنة في الظهر ارتكبها متواطئون مع الإرهابيين". ونتيجة لذلك كان على موسكو إعادة النظر في صيغة "الموقفان لن يلتقيا أبدا"، وردا على إسقاط تركيا طائرتها فرضت روسيا عقوبات اقتصادية، وانتهى رسميا عصر الفصل بين السياسة والاقتصاد.

حظرت روسيا استيراد بعض المنتجات التركية، وقُلل عدد الشركات والمنظمات التركية العاملة في روسيا. شمل حظر استيراد المنتجات كثيرا من أنواع الفواكه والخضروات والدجاج والقرنفل والملح. وفي حلقة جديدة من العقوبات فرضت الحكومة الروسية حظرا على رحلات طائرات الشارتر إلى تركيا التي تعد الوجهة الأكثر شعبية للسياح الروس، ونصحت وكالات السفر الروسية بوقف عروض السياحة، كما فرضت موسكو قيودا على تأشيرات دخول المواطنين الأتراك الذين كانوا يتمتعون بإقامة في روسيا لمدة تصل إلى ثلاثين يوما، وعلاوة على ذلك منعت روسيا الشركات الروسية من التعاقد مع موظفين أتراك.

قال كيريل روديونوف المحلل في شركة الاستشارات الروسية إنديكس بوكس للمونيتور إن روسيا لا تعاني حقا من آثار إجراءاتها ضد تركيا. وقال رادينوف: "بالنسبة إلى روسيا فإن الحظر المفروض على المنتجات التركية أقل تعقيدا من عقوبات دول الاتحاد الأوروبي، فقد استبدل بالبضائع التركية شحنات من بلدان أخرى أو باستيراد شحنات من دول المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية وتحديدا من روسيا البيضاء وكازخستان".

في السابع والعشرين من يونيو/ حزيران فاجأ الرئيس التركي كثيرين بإرسال رسالة اعتذار إلى الرئيس بوتين، وبعد يومين تحدث الرئيسان هاتفيا. وعد الرئيس الروسي برفع العقوبات قريبا. في الواقع رفع فقط الحظر على رحلات طائرات الشارتر، لكنه لم يرفع على الفور إذ استغرق الأمر شهرين، ومن ثم عندما رفع الحظر في ال28 من أغسطس/ آب كان معظم الروس قد أمضوا عطلاتهم أو وضعوا خططا لتمضيتها في مكان آخر.

رفع مزيد من العقوبات الاقتصادية بعد زيارة بوتين إسطنبول في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول، فرفعت بعض الفواكه من قائمة الحظر، لكن كثيرا من أنواع الفاكهة ما يزال في القائمة، كما بقيت بعض العقوبات، مثل القيود المفروضة على التأشيرة وعلى توظيف الأتراك، إذ لم ترفعها روسيا تماما، ولا يبدو أنها تعتزم القيام بذلك في وقت قريب.

في الثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني التقى وزير الزراعة الروسي، إلكسنر تكاتشيف، نظيره التركي، فاروق تشيليك، في سوشي على هامش معرض الزراعة الدولي الذي جذب وفودا كبيرا من كلا البلدين. ناقش الجانبان عملية رفع العقوبات الزراعية، لكن بعد الاجتماع قالت روسيا إنها ستواصل حظر الطماطم التركية خلال العامين أو الثلاثة المقبلين. ووفقا لوزارة الزراعة الروسية فإن هذه الخطوة ستساعد منتجي الطماطم الروس على مزيد من المنافسة.

كانت الطماطم التركية لسنوات عديدة مهيمنة على السوق الروسي، لكن بعد حادثة الطائرة والعقوبات الاقتصادية على تركيا، ضخ المنتجون الروس استثمارات ضخمة في إنتاج الطماطم. وقال جورجي بيتروف، رئيس غرفة التجارة والصناعة في الاتحاد الروسي للمونيتور: "من المهم الآن أن لا يفقد هؤلاء المستثمرون أموالهم".

على أن رجال الأعمال الأتراك الذين تحدثوا إلى المونيتور ما يزالون يأملون في رفع العقوبات الأخرى قريبا، وأن تتمكن شركاتهم من العودة إلى العمل في روسيا. وقال أحدهم: "نريد أن نواصل العمل في روسيا. نحن نعمل هنا منذ عشرين عاما. كانت هناك تقلبات في العلاقات، لكننا ما نزال هنا، فروسيا تعد سوقا ضخمة بالنسبة إلينا، والعقوبات الأخيرة ذات دوافع سياسية".

لكن بيتروف نفى أن تكون العقوبات المتبقية لها أهداف سياسية. وقال: "لقد رفع الحظر على رحلات طائرات الشارتر، وبدأت الشركات الروسية في بيع رحلات سياحية إلى المنتجعات التركية. أما بالنسبة إلى شركات البناء التركية فإن الوضع يعتمد على الأزمة الاقتصادية الأخيرة في روسيا، وشركات النباء الروسية تفسها تعاني من صعوبات اقتصادية، ولا يوجد كثير من المشاريع الإنمائية الجديدة مثلما كان الأمر من قبل".

وقد أكدت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية أن الحكومة الروسية لا تدرس حاليا خططا عاجلة لرفع العقوبات. وقال مصدر في الوزارة للمونيتور مشترطا عدم الكشف عن هويته: "لم نتلق حتى الآن أي تعليمات بشأن رفع العقوبات أو تقليصها".

يمكن للاجتماع الذي سيعقد في الشهر المقبل أن يظهر ما إن كان بمقدور روسيا وتركيا أن يستأنفا النهج القديم في العلاقات بعدم الخلط بين القضايا السياسية والاقتصادية. لكن يبدو من غير المرجح أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه تماما نظرا للأزمة الأخيرة التي تخيم على علاقات البلدين منذ عام، لكن يبدو أيضا أن نهج الخلط بين السياسة والاقتصاد لن يستخدم مرة أخرى.

والواقع أنه خلال غياب دام  سبعة أشهر للشركات التركية في السوق الروسية، حل محلها منتجون محليون وأجانب، لذلك يبدو أن العلاقات الروسية التركية وجدت نهجا جديدا هو البراغماتية الصائبة، إذ ستتشارك الدولتان حول بعض القضايا الدولية حين تتطابق مصالحهما. على أن موسكو في أمس الحاجة إلى الفرص الاقتصادية والاستثمارية، إذ تواجه البلاد أوقاتا صعبة بسبب العقوبات الغربية بالغضافة إلى انخفاض أسعار النفط.

في سعيها نحو إيجاد توازن بين الاحتياجات الاقتصادية والمصالح السياسية تحتاج روسيا إلى سياسة خارجية تقوم على "براغماتية جديدة" لم تكن موجودة من قبل.

عن الكاتب

يكاترجينا كولكومسكايا

صحفية روسية مختصة بشؤون الشرق الأوسط والقضايا السياسية والاجتماعية في المناطق المسلمة في روسيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس