مطيع البطين - خاص ترك برس 

إنّ التعامل مع مخطّط التّغيير الدّيموغرافيّ على أنّه مجرّد تحويل وتبديل في البنية السّكانيّة هو تعامل يتّسم بالسّطحيّة إلى حدٍّ بعيد في فهم الموضوع ومناهضته والسّعي بعد ذلك لإفشاله ,ولذلك فإنّ التّركيز على أعداد المهجَّرين وبشاعة الوسائل الّتي يقوم بها المنفِّذون للتّغيير الدّيموغرافيّ قصفاً وتجويعاً وحصاراً وتهجيراً واغتيالات وتصفيات في السجون, واعتقاد أنّ هذه الحرب محصورة في ساحة هذه المعركة هو تركيزٌ وحصرٌ خاطئٌ , وتوصيف قاصر يهمل معارك خطيرة كبرى ينبغي معرفتها , وتبيين مدى خطورتها والعمل بعد ذلك على إفشال أهداف هذه الحرب في ميادينها المختلفة معركةً فمعركةً وساحةً فساحةً , وإنّ إعطاب العجلة الواحدة في العربة يعيقُ حركتها , وإعطاب العجلات جميعاً يوقف سيرها تماماً ,فإذا كنّا اليوم لا نستطيع ضرب عربة التّغيير فإنّنا وإلى حدٍ بعيدٍ نستطيع إعطاب العجلات وصولاً بعد ذلك إلى ضرب ماكينة التغيير,وبالتّالي إيقاف عربة التّغيير عن استكمال طريقها والوصول إلى أهدافها, فما هي هذه المعارك المهمّة المغفلة التي ينبغي معرفتها وخوضها؟

أولاً: معركة التّوثيق

وهي معركة تبيّن بالحجج والوثائق من هم أصحاب الحقّ والأرض والبلد الأصليّون مقابل هجمة التّزييف والتّحريف للصّورة الحقيقيّة للبلاد وأهلها، وهي قضيّة نحتاج إليها في كلّ المراحل الحاضرة والمستقبليّة للأجيال وفي مختلف المواضع والمحافل.

أمّا عن المفردات التي نحتاج توثيقها فما أكثرها وأهمّها وأخطرها:

1- العقارات وملكيّتها وخصوصاً بعد حرق السّجلات العقاريّة في مناطق متعدّدة (القصير وحمص كأمثلة).

2- السجل المدني الذي تم استهدافه في العديد من المدن والمناطق.

3-المباني ذات الدلالة نوثّقها قبل وبعد وتاريخ البناء (السيدة سكينة في داريا مثالاً).

4- البيوع للإيرانيين والأساليب المتبّعة والوسائل التي تمارسها إيران في ذلك (محلات العصرونية في دمشق مثالاً).

5- الأملاك المصادرة من قبل النّظام في سورية (حي الأتراك في دمشق مثالاً).

6- أعداد المجنَّسين وأصولهم وعلى أي أساس يتمّ التّجنيس والقوانين التي يتَّبعها النّظام لاستكمال التَّجنيس على أساس طائفي.

7- أراضي الوقف ومصادرتها.

8- مفرداتٌ كثيرةٌ مهمة: كشهود العيان والتّقارير الدوليَّة والوثائق المسرَّبة ذات الصِّلة وحملات التّهجير والسّجل المدنيّ و ........

إنَّ البدءَ بعمليَّات التَّوثيق هذه بشكل واسع ومنهجيّ أمرٌ يُفشِل إلى حدٍ بعيد مخطَّط التَّغيير الديموغرافي، ذلك أنه يدل على وجود المشروع المضاد الذي يعتمد الحقائق بدلاً من التزييف في مخطَّط التغيير.

ثانياً: المعركة الثقافيّة

وحتى ندرك مدى خطورة هذه المعركة يكفينا أن ننظر إلى ممارسات إيران المخيفة لأجل تغيير هويّة سورية ثقافياً من خلال إنشاء مقاطعات إيرانية صارخة في دمشق ومحيطها، مقاطعات يتم التعامل فيها بالعملة الإيرانية، واللغة السائدة فيها هي الفارسية والسكان فيها إيرانيون أو شيعة من جنسيّات مختلفة.

تمّ هذا حتّى الآن في حيّ الأمين وحيّ العمارة والجورة وزين العابدين ومنطقة السّيدة زينب، بل وتم توسيع هذه الأحياء والمناطق على حساب محيطها.

إضافة لهذه المقاطعات الطائفيّة تعمل إيران على إشاعة مظاهر اللطميّات والرايات وغير ذلك مما يساهم في محو ثقافة البلد وإحلال ثقافة طائفيّة إيرانيّة

ثالثاً: المعركة المخابراتيّة

وهي معركة خطيرة خفيَّة يقودها ضباط مخابرات يخترقون الفصائل ويوجهونها ويغذون فيها فكر القتل والتكفير واستحلال الدماء والاستهانة بحرمتها ومصونيتها، ويوظفون الإيديولوجيات في هذا الصراع الكارثيّ والذي يساهم بشكل واضح وخطير في تغيير ديموغرافيّة البلاد.

رابعاً: معركة الخرائط

هذه المعركة تبدو جليّة في تصريحات إيرانية وميلشياتية طائفية يعبرون عنها بقولهم: الهلال الشيعي، ومؤخرا البدر الشيعي كما وصفه قيس الخزعلي (زعيم ميليشيات عصائب أهل الحق في العراق)، أو رسمهم لطرق تمرّ بالكثير من المدن في المنطقة تبدأ من طهران وتمرّ ببغداد ودمشق وبيروت وغيرها وكذلك العمل على إحاطة دمشق بحزام شيعي(كما حصل في بغداد تاريخياً)، وتصريح زعيم ميليشيا حزب الله بأنّ طريق القدس يمر من الزبداني وحلب و...........

إنّ ضرب هذه الطرق وهذه الخرائط في أيّ نقطة أو موضع منها هو كسب وربح لكلّ أبناء المنطقة، فإذا لم نستطع ضرب كلّ هذه المواضع فإن الضرب والتركيز على موطن واحد يكفي لإفشال هذه الخرائط وإلى حد بعيد.

خامساً: معركة المصطلحات

إنّ حصر الجريمة في حرفيّة التغيير الديموغرافيّ القاضي بحدوث أمرين معا (الأوّل واستهداف شريحة معينة والثّاني هو المجيء بشريحة أخرى تحلّ محلّها) هو حرفٌ للأنظار وتهوين من شأن الجرائم الأخرى التي تصبّ في المخطط ذاته، فجرائم التّرحيل والتهجير الطوعي أو القسري والتطهير العرقيّ أو المصالحات والهدن التي تنتهي باتّفاقات تفضي إلى انزياحات سكانيّة، كلها جرائم لا تنفكّ عن العنوان الأبرز جريمةِ التغيير الديموغرافي.

أما الأخطر من ذلك كله فهو استخدام مصطلح الحرب الأهلية لتضييع الحقوق وعدم محاسبة أصحاب جرائم التغيير الديموغرافي.

سادساً: المعركة الإعلامية

وهي معركة مهمّة خطيرة تحاول من خلالها إيران حشد كل الدعم لما تقوم به على أساسٍ مذهبيّ يعتمد على مسألة حماية المراقد والدفاع عنها، وتنفي أنها تهدف إلى التغيير الديموغرافي كما صرّح زعيم ميليشيا حزب الله التابعة لها، بينما يقوم الإعلام في دول المنطقة المستهدفة بهذا المخطّط بدورٍ سطحيٍّ ولا يتعامل مع القضية كقضية محوريّة ومعركة مصيريّة.

يقتضي خوض المعركة الإعلامية العمل بحرفيّة عالية وبرامج متواصلة هادفة تحدِّث وتعرض باستمرار إجراءات التغيير وتفضح المباشرين والمساهمين، وتقوم بحشد الرأي العام ضدّ هذا التّغيير، وتضغط بقوة لإيقاف هذا المخطط وإعادة الحق إلى أصحابه.

سابعاً: المعركة الحقوقية والشرعية والقانونية

وهي لا شكّ معركة مهمّة تقوم بها الشخصيات والمؤسّسات المعنيّة، تقوم بالتوصيف الصحيح للواقع وتوظيف القوانين في مختلف المحافل الدوليّة لتبيين الحق والمطالبة بمحاسبة المجرمين ومحاكمتهم، وكذلك العمل على إبطال أعمال التجنيس على أساس طائفي وتطويب الأملاك المعتمد على الإكراه والإلجاء والابتزاز.

- هذه هي أهم المعارك في حرب التّغيير الديموغرافيّ والّتي تُظهر أنّ هذه الحرب طويلة الأمد، ساحاتها متعدّدة واسعة، فكريّة، بشريّة، حقوقيّة، ثقافيّة، سياسيّة، جغرافيّة، وتاريخيّة.

 حرب تخوضها إيران ومَن معها حاملين مخططاً متكاملاً يستهدفون فيه الإنسان والعمران والثّقافة هي حرب طويلة الأمد ونحن نتعامل معها بردّات الأفعال، وهي استراتيجيّة ونحن نتعامل معها عاطفيّاً وفي آخر اهتماماتنا، وهي مدروسة ونحن نريد إفشالها عشوائيا ,هي معركة نحتاج في خوضها إلى استنفار الاختصاصيّين وأصحاب الكفاءات وصنّاع القرار, لا أن تبقى ندباً وتنظيراً مجرداً, هي معركة تستند إلى المال والدّولة والإيديولوجيّة وتستهدف العراق وسورية والأردن ودول الخليج وتركيا فلماذا يتركنا إخوتنا نواجهها لوحدنا ولا يحسبون حساب مرحلة قريبة، نخشى عليهم أن يقولوا وقتها: أكلنا يوم أكل الثّور الأبيض!!!

عن الكاتب

مطيع البطين

كاتب ومحلل سياسي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس