سليم ينيل - دورية السياسة التركية - ترجمة وتحرير ترك برس

كيف يمكن للمرء وصف العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وهي العلاقات التي واجهت الكثير من الاختلافات، وتمر في الوقت الراهن نمر بمرحلة صعبة أخرى؟ ليست المرحلة الحالية بالأمر الجديد، حيث مرت العلاقات بين الطرفين على مر السنين بصعود وهبوط. ترتبط تركيا والاتحاد الأوروبي ارتباطا وثيقا إلى درجة أن من المستحيل فك عرى العلاقة  بينهما. ومع ذلك، فإن العلاقات تقف عند مفترق الطرق، والطريقة التي ستتطور بها العلاقة في الفترة المقبلة ستكون أمرا بالغ الأهمية.

كانت تركيا صبورة للغاية في سعيها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن أول اتصال مع الاتحاد الأوروبي حدث منذ أكثر من 50 عاما، فلم يقبل طلب العضوية رسميا إلا منذ 30 عاما في عام 1987. وحتى ذلك الحين، لم تعارض ألمانيا الطلب التركي. ولكن بعد عامين، نشرت المفوضية الأوروبية ملاحظاتها. ووفقا للمفوضية الأوروبية، لم تكن تركيا مستعدة اقتصاديا، ولم يكن الاتحاد الأوروبي مستعدا للتوسع في ذلك الوقت، حيث كان عليه أن يركز جهوده على السوق الموحدة. وهكذا، ركزت تركيا والاتحاد الأوروبي على إنشاء اتحاد جمركي كان قد وضع له تصور بالفعل في اتفاق أنقرة عام 1963.

على أن تأسيس الاتحاد الجمركي كان يعد نجاحا قصير الأمد، إذ إنه بعد عامين من تأسيسه، وعندما كان الاتحاد الأوروبي يقرر وضع ترشيح الدول، كانت الدول الشيوعية السابقة في الخط الأول، ومع ذلك تم استبعاد تركيا. وأدى ذلك إلى وقف الحوار السياسي وترك العلاقة مهملة خلال العامين التاليين. واجه الاتحاد الأوروبي المعضلة التالية: كيف ينبغي التعامل مع تركيا، في ظل عدم وجود توافق بين الأعضاء؟ تم التغلب على هذه المعضلة في نهاية المطاف مع تغيير الحكومات في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتم منح تركيا وضع الدولة المرشحة للانضمام في اجتماع المجلس الأوروبي في هلسنكي في كانون الأول/ ديسمبر 1999.

ترشيح تركيا للانضمام إلى الاتحاد

على الرغم من تأخر ترشيح تركيا في البداية، فقد قطعت أنقرة خطوات مهمة نحو الوفاء بالشروط اللازمة لفتح مفاوضات الانضمام. بيد أنه ما تزال هناك عقبات معينة يتعين التغلب عليها. وبالرغم من اقتناع تركيا أنها أوفت بالشروط اللازمة لفتح المفاوضات فى عام 2002، فإن الاتحاد الأوروبي لم يوافق على هذا القرار، وأجل اعتماده لمدة عامين آخرين. أما القضية التي ما تزال عالقة وتعرقل انضمام تركيا، فهي قبرص التي أصبحت، وإن كانت جزيرة مقسمة، عضوا في الاتحاد الأوروبي وتُستخدم قدر الإمكان للحصول على تنازلات من تركيا. وبينما تريد تركيا بدء محادثات الانضمام، حاول القبارصة اليونانيون استخدام عضويتهم للاعتراف بهم ضمن مطالب أخرى لهم. وقد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى حدوث مشاكل. في كانون الأول 2004، وبعد صعوبة كبيرة بالنسبة لكلا الطرفين، قرر الاتحاد الأوروبي فتح المفاوضات في تشرين الأول/ أكتوبر 2005. على أن تحقيق ذلك تطلب كثيرا من الجهد،على الرغم من أن العضو المعرقل في ذلك الوقت هو النمسا.

ومرة أخرى فقد تلى الشعور الجيد بفتح فصول وثيقة انضمام تركيا-  وحتى إغلاق الفصل 25 الخاص بالعلوم والبحوث في عام 2006- تحول صعب عندما جمد الاتحاد الأوروبي ثمانية فصول بسبب قضية قبرص. وأدى تغيير الحكومات في ألمانيا عام 2005 وفرنسا في عام 2007 إلى إضعاف العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، قرر الرئيس الفرنسي، السابق نيكولا ساركوزي، وقف بحث  خمسة فصول. وساءت العلاقة أكثر من ذلك عندما قام القبارصة اليونانيون من جانب واحد بإغلاق ستة فصول في عام 2009. وبالإضافة إلى هذه الانتكاسات، ومنذ عام 2004 وما تلاه، لم تعد تركيا - إلى جانب البلدان المرشحة الأخرى - مدعوة إلى مؤتمرات قمة الاتحاد الأوروبي، ولا إلى الاجتماعات رفيعة المستوى الأخرى.عندما ينظر المرء إلى أن تركيا كانت حاضرة في مراسم توقيع دستور الاتحاد الأوروبي في روما، فإن هذا التطور يصبح أكثر إثارة للقلق.

حدث هذا كله في الوقت الذي كانت تركيا تمر فيه بإصلاحات سريعة في جميع المجالات، وكان من الواضح أنها تنمو اقتصاديا، وفتحت أسواقها للعالم. ومن المثير للسخرية أن نرى الاتحاد الأوروبي يدفع تركيا بعيدا في الوقت الذي كان ينبغي له أن يفعل العكس.

قرار تغريب تركيا

كانت تركيا قد قررت قبل أكثر من ثمانية عقود، أن تصبح دولة حديثة وغريبة، وبذلت كل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف. كانت تركيا مصممة على تغيير العلاقة العدائية التي كانت تجمع الإمبراطورية العثمانية مع الغرب، واتخذت قرارا استراتيجيا وثوريا لتصبح جزءا من الحضارة القائمة. وترى تركيا أنها قُبلت في هذا الدور الجديد،حيث أصبحت جزءا من جميع المؤسسات الغربية الكبرى خلال الحرب الباردة.

عندما انهار الاتحاد السوفياتي وظهر نظام عالمي جديد إلى حيز الوجود، وجدت تركيا نفسها في وضع مختلف، إذ لم تعد قادرة على الاعتماد على موقعها الجغرافي الاستراتيجي حصنا ضد الشيوعية، فقد تغير العالم واضطرت تركيا إلى التكيف. كانت أول علامة عندما أصبحت البلدان الشيوعية السابقة مرشحة للاتحاد الأوروبي، في حين تُركت تركيا خارج الاتحاد. كان من الصعب استيعاب ذلك. أدركت تركيا للمرة الأولى أنها لم تقبل قط في "الأسرة الأوروبية"، وفهمت أن العلاقة كانت في معظمها علاقة احتياج لتركيا - كما كان مطلوبا خلال الحرب الباردة - واستبعدت فيما بعد عندما التهديد انتهى. وبالتالي، اضطرت تركيا إلى تعديل سياساتها وفقا لذلك.

ومع ذلك، ومع تطور الاقتصاد التركي والإصلاحات اللاحقة المطلوبة في إطار عملية الانضمام، بدأت تركيا أكثر حزما وانفتاحا على محيطها. هناك أمران ضروريان للدبلوماسية النشطة: الوسائل والفرص. ومثلها مثل العديد من البلدان الأخرى، كان لدى تركيا  موارد محدودة خلال الحرب الباردة. وحيث إن النظام الدولي الثنائي القطبية قد تفكك، فإن هناك الآن فرصا لتطوير علاقات جديدة دون عوائق. طورت تركيا ببطئ وسائل لتحقيق ذلك، حيث أصبحت سوقا ناشئة، وعضوا في مجموعة العشرين، وقائدة في المساعدات الإنمائية.

عن الكاتب

سليم ينيل

وكيل وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس