د. محمد العادل - خاص ترك برس

ماذا يعني حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على نسبة 40 بالمئة من أصوات الناخبين؟

أولًا: حزب العدالة والتنمية لا يزال يحتلّ المركز الأول في المشهد السياسي، وأنه يمثل قطاعا كبيرا من الشعب التركي، وهذه النتائج تعتبر بمقاييس الأرقام الانتخابية فوزا مهما.

ثانيًا: رغم أن ما حققه حزب العدالة والتنمية يعتبر فوزا، إلاّ أن نسبة 40 بالمئة لم تمكنه من الوصول إلى سقف طموحاته، ولن تؤهله لتشكيل حكومة بمفرده وبالتالي لن يستطيع الانطلاق فيما وعد به من صياغة دستور جديد لتركيا.

ثالثًا: الملفت للنظر في هذه الانتخابات أن المواطنين الأكراد (بمن فيهم أنصار حزب العدالة والتنمية سابقا) قد توحّدوا في جبهة واحدة وأعطوا ثقتهم لحزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) الذي حصل على 13 بالمئة ليدخل البرلمان من باب واسع.

رابعًا: فوز حزب الشعوب والديمقراطي (الكردي) بنسبة 13 بالمئة أراه شخصيا حالة صحية تخدم الأمن والاستقرار في تركيا وستساعد على التقدم في مسار الحل السياسي والسلمي للقضية الكردية داخل تركيا، ولهذا السبب لا يستبعد المراقبون تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب العدالة والتنمية والحزب الكردي رغم حالة التنافر بينهما.

خامسًا: الأصوات التي خسرها حزب العدالة والتنمية توزعت على الأحزاب التقليدية حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، وأحزاب صغرى أخرى، لكن ارتفاع شعبية هذه الأحزاب بنسبة 2 الى 3 % لا تؤهلهم الى أي دور فاعل في المشهد السياسي.

سادسًا: الناخب التركي يختار مرة أخرى حزب العدالة والتنمية قائدا للمرحلة المقبلة لكنها قيادة مشروطة بالبحث عن شريك مناسب له في السلطة، فالناخب التركي يعترف له بإنجازاته ونجاحاته لكنه في الوقت نفسه يطالبه أيضا بمراجعة بعض خياراته وسياساته وخطابه.

سابعًا: تعتبر نتائج الانتخابات استفتاءًا غير مباشر على مطلب الرئيس رجب طيب أردوغان بتغيير النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي، والنتائج تقول بشكل جلي إن الناخب التركي يضع في أولوياته: السياسات التنموية والاقتصادية، والعدالة الاجتماعية والحقوق والحريات، وليس غير ذلك.

ثامنًا: لا شك أن تركيا ستدخل مرحلة سياسية جديدة، وقد تعود مؤقتا الى الحكومات الائتلافية التي ستقودها حتما إلى انتخابات مبكرة، وهو خيار قد يتخذه الرئيس أردوغان في حال فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيل حكومته.

تاسعًا: إن تجمّع أحزاب المعارضة التركية لتشكيل حكومة ائتلافية بدون حزب العدالة والتنمية غير وارد بسبب عدم تجانسها وهو في حد ذاته لو حصل يعتبر استهتارا بخيار الشعب التركي الذي اختار الحزب الأول بفارق بارز.

عاشرًا: إن نتائج الانتخابات ستكون لها انعكاسات سلبية على الدور الإقليمي لتركيا لأن الحكومة التركية ستكون مضطرة للإنشغال أكثر بالمشهد الداخلي.

ولعل الأهم من ذلك كلّه أن الوضع الحالي سيدفع مدرسة العدالة والتنمية و من ورائها الحركة الأربكانية (نسية للزعيم الراحل نجم الدين أربكان) إلى التسريع بولادة حركة سياسية برؤية جديدة وقيادة جديدة غير مستهلكة من نفس الرحم (كما ولد سابقا حزب العدالة والتنمية من رحم حزب أربكان) وهو أمر أصبح متداولًا منذ أكثر من سنتين بعد أن شعر الكثير أن حزب العدالة والتنمية قد حقق رسالته، وأنه يحق له أن يتمتّع بمنحة الشيخوخة ويحال إلى التقاعد.

وتلك هي سنّة الحياة ويبقى أن نقول: هنيئا لتركيا بديمقراطيتها وقوة مؤسساتها وهيئنا للشعب التركي بذكائه فهو يؤكد مرة أخرى أنه هو فقط من يصوغ المشهد السياسي الذي يريد وليس غيره.

عن الكاتب

د. محمد العادل

أستاذ جامعي في تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس