طولو غومشتكين – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

يزداد الحراك السياسي الداخلي مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، وتزداد حدة النقاشات، فمن جهة، تسعى أحزاب المعارضة إلى زيادة الاحتقان لدى جماهيرها ضد الحزب الحاكم، فمهما كانت أساليبهم وطريقة حشد جمهورهم بعيدة عن الديمقراطية، إلا أنهم يستخدمون كل شيء ممكن لرفع نسبة الاحتقان لدى قواعدهم إلى أعلى مستوى قبل توجههم إلى صناديق الاقتراع.

ومن جهة أخرى، تتكرر مشاكل الديمقراطية في تركيا في كل انتخابات، وذلك من خلال تدخل بعض القوى التي لا تملك أحزابا سياسية في الحملات الانتخابية، والمقصود هنا بؤر التنظيم الموازي المتغلغلة داخل أروقة الدولة، فهم يلقون بكل ثقلهم في هذه الانتخابات، برغم عدم دخولهم بحزب سياسي يمثلهم.

تشّكل هؤلاء "الموازين" داخل نظام القضاء، وصل حدّ قيامه بأعمالٍ شكّلت عُنصر تهديد حقيقي على الدولة، وعلى أمن المواطن وثقته بمؤسسات الدولة، فمن المعروف أنّ الوجود القوي للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، يعني ديمقراطية قوية داخل الدولة، لكن وضع العصي في دواليب السلطة القضائية من قبل هذا التنظيم، قد يقود إلى انهيار تام للعملية الديمقراطية.

السياسة تعني تقديم المشاريع الحيوية للناس، من أجل الحصول على ثقتهم ودعمهم، السياسة تعني التنافس الديمقراطي بين الأحزاب، لكن السياسة في تركيا بقيت إلى سنوات طويلة جدا تحت رحمة الوصاية الخارجية، حيث كان يتم التلاعب بالقوانين والقواعد الديمقراطية بما يتوافق ومصالح القوى صاحبة النفوذ، وبعد مرور عشر سنوات على محاولة تركيا الانعتاق من الوصاية، إلا أنّ بعض الأحزاب ما زالت تُمارس دورها من أجل زيادة ترسيخ الوصاية وبقائها.

من الطبيعي أنْ تزيد أحزاب المعارضة من حجم انتقاداتها السياسية للحزب الحاكم، لكن اعتقاد نفس الأحزاب السياسية بضرورة الاستعانة بأطراف خارجية من أجل التأثير على أصوات الناخبين، ووضع آمالهم على تلك العناصر الخارجية يُسمّم حياتنا السياسية.

تقوم المعارضة منذ مدة طويلة بانتقاد سياسية الحكومة تجاه الشرق الأوسط بصورة كاملة، فكل شيء تقوم به الحكومة هو خاطئ من وجهة نظر المعارضة، مهما كانت نتائجه ومهما كان القرار، ولهذا اعترضوا بشدة على رؤية اردوغان تجاه مسألة الحرب الداخلية في سوريا، والتي يؤكد فيها ضرورة تدريب المعارضة السورية، واليوم يقفون صامتين أمام تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي أعلن من خلالها بدء تدريب المعارضة السورية.

كما تؤمن الأحزاب المعارضة -بكل أسف- بمحدودية ذاكرة الناخب، لكن الذاكرة المجتمعية في الحقيقة أقوى بكثير مما هو متوقع، فالناس تتذكر حزب العدالة والتنمية في كل انتخابات منذ عام 2002، ونرى في كل مرة زيادة نسبة الثقة بالحزب الحاكم منذ 13 عاما، وأصبحنا نرى ثقة الشعب المطلقة بقائد وزعيم هذا الحراك السياسي رجب طيب اردوغان، الذي قاد البلاد نحو الاستقرار والازدهار.

ربما لم يفهم أحد سبب تصويت أكثر من نصف فئة عرقية معينة، للحزب الحاكم، بدلا من تصويتها للحزب الذي يدافع عن عرقها ويتخذ من العرق ركيزة يرتكز عليها، كي يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات.

في نهاية المطاف، قام حزب العدالة والتنمية بزيادة متانة قاعدته الجماهيرية في كل انتخابات دخلها، لكن المعارضة أيضا ساعدت الحزب في ذلك، من خلال ابتعادها عن ممارسة المعارضة السياسية الحقيقية، حتى وصل مستوى المعارضة إلى درجة من الانحطاط تهدد به العملية الديمقراطية، ولذلك إذا أرادت المعارضة تحسين وضعها مجتمعيا، عليها الابتعاد عن أساليبها الحالية، وإذا لم يقوموا بذلك، فإنّ حزب العدالة والتنمية سيفوز في الانتخابات المقبلة أيضا، وستخسر الديمقراطية.

عن الكاتب

طولو غومشتكين

كاتبة في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس