أحمد البرعي - خاص ترك برس

تسعى الأحزاب السياسية إلى كسب أصوات الناخبين عبر عدة وسائل، أهمها الحملات الانتخابية وللانتخابات التركية التي بقي لها أقل من ثلاثة أيام ولها خصوصية تنفرد بها، إذ اتسمت بطابع المزيدات وتحقيق أرقام قياسية بل وخيالية في الوعود الانتخابية من قبل أحزاب المعارضة. وهو ما دفع وزير المالية التركية محمد شيمشيك بالتصريح بأن المعارضة لو طبقت ثلث الوعود التي قطعتها على نفسها ستجر البلاد إلى أزمة مالية واقتصادية خانقة، ودفع ذلك كل من رئيس الجمهورية الطيب أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو في خطاباتهم الجماهيرية أيضاً إلى السخرية والتهكم من طبيعة وكمية الوعود الي تقطعها أحزاب المعارضة الثلاث على نفسها.

فداود أغلو وصف زعيم أكبر حزب معارضة تركي، كمال كلتشدار أوغلو، بأنه ينام ويحلم وعينه على خزانة الدولة التي بارك الله فيها في عهد العدالة والتنمية واستطاع الحزب أن يملأها، ويريد أن يأتي كلتشدار أوغلو ليفرغها بزيادة في المعاشات للمتقاعدين وإكراميات وعلاوات في الأعياد للعمال والعاطلين وزيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة الدعم للمحروقات ومشتقات البترول، وتخصيص راتب لكل ربة منزل، ورفع رواتب العمال ويصر رئيس المعارضة في معظم خطاباته على ضرب مثل في الظلم وانعدام العدل في رواتب العمال ويقول إن عاملاً يحصل على راتب 950 ليرة ولديه من الأولاد ثلاثة وزوجته لو اشترى في اليوم الواحد فقط "سميط (كعك) وكوباً من الشاي" ثلاث وجبات × خمس أفراد × ليرتين وهو ما يعادل 900 ليرة فماذا يتبقى لإيجار البيت والمصاريف الأخرى؟!

كما يقطع زعيم الحزب، كلتشدار أغلو، على نفسه وعودا يصفها البعض بأنها لا أخلاقية فمثلاً يتوعد بإعادة جميع السوريين إلى سوريا في حال فوز حزبه في الانتخابات المقبلة وهو ما يقابله أردوغان برد قاس مذكراً إياه بما قام به حزبه في عهد "عصمت إنونو" حين سلم أهل أذربيجان الفارين من ظلم "ستالين" وقتها وأعادهم ليقتلوا ويعدموا وكانوا يقولون يا ليتكم لم تسلمونا لهم وقتلتونا بأيديكم. فيصرخ أردوغان "هل نسلم إخواننا إلى ظالم قتل أكثر من 300 ألف من شعبه وشرد الملايين؟ نحن الأنصار وهم المهاجرون، لن نسلمهم أبداً".

المفارقة أن حزب الشعب الجمهوري يترأس بلديات العديد من المحافظات التركية منها إزمير مثلاً وهي من كبرى المحافظات، ولم يقم بتطبيق أي من هذه الوعود التي يقطعها على نفسه، والغريب والمثير للدهشة أيضاً أنهم يعدون بمشاريع شرع حزب العدالة والتنمية بالبدء في تنفيذها منذ سنوات مثلاً مشروع "إسطنبول المدينة المركز" والذي تهدف تركيا من خلاله إلى جعل إسطنبول مركزا للتصنيع والتوزيع للأمتعة بحكم موقعها الجغرافي المتميز.

ثم يتساءل كل من أردوغان وداود أوغلو، ومن الذي أغرق تركيا في الديون في الحكومات المتعاقبة السابقة؟!!، أليس هم من يقطعون الوعود والمواثيق؟!! كيف للشعب أن يثق بهم. ولذلك صدر حزب العدالة والتنمية شعار حملته الانتخابية بالشعار Onlar Konuşur AK Parti Yapar  والذي يعني "هم يتحدثون وحزب العدالة يعمل" والذي يكرره داود أغلو في كل مهرجاناته الخطابية ويعيد الجمهور وراءه.

يدرك المتابع للخطاب الانتخابي للعدالة والتنمية بالبون الشاسع والاختلاف الجوهري في مضمون الخطاب وآلياته فتجد أن التركيز على المشاريع التي نجح الحزب في تنفيذها والمشاريع والأحلام المستقبلية هي مادة الخطاب الانتخابي لكل من الطيب أردوغان وداود أوغلو فكلاهما يفتخر بالقول "إن أجدادنا سيروا السفن في البر والبحر ، ونحن نسير القطارات من أعماق البحار"، ومن الخطط التي يطرحها حزب العدالة والتنمية النظام الرئاسي، البديل عن النظام البرلماني أو نصف البرلماني وهو النظام المعمول به في كبرى الأنظمة الديمقراطية في العالم على غرار النظام الأمريكي والذي يعلن نعمان كورتولوموش نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أن الولايات المتحدة تبنته بناء على أصول الحكم في أواخر العهد العثماني، هذا بالإضافة إلى الدستور الجديد الذي إن نجح العدالة والتنمية في الفوز ب400 عضو في البرلمان يستطيع أن يمرر هذا الدستور الذي تحتاجه تركيا للوصول إلى أهدافها بتركيا القوية في العام 2023.

ومن المشاريع الحديثة أيضاً التي توظف في الخطاب الانتخابي افتتاح مطار صلاح الدين الأيوبي في منطقة يوكسيك أوفا التابع لمحافظة هكاري قرب الحدود الإيرانية والذي يصرح رئيس الجمهورية الطيب أردوغان أن المنظمة الإرهابية "حزب العمال الكردستاني" قامت بمحاولة تأخير واعاقة اتمام هذا المشروع الضخم بخطفها للعمال وتخريب وإغلاق أرض المشروع أكثر من 99 مرة على مدار سنتين، ويستنكر في خطاباته مخاطباً الأكراد في تلك المنطقة "من أجل من يفعلون هذا؟! وهل بهذه الأفعال يخدمون منطقتهم وأهلهم؟ هل هؤلاء من يحبون لكم الخير؟ أما أنا فأحبكم في الله وفي الله فقط". وهو الخطاب الذي يقابله صلاح دميرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بالقول "نحن نثمن عمل كل عامل ومهندس شارك في هذه المشاريع لخدمة أبناء شعبنا وهذا حقنا، ولكن ليس للحكومة ولا لرئيس الدولة أن يمن علينا بما يقوم به".

وهكذا يتبادل الزعماء ورؤساء الأحزاب التركية الرسائل عبر هذه الخطابات الجماهرية وليس من خلال البرامج التلفزيونية أو المناظرات المباشرة كما هو الحال في معظم البلاد الغربية أثناء الانتخابات وكما كان الحال في تركيا في انتخابات عام 1991 وانتخابات 2002 حيث كان يتناظر زعماء الأحزاب في البرامج التلفزيونية ولكن يبدو أن حالة الاستقطاب والاصطفاف قد بلغت مداها وهذا ما ستفرزه نتائج الانتخابات قريباً.

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس