وداد بلغين - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس

لنفهم مقدار التحولات والتطورات التي عاشتها البلد يجب علينا أن نلقي بنظرة على الأرقام التالية: 46 مليار دولار هو المبلغ الذي صرف من أجل مطار ثالث، 22 مليار دولار هو المبلغ الذي صرف من أجل إنشاء مركز نووي، 2.5 مليار دولار هو المبلغ الذي صرف من أجل جسر ثالث، لو لاحظتم هذه المبالغ لوجدتم أن 70 مليار دولار كانت فقط من أجل مشاريع عامة.

نعم، النطق بكل هذه المليارات سهل جدا هذه الأيام، لكن لو نظرنا الى ما كان يحصل في بدايات القرن الحالي لعلمنا أن الهزة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد ولم نجد حينها بنك واحد يُنقظُنا من مصائب هذه الأزمة الاقتصادية. أما الطريف في الموضوع هو أن المبلغ الذي عصف بتركيا كان 120 مليون دولار، نعم هذا صحيح "مليون".

وللتذكير أيضا فإن الفوائد على الديون الداخلية في عام 2002 كانت حوالي 62% بينما نرها انخفضت في العام الماضي الى 9.7%. وقد بلغت الفوائد للعوائد المالية على الدولة لكل 100ليرة نسبة 86% بينما نراها اليوم تنخفض لتصل 14ليرة. ألا يدعونا هذا للوقوف برهة والتأمل؟؟؟

الاقتصاد هو مصدر النمو

لو تأملنا ما هو مصدر هذا النمو لوجدنا أن السبب الأساسي هو تغيير المنظومة التنموية بشكل كامل، فقد كانت العمليات التي تضمن محاولات الفهم ودراسة الواقع من أجل الخروج بحلول خلّاقة لا تكون كافية للوصول للنتيجة التي وصلت لها تركيا الآن، فالحقيقة أعمق من ذلك بكثير، إذ أنه يتطلب الأمر المخاطرة بكل شيء من أجل الرهان على نظام اقتصادي كامل يحل بدل الموديل القديم، فمهما كانت الجهود والخطوات واعدة لن تحقق شيء حقيقي وملموس، ولكانت النتائج مثل سابقنها مخيبة للآمال، فالأمر لن ينفع معه إلا تغيير جذري.

إن التأريخ للموديل الجديد من أيام المرحوم أوزيل الذي وضّح نظام النمو الجديد على النحو التالي حسب وصفه " استبدال الواردات، والانفتاح على السوق العالمي"، فهو قائم على زيادة الاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات بالانفتاح على السوق العالمي. بينما كان الموديل القديم للاقتصاد والناشئ إثر الانقلاب الأسود في 1960 بقيادة كوادر تربت على التحكم والسيطرة السلبية على الاقتصاد بنكهة ديكتاتورية متخلّفة من ذاك الزمن الغابر، وتراوح الاقتصاد بين العمالة والبناء، وقاوم كل ما يخرج عن هذا النطاق حتى أن المنافسة الدائمة كانت حاضرة لتمنع أي حظوظ للتطور ومحاولة الإزهار.

وصل بنا الحال لنكون من الدول التي تمد يد المساعدة للكل

يضاف الى ذلك أيضا ان السياسات الاقتصادية القديمة كانت مربوطة بأجندات خارجية، وكانت الآليات التي تعمل بها المنظومة القديمة ضعيفة وبالية. لقد كان من أهم المشاكل الاقتصادية آن ذاك هو التعميم للمؤسسات فكانت المؤسسات الخاصة بالحكومة عامة، في الوقت كانت الحكومة عاجزة عن دفع مستحقات المؤسسات لتقوم بعملها، فالسيولة المطلوبة غير متوفرة بيد الحكومة، ولهذا كنا نرى عجز المؤسسات التي تعتمد على تلك السيولة مثل مؤسسات الإنتاج والطاقة والبريد وغيرها.

وكان من المشاكل أيضا في الموديل القديم هو المحاولات الفاشلة للتحول لدولة صناعية، وقد تم حل هذه المشكلة عن طريق تعزيز اقتصاد البلاد وتشجيع الإنتاج باستبدال الواردات بالإنتاج المحلي وكذلك زيادة الصادرات عن طريق الانفتاح للسوق العالمي.

من أيام أوزال كانت العراقيل والجدران الثخينة تقف حاجزا على تنفيذ مخططات النهوض بالبلاد، فتعميم المؤسسات والرأس مالية كانت أكبر العقبات أمام الانفتاح على السوق العالمي. لكن حزب العدلة والتنمية حل هذه المشكلة بثلاث خطوات. في البداية بدأ يهيئ الأجواء للانفتاح على السوق العالمي، فقام بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة عن طريق دعم رؤوس أموالها وتهيئة الأوضاع لهذه الشركات لتكون ضمن الشروط التنافسية في السوق. ثانيا انتهج سياسات التشجيع للإنتاج الصناعي ودعمه. ثالثا قام بتغييرات أساسية ومنهجية من أجل توسيع الباب على السوق العالمية ليزيد من التبادل التجاري. ثم توج كل ذلك بمساعدات في كل الأرجاء تصل ال 7.5 مليار دولار.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس