أحمد البرعي - خاص ترك برس

من أجل منع التحالفات بين الكتل الحزبية والأحزاب المختلفة وإجبارها على خوض المعركة الانتخابية بالمستقلين فقط، استحدث العسكر التركي قانون الحسم الانتخابي والذي ينص على ضرورة فوز الحزب السياسي بنسبة 10% على الأقل لدخول البرلمان التركي.

يأتي ذلك في ظل الحديث عن قدرة أو عدم قدرة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP) بزعامة صلاح الدين ديمرطاش على تجاوز نسبة الحسم الانتخابي في الانتخابات القادمة وامكانية دخوله للحياة البرلمانية كحزب وليس كمستقلين كما سبق في الانتخابات السابقة إذ استطاع حزب السلام والديمقراطية (BDP) وقتئذٍ أن يحقق نجاحا باهراً بالفوز ب 40 مقعد بمرشحيه المستقلين، أما في الانتخابات المزمع انعقادها في  السابع من يونيو/ حزيران القادم فإنه يدرك أنه إن لم ينجح في تجاوز نسبة الحسم يكون قد انتحر سياسياً. فما الذي دفعه للقبول بالدخول في غمار هذه المخاطرة السياسية غير الواضح عواقبها ومآلاتها وهل لذلك أي تأثير إيجابي أو سلبي على عملية السلام الكردية التركية؟

من الجدير بالذكر أن عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في جزيرة إمرلي التركية كان قد دعا أنصاره لاتخاذ قرار مصيري بنزع سلاحهم والمشاركة في العملية الديمقراطية وهو ما قابله الرئيس التركي رجب أردوغان بالترحيب مع التحذير بأن القابعين في قنديل تحت قيادة مراد قرة أيلان أو "الرفيق جمال" رئيس اتحاد المنظمات الكردستانية، لم يلتزموا بتعهدات سابقة ولم يمتثلوا لنداءات زعيهم المعتقل "أوجلان" والذي كان قد حدد عشرة إجراءات يطلبها الأكراد للانخراط في العملية الديمقراطية ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني وكان من أهمها وضع دستور جديد للبلاد وهو ما يسعى أردوغان له وذلك إن حصل على ثلاثة أخماس البرلمانيين أو ما يعادل 400 عضو في الانتخابات القادمة إذ يستطيع عندئذٍ تمرير الدستور الجديد واستبدال دستور انقلاب عام 1980 والذي ما زال فعالاً حتى اليوم!!!

ماذا لو تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي نسبة الحسم الانتخابي؟

الغريب في الأمر أن ترى هذا الإجماع بين القوى الداخلية والخارجية على ضرورة نجاح الحزب في تجاوز نسبة الحسم الانتخابي، ولا أعتقد أن سيناريو البعض الذي يروج للتنسيق من وراء ستار بين حزب الشعوب الديمقراطي وبين حزب العدالة والتنمية بحيث ينزل الأخير بمرشحين غير معروفين في مناطق معينة يسمح للحزب بتجاوز نسبة الحسم الانتخابي ومن ثم يقوم بدوره بدعم برنامج أردوغان في تمرير الدستور الجديد والبرنامج الرئاسي، إذ صرح أكدوغان وهو نائب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أغلو أن حزب الشعوب الديمقراطي يعيش قصة غرام مع الكيان الموازي التابع لجماعة فتح الله غولن والذي يعد أشد أعداء عملية السلام التركية الكردية ويحاول بشتى الوسائل إفشالها.

واتهم أكدوغان أن ديمرطاش يتقارب مع حزب الشعب الجمهوري الذي يسعى لتشوية كل جميل يقوم به حزب العدالة والتنمية وقال أخيراً إن الشعب التركي يجب أن يعي ما يدور حولة جيداً خاصة أن الحملة الانتخابية لحزب الشعوب الديمقراطي، ابتدأت بالهجوم على رئيس الجمهورية ورئيس هيئة الشؤون الدينية وهو ما يشير الشبهات حول أهداف وتوجهات حزب الشعوب الديمقراطي.

ويأتي ذلك خاصة بعد حديث مليح غوكتشيك، رئيس بلدية أنقرة وأحد قادة حزب العدالة والتنمية عن التقارب غير المسبوق بين أرمن الشتات وحزب الشعوب الديمقراطي والتقاء أحلامهم في انشاء كيان مستقل لهم بالدعم الغربي خاصة الألماني والروسي. وهذا ما يفسر الخطاب العدائي لرئيس الحزب ديمرطاش والذي يحمل في رسالة سلام خطابي لفظي في الوقت الذي يقوم أتباعه بتعليق بوسترات لصنبور ماء يقطر منه الدم، وذلك دلالة على أنه إن لم ينتخبه الناخب الكردي فهذا مصيره لن يرى إلا الدماء والقتل بدلا عن الاستقرار والسلام.

ويرى المحللون أن الحزب يبنى جل جملته الانتخابية كنظرائه من أحزاب المعارضة على الهجوم المباشر لشخص أردوغان والاتهمات الباطلة له وهو ما يشكل تهديد حقيقي لعملية السلام الكردية التركية وخاصة أن أردوغان هو المهندس المعماري للعملية السلام برمتها.

وهذا ما يؤيد ذهاب البعض إلى أن هناك صراع أجنحة داخل الحزب، ففريق أوجلان المعتقل في جزيرة إمرالي يرغب في انهاء هذه الحقبة من الصراع المسلح ونزع السلاح والانخراط في العملية الديمقراطية وهو ما سيحدث وستعزز موقفه إن فشل الحزب في تجاوز نسبة الحسم الانتخابي فسيعلو عندئذٍ صوت أوجلان وتصبح له الكلمة العليا المسموعة على القابعين في قنديل تحت قيادة مراد قرة أيلان والذي لا يرى من عملية السلام هدفا ولا يرغب في نجاحها إذ إن نزع سلاح حزب العمال يعني بطريقة أو بأخرى انتهاء دوره وهذا ما لا يرغبه ولا ترغب به أيضاً القوى الإقليمية التي تسعى إلى ابقائه كشوكة في حلق حزب العدالة والتنمية. فإن تجاوز الحزب نسبة الحسم الانتخابي أضحى الأمر في يد قنديل وأصبح لمراد قرة أيلان اليد العليا والكلمة المسموعة فكيف لأوجلان أن يتحدث بعد ذلك وقد نجح الحزب بدخول البرلمان دون نزع السلاح والتنازل من وجهة نظر قنديل عن حق الأكراد في كيان مستقل لهم وهو ما سيعصف بعملية السلام. 

عن الكاتب

د.أحمد البرعي

باحث ومحاضر في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس